تاريخ القانون الدولي العام

 

يـمكن تقسيم تاريخ القانون الدولي إلى فترتين. تنطلق الفقرة الأولى من "البدايات" إلى غاية  الثورة الفرنسية سنة.1789 وهي فترة النشأة. وتنطلق الفقرة الثانية من 1908 إلى يومنا هذا. وهي  فترة التطور

.1فترة النشأة (من البدايات إلى غاية الثورة الفرنسية(: 

.1.1 العصور القديـمة والعصر الوسيط: القانون الدولي بدون دول

لـم تظهر الدولة بالمعنى الـحديث خلال العصور القديـمة والعصر الوسيط. ومن وجهة نظر  قانونية، يـمكننا إذن جـمع هاتين المرحلتين (ي العصور القديـمة والعصر الوسيط) في فترة واحدة يـمكن وصفها بأنـها فترة ما قبل الدولة. فهل يـمكن أن يظهر القانون الدولي في فترة لـم توجد فيها  دول؟ 

يعتبر من يـجيب عن هذا السؤال بالنفي أن بداية تاريخ القانون الدولي كانت خلال القرن 12 حيث بدأت أولى الدول الأوروبية بالظهور. ورغم ذلك، يـجب اعتبار القانون الدولي كقانون  بين-اجتماعي أو قانون بين-مـجموعات. وعندما يطبق على الدول، لا يطبق عليها باعتبارها  كذلك، بل ينظمها باعتبارها "مـجتمعات سياسية" متميزة ومستقلة. ودون أن تعتبر دول، كانت  هناك مـجتمعات سياسية خلال العصور القديـمة والعصر الوسيط. وقد وجد القانون الدولي بالفعل  في الوسط الاجتماعي خلال العصور القديـمة والعصر الوسيط حدا أدنى من الظروف الضرورية  لظهوره

وإذا كانت أوروبا قد ساهـمت في فرض مؤسسة الدولة كمفهوم مركزي في القانون الدولي،  فإن حضارتـها هي وريثة الفكر القديـم اليوناني-الروماني ومبادئ الـحضارة الـمسيحية والتي طبعت  العصر الوسيط

وضمن هذه الـمعطيات مـجتمعة، مارس الـمجتمع القديـم والوسيط تأثيرا مهما في نشأة  القانون الدولي

أ- العالـم القديـم والقانون الدولي

يضم العصر القديـم ثالثة ألفيات، تبدأ قبل الميلاد وتستمر إلى غاية انـهيار الإمبراطورية  الرومانية في الغرب سنة 476 بعد الميلاد. وقد عرف الـحقل السياسي الدولي خلال هذه الفترة  نوعين مختلفين من الـجماعات السياسية: الإمبراطوريات التي كانت تـمتد على مجالات ترابية  شاسعة، والتي اعتبرت "القوى الكبرى" لتلك الـمرحلة، والـمدن، والـمدن اليونانية بالأساس، وهي  وحدات مـختلفة الـحجم لكنها منسجمة وجد منظمة

وبالـمجمل، هيمنت على العالـم "الـمعروف" آنذاك نزعة الاكتفاء الذاتي وعزلة الشعوبولـهذا السبب فإن النقاش حول بدايات القانون الدولي هـمت بالأساس هذه الـمرحلة، وبالنسبة لعدد من المتخصصين، فإنه لـم يكن مـمكنا أن تظهر قاعدة قانونية في وسط بين-اجتماعي مـماثل  )العزلة والاكتفاء الذاتي) ومفتوح بشكل دائم على علاقات الـحرب

ويـمكننا أن نعتبر هذا الرأي الذي ينفي وجود القانون الدولي مبالغا فيه. ولأن بعض آثار  قانون دولي مـماثل لـما نعرفه اليوم اكتشفت ، فإن الأمر كان يتعلق ببعض بوادر ظهور هذا القانونوالـحالة الدائمة للحرب خلال العصر القديـم والذي اتسم بديـمومة الصراع لـم تـحفز في أي منطقة  من العالـم، سواء في الشرق الأقصى أو الشرق أو في العالـم اليوناني-الروماني ظهور نظام قانوني  فعلي

- مساهـمة الصين في ظهور القانون الدولي

و رغم ندرة الوثائق، فإن هناك اعتراف بوجود روابط دولية موجودة خارج الـمنطقة الـمتوسطية،  غير أنـها لـم تؤثر كثيرا على سريورة التطور العام للقانون الدولي

وفي هذا الإطار، طور "كونفشيوس"، كمثال، في الصين نظرية عامة حول العلاقات  الاجتماعية على الـمستوى الكوني. وقد آمن بوجود نية أساسية ومشتركة كونيا، والتي تلزم سلوك  الأفراد بأن يكو ن في كل مكان متناغما مع نظام الطبيعة تـحقيقا للـمصلحة الاجتماعية. وهذا التناغم الذي يـجب أن يـميز النظام، ينبغي أن يكون نـموذجا دائما للنظام الاجتماعي  ومنطق اشتغاله، ليس فقط داخل الشعب الواحد، بل بين كل الشعوب

وقد كان ذلك أول ترافع من أجل السلام الـعالـمي والدائم في مـجتمع أنـهكته الـحروب  الدائمة والطويلة

- مساهـمة إمبراطوريات الشرق

وبالفعل، فقد أدت الـحاجيات الاقتصادية، بغض النظر عن الاكتفاء الذاتي وعزلة الشعوب،  بإمبراطوريات الشرق (تزامن ظهور كل من الإمبراطورية الـمصرية في النيل و الإمبراطورية البابلية في بلاد  الرافدين حوالي الألفية الثالثة قبل الميلاد) إلى الدخول في علاقات سلمية مع العالـم الـخارجي.

بفضل ذلك، ظهرت روابط تـجارية. وكانت مصر وبابل مركزين حيويين للرحالة التجارية  بين الـهند والـمتوسط. وقد استمرت الروابط الـتجارية بعد انـهيار هذه الإمبراطوريات وظهور  امبراطوريات أخرى )الإمبراطورية الفارسية...) ويؤسس الـمدافعون عن وجود القانون الدولي منذ تلك  الفترة أطروحاتـهم على وجود وتطور هذه الروابط

وقد بينت الوثائق التاريـخية الـمعروفة أن الالتزامات الدولية كانت تتم في تلك الفترة عبر آلية  الاتفاقيات الـموقعة على أساس الـمساواة بين الشركاء. وكانت مواضيع هذه الاتفاقيات تـهم التجارة  والـتحالفات (الدفاعية والـهجومية)وتـحديد المجالات الترابية. وقد بينت بعض الوثائق وجود شبكة  من العلاقات الدبلوماسية أيضا

ولأن اليونان القديـمة ثـم العصر الوسيط، استعملت كل من الاتفاقية والدبلوماسية، والتي  أصبحت أدوات جوهرية للعالقات الدولية الـحالية، فإن هناك استمرارية من العصر القديـم إلى يومنا  هذا في هذين المجالين على الأقل

- اليونان والعلاقات بين الـمدن

لعبت اليونان دورا منشئا للقانون الدولي. وقد جاءت الـمساهـمات من نشاط الـمدن، والتي وصلت ذروتها مع الديـمقراطية آلأثينية، واحتلت دون منازع مكانة رئيسة لـمدة خـمسة قرون إلى  غاية الاحتلال المقدوني منتصف القرن الرابع قبل الميلاد

وقد شكلت الفر دانية الـهيلينية (الإغريقية) إلى جانب العزلة وعدم الثقة في الأجنبي والتي  ميزت بشكل عام الـمجتمع القديـم، مصدرا دائما للحرب، ليس فقط بين الـمدن اليونانية والـعالـم  الـخارجي، بل بين الـمدن فيما بينها أيضا

ورغم ذلك، فإن خطر الـحرب هو الدائم وليس الـحرب. فقد كانت هناك فترات سلم  أحدثت بفضل اتفاقيات (مثال: اتفاقيات سلم 30 سنة عام 446 ق.م. و سلم 50 سنة عام  431 ق.م. من خلال اتفاقية نيسياس بين أثينا واسبارطا(. ونـجد أيضا فكرة للسلم الدائم في  الاتفاقية الـموقعة مع بلاد فارس سنة 386 ق.م.

وتوجد بشكل مهم علاقات سلمية حفزتـها عدة جوانب من الـحياة داخل الـمدن، من بينها  الضرورات الاقتصادية التي كانت تتزايد بالـموازاة مع تطور هذه الـمدن. وقد أصبحت أثينا خلال  القرن الـخامس قبل الميلاد مركزا لـتجارة بـحرية دولية كبيرة

وإذا كانت الـمدن اليونانية وحدات منظمة سياسيا، وشكلت الإستقلالية فيما بينها أفقا  وسـمة، فإن شعوبـها تنتمي لنفس العرق والـحضارة والثقافة والتي خلقت بينها جسورا خاصة. فقد  كان لديها وعي بأنـها (الشعوب) إغريق في معارضة "البربر" وبفضل عوامل الوحدة والتقارب،  والغائبة عن الشرق الـمعقد والشاسع، كانت مساهـمة اليونان في نشأة القانون الدولي أكثر أهـمية  وعمقا

وانطلاقا من الشهادة الـموثقة لـ "توسيديد"، فإن اليونانيين استعملوا، كالمشارفة، الأليتين  الـجوهريتين في العلاقات: الـمعاهدات والدبلوماسية. وهو ما يـمكن معه احتمال وجود جـماعة  قانونية بينها. وإذا كان صـحيحا أن اليونانيين لـم يأتوا بتغيرات كبيرة في هذا الإطار، فإنـهم طوروا في  الـمقابل مستجدات مهمة

- تـم تسجيل أدلة أولى على قانون حرب ينبني على اعتبارات إنسانية ومفروض على شكل  معاهدات؛ 

- التزمت الـمدن اليونانية، عبر معاهدات، بعرض منازعاتـها على الـتحكيم. ويؤكد مؤرخو  القانون الدولي أن التحكيم الدولي، والذي لـم يوجد لدى المشارفة، آلية طورها الـيونانيون دون  غيرهم (الاتفاقيتان الـمشار إليهما سلفا بين اسبارطا وأثينا، ومعاهدة الـتحالف العسكري بين اسبارطا  وأرغوس سنة 418 ق.م.) وقد تـم تسجيل حوالي 110  تـحكيم خلال الفترة الـممتدة على 5 قرون  وتصل إلى القرن 4 قبل الميلاد؛ 

- لوحظت أولى الـجهود من أجل التنظيم الدولي. وقد كان العامل الأول الـمساعد على ذلك  عاملا دينيا (تـجمع الـمدن اليونانية لـحماية أماكن العبادة...) كما أن مصلحة مشتركة أخرى  حفزت على التعاون، ويتعلق بـما استراتيجي. فقد أحدثت منظمات للدفاع الـجماعي على أساس  معاهدة الـتحالف والدعم العسكري (تشبه اليوم في خصائصها الكنفدرالية: حرية الانتماء ومساواة  الأعضاء). وقد تأسست أولى الكنفدراليات اليونانية (اتـحاد ديلوس) سنة 476 ق.م. والثانية بعد  قرن سنة 378 ق.م. ورغم ذلك، لـم تحترم أثينا طويلا الـمساواة بين الأعضاء، والتي حولت  مكانتها بسرعة إلى إمبريالية داخل النظام

وقد أدى هذا النزوع من قبل أثينا إلى السيطرة إلى إنـهاء هذه الـتجارب التي لـم تدم أكثر من  عشرين سنة

- روما: التصور الروماني للعالقات الدولية

استعملت روما أيضا نفس الآليات القانونية (الاتفاقية( والسياسية )الدبلوماسية) وعلى قدم  الـمساواة مع العالـم الـخارجي ) اتفاقية بين روما ومدن لاتيوم خلال القرن الـخامس ق.م. واتفاقية بين  روما وقرطاج سنة 306  ق.م. من أجل ضمان السلم...)، ولكن ذلك لـم يدم طويلا. فبسبب  إيـمان روما بتفوقها على جيرانـها، التفوق الذي اعتبرته طبيعيا، لـم تعد روما ترى ضرورة التعامل  بشكل متساوي مع الشعوب الأخرى، بعد أن دمرت قرطاج وغداة غزو اليونان وآسيا ومصر

. فقد انتقلت من التعامل بـمساواة في علاقاتها الدولية " Foedus aequum "مع الـعالـم  الـخارجي إلى التعامل باللا مساواة Foedus iniquum " "، وهي عادة لا تنسجم مع القانون  الدولي والذي يستلزم علاقات بين متساويين "Egaux ولذلك لـم يكن لروما، حسب الرأي  الـعام، تأثير على تطور هذا القانون. ورغم ذلك كان هناك قانون دولي روماني "gentium Jus"،  لكنه صيغ من جانب واحد من قبل روما

ب- القانون الدولي في العصر الوسيط

عاشت أوروبا بعد انـهيار الإمبراطورية الرومانية في الغرب سنة 476  ميلادية مرحلة فوضى  سببتها الغزوات "البربرية". واستمرت التقاليد الـحربية التي كانت سائدة في العصر القديـم. وهي الفترة  "الـمظلمة" من العصر الوسيط والتي استمرت عدة قرون عرف خلالها تطور القانون الدولي توقفا شبه  تام.

وقد بدأت تظهر شيئا فشيئا وحدات منظمة حوالي القرن الثامن الميلادي، والتي قادها منذ  بدايتها النظام الفيودالي. وكانت هذه الـمجتمعات السياسية الـجديدة أقل استقرارا.

ولن تظهر عالقات دولية فعلية من جديد إلا مع بداية القرن ،11 عندما بدأت الـمرحلة  "الـمزدهرة" من العصر الوسيط. ويرجع الفضل للعصر الوسيط في تقسيم القانون الدولي إلى قانون  حرب وقانون السلم. وهو التقسيم الذي اعتمده "غروتيوس" ويستمر فقهاء القانون الدولي اليوم في  اعتماده

وقد استمر العصر الوسيط، فيما يتعلق بالعلاقات السلمية، في استعمال وتطوير الـممارسات  القديـمة اليونانية-الشرقية، بـحيث تـم استعمال الاتفاقيات كذلك باعتبارها آليات للعلاقات الدولية  والتحكيم. وقد استعمل الـتحكيم بكثرة خلال هذه الفترة باعتباره وسيلة للتصدي للحروب. كما أن  التطور الـمعياري كان يتعلق أساسا بقطاعين مهمين هما العلاقات الدبلوماسية والعلاقات التجارية.

ولـم تتطور بشكل جوهري الدبلوماسية إلا مع نـهاية العصر الوسيط عبر إحداث وزارات  الشؤون الـخارجية والسفارات الدائمة. كما أن العلاقات التجارية البحرية كانت سببا في ظهور قانون  البحار والذي ينظم فترات الـحرب والسلم

وبعد تـحليله بالتفصيل لكل الإنتاج الـمعياري لتلك الفترة، اعتبر "إرنست نيس" في نـهاية  القرن 19 بأن "أصل جل الـمؤسسات الدولية الـمعاصرة يـجب البحث عنه في النصف الثاني من  العصر الوسيط". 

.1.2 من نـهاية العصر الوسيط إلى الثورة الفرنسية

أ- نشأة النظام القانوني الدولي البين-دولتي

كانت هذه الـمرحلة حاسـمة و التي تطورت فيها العلاقات الدولية. وقد عرفت هذه الـمرحلة  تطورا معياريا مهما، كما أن الدبلوماسية ترسخت. غري أن القواعد القانونية الناشئة كانت مشتتة  وموزعة، ولـم يكن مـمكنا أن تشكل نظاما معياريا منسجما يستحق تسمية "قانون". ولتحقيق هذه  النتيجة، كان ضروريا أن يـحدث بالـموازاة مع بلورة الـمعايير،  نظام موحد مبني على مبادئ مَوجهة ، .

وبالفعل، سيظهر هذا النظام البين-دولتي، والـمعروف باسم نظام "ويستفاليا"، تدريـجيا  خلال هذه الفترة. وقد تـم تتويج مسيرة طويلة لنشأة القانون الدولي بـحصوله على خصائصه الـمميزة  مع نظام "ويستفاليا". ورغم وصفه اليوم بأنه نظام كلاسيكي، إلا أنه لازال ينظم جانبا كبريا من العلاقات الدولية إلى يومنا هذا

- ظهور الدول ذات السيادة والـمجتمع البين-دولتي

لقد عرفت هذه الـمرحلة تـحول الـملكيات الأوروبية إلى دول حديثة. ولأن وجود الدولة  يفترض وجود سلطة مركزية تـمارس كامل وظائف الدولة على تراب يشكل مـجال نفوذها، فإن  الـملوك الأوروبيون بعد أن تـخلصوا من الوصاية الـخارجية انتظروا قرنا آخر "لربح" الصراع على  الـمستوى الـداخلي ضد الفيودالية

وقد تأسست، كرونولوجيا، دولة إنجلترا أوال ألن الـملكية الانجليزية تـحررت قبل الـملكيات  الأوروبية الأخرى من وصاية "البابا". أما فرنسا فلم تتمكن من ذلك إلا مع حكم لويس 11 من  1461  إلى 1483عندما اكتمل توحيد التراب الفرنسي تـحت سلطة الـملك. –

"جون بودان" ومبدأ سيادة الدول

كان "جون بودان 1530-1596 ملكيا ملتزما، وكانت غايته "ايـجاد "غطاء قانوني  لعمل الـملك بـهدف بناء الدولة. وتصوره للدولة كان يـهدف إلى خدمة وتأكيد السلطة الـملكيةوقد عرض أفكاره بطريقة نسقية في كتابه "الكتب الست للجمهورية" الـمنشور سنة .1576

وقد عرف "جون بودان" الـدولة بأنـها "حكم عدة أسر وما هو مشترك بينها عبر قو ة ذات  سيادة" والقوة السيادية هي الـخاصية الـجوهرية للدولة. و"لا وجود لدولة بدون سيادة". ويؤكد "بودان" على أن السيادة ينبغي أن تكون واحدة وغيرقابلة للتجزئة ودائمة وأسـمىوكان يطمح إلى بلورة الثلاثي، الدولة والسيادة والـحاكم، على شكل قاعدة قانونية -سياسية. وتتضمن السيادة، حسب "بودان"، جانبا داخليا (السيادة في الدولة) وجانبا خارجيا (سيادة الدولة(

اتفاقيات "ويستفاليا" وتأكيد النظام البين-دولتي الـجديد:

وضعت هذه الاتفاقيات نـهاية لـحرب دموية في ألـمانيا امتدت لثلاثين سنة. وقد كانت هذه  الـحرب دينية أكثر منها سياسية. وقد انتهت الـحرب بتوقيع اتفاقيتان في 14  و 24 أكتوبر 1648

وتشكل مـجتمعة ما يسمى اتفاقيات "ويستفاليا وقد وصفت بأنـها ميثاق دستوري لأوروبا، أولا لأنـها شرعنت ظهور دول جديدة ذات سيادة والـخريطة الـجديدة لأوروبا والتي نتجت عنها. وثانيا، لأنـها وضعت العناصر الأولى "لقانون عام أوروبي"، والإعتراف بالسيادة والـمساواة بين  الدول باعتبارها مبادئ أساسية للعلاقات الدولية. كما اعتبر ضروريا استعمال آلية الاتفاقيات الـمبنية  على اتفاق الدول الـمشاركة لـحل الـمشاكل المشتركة

ويـمكن اعتبار اتفاقيات "ويستفاليا"، من وجهة نظر قانونية، نقطة انطلاق كل التطور الذي  عرفه القانون الدولي الـمعاصر. رغم أنـها أدت بعد ذلك إلى ظهور ملكيات مطلقة في أوروبا.  مؤسسو القانون الدولي: 

كانت النزعة الأولى، كرونولوجيا، هي مدرسة القانون الطبيعي وقانون الشعوب والتي تزعمها  "غروتيوس". كما ظهر الوضعانين الأوائل انطلاقا من منتصف القرن .18 وبين هاتين النزعتين  )الطبيعية والوضعية) يوجد "فاتيل" والذي دافع عن وضعانية القانون الدولي، رغم عدم رفضه صراحة  للقانون الطبيعي

- السابقون لـ "غروتيوس" والنظرية التقليدية للقانون الطبيعي

تعتبر فكرة وجود قانون طبيعي سابق وأسـمى من القانون الوضعي فكرة قديـمة. وتعود إلى  أرسطو وإلى الـمدرسة الرواقية. وتعددت طرق استلهامها. وترتكز على تصور للإنسان باعتباره كائن  اجتماعي بطبعه وحر ويـحميه القانون الطبيعي ألنه يوفق بين اجتماعيته (القابلية للعيش في  الـمجتمع) وحريته

و بالفعل، فإذا كان الـمجتمع ضروريا للإنسان، فإن هذا الـمجتمع بالضرورة مـجتمع قانوني،  منظم بالقانون الطبيعي الذي يضمن الـحرية ويـحد من السلطة التي يـمتثل لـها.

.1 فترة التطور (من 1789 إلى اليوم): الدولة ذات السيادة في مواجهة التضامن  الدولي

هناك واقعتين بارزتين هيمنت على الـحياة الدولية خلال هذين القرنين ويـمكن جـمعهما في  نفس الفترة الـقانونية

تتعلق الواقعة الأولى بتأكيد الدولة ذات السيادة، وما ترتب عنها من فرض واقع النظام البين- دولتي، والذي اعتبر نتيجة منطقية لكل التطورات التي لـحقت اتفاقيات ويستفاليا.

أما الواقعة الثانية فنتجت عن التحولات العميقة والـمتعاقبة في الـعالـم والتي سببتها المتغيرات  التالية: التحولات السياسية والتقنية والصناعية والـحروب، خصوصا الحربين العالميتين الأولى والثانية  والتي وقعت في ظرف زمنين أقل من جيل، وموجة استقلال الشعوب الـمستعمرة منتصف القرن  الـماضي، ثـم انتشار الأسلحة النووية

وقد أدت هذه التحولات في الـمجتمع الدولي إلى آثار على كل الشعوب، وأيقضت لديها  وعيا بوحدتـها واعتمادها الـمتبادل. كما أدى هذا الوعي إلى وجود مصالـح مشتركة في كل  المجالات، أي التضامن الدولي. وهذا ما ترتب عنه ضرورة التعاون لـحل الـمشاكل المشتركة. إلا أن الفوضى التي سببها تعارض السيادات على الـمستوى الدولي، لـم يساعد على التعاون  غير أن معـالـجة الـمشاكل المشتركة، جعل الدول، رغم إصرارها على الـحفاظ على سيادتـها، ملزمة  حسب مقتضيات الأشياء بالالتزام بالبحث عن الـحلول المشتركة. وربـما كانت جهود مأسسة  وتنظيم الـمجتمع الدولي ردة فعل عن الفوضى التي سببتها الصراعات الدولية.

المقال التالي المقال السابق
لا تعليقات
إضافة تعليق
رابط التعليق