نظريات القانون الدولي العام

  نظرية القانون الدولي

قانون مطبق على وحدات ذات سيادة

يهـيمن موقع الدولة على الـمستوى الدولي على كل الـتجاذبات، لأنه ليس من السهل إلا  تصور وحدات تريد أن تـحافظ على سيادتـها. ويـجب عليها أو يـمكنها الـخضوع للقانون، وشاهدة  على حريتها في التصرف التي يـحدها القانون

ويطرح الـمشكل بـحدة أكثر، نظريا، على مستوى القانون العام الـداخلي: سيادة الدولة لا  تواجهها سيادة أخرى، عكس الـمجتمع الدولي، والذي يعرف تـجاورا وتعايشا لوحدات متساوية لـها  نفس تطلعات مـمارسة السيادة الـمطلقة

لذلك يعتبر القانون الدولي ضابطا لا غنى عنه لـهذا التجاور. وبعيدا عن اعتبار القانون الدولي  غير متوافق مع سيادة الدول في النظام الدولي، يعتبر القانون الدولي لازما: لا يـمكن تصور الدولة إلا  بوجود دول أخرى، وهذا ما يـميزها عن الإمبراطورية

ولـهذه الاعتبارات، فإن مفهوم السيادة في النظام الدولي، لا ينبغي أن يفهم بـمعناها الـمطلق،  بل يعني فقط أن الدولة ليست خاضعة لأخرى، لكنها يـجب أن تحترم حدا أدىن من القواعد الضامنة لنفس الامتياز لـجميع الدول. وهذا هو الـموضوع الأول والأساس الـجوهري للقانون الدولي  الـمعاصر

ولأن سيادة الدول تفرض نفسها في النظام القانونين الدولي الـمعاصر باعتبارها عنصرا جوهريا،  فإن ذلك يؤدي إلى هيمنة بنية التنسيق على بنية الـخضوع في الـمجتمع الدولي، رغم ظهور بعض  عناصر قانون الـخضوع، والذي لن يؤدي إلى اختفاء بنية التنسيق

وقد أدى تـجاور وتنافس السيادات الـمتساوية إلى منح القانون الدولي مـميزات خاصة تـجعله  مـختلفا بشكل كامل عن القوانين الوطنية، وهو ما أدى إلى طرح سؤال حول أساس القانون الدولي

 خصوصيات النظام القانوني الدولي

يعتبر القانون الدولي موضوعا "لـمواجهة" فكرية بني عدة مدارس متعارضة. وبعد أن كان  الاهتمام الأوللفقهاء القانون هو تأكيد سيادة الأمير، اهتم الفقه بعد ذلك بـمحاولة إيجاد  المبررات النظرية لامتثال الدولة للقانون الدولي، باعتباره الإطار الضروري لتعايش السيادات. وقد تـم  تـجاوز هذه الـمرحلة نسبيا اليوم: رغم استمرار النقاش حول العلاقة بني الأنظمة القانونية الداخلية  والدولية

وجود وطبيعة القانون الدولي

أ- قانون مـختلف

يعود باستمرار التيار الذي ينفي وجود القانون الدولي إلى الظهور في كل الأوقات، والذي  يـجد أصوله في أفكار كل من "هوبز" و"سبينوزا". ويـضم فلاسفة وفقهاء قانون وازنين.

إن استمرار الـحروب وتكرار خرق هذا القانون هي التي تغذي الشكوك حول طبيعته  القانونية، أي حول وجوده باعتباره مـجموعة من القواعد الـملزمة. وينتمي أغلب الرواد الـجدد لـهذا  التيار إلى علم السياسة.

ويبررون معارضتهم لوجود هذا القانون انطلاقا من تعريف جد تعسفي للقانون. معتبرين أن لا  وجود لقانون إلا إذا توفرت فيه نفس خصائص (الإلزام...)، ونفس بنيات القانون الداخلي،  ويقدرون بأنـها لا تتوفر في القانون الدولي، ولا يشكل إذن نظاما قانونيا فعليا.

وفي الواقع، يوجد قانون دولي لكنه مـختلف "نسبيا" عن القانون الداخلي فيما يتعلق بسن  قواعده وتطبيقها. ويتطور وفق منطق خاص به، كما يـجد في مفهوم السيادة عاملا جوهريا في  تـمايزه

ب- نفي وجود القانون الدولي

اعتمادا على الـمسلمة التي مفادها أن لا وجود لقانون دولي بدون أجهزة أعلى من الدولة،  تنطلق كل معارضة وجود القانون الدولي من تصور عام للقانون. ويشكل القانون نظاما من القواعد  الـملزمة. ولكي يكون أي نظام مطابق، فعليا، لتعريف القانون لابد أن يضم ميكانيزمات ضامنة  للتنفيذ الفعلي لـهذه القواعد. وينبغي أن يتوفر الـمجتمع الـمنظم عبر القانون على منظمة تضم  سلطات عليا: مشرع يسن القواعد القانونية، وقاضي يـحكم في المنازعات الناشئة عن تطبيق هذه  القاعدة، وشرطة تعاقب، عند الضرورة، بالإكراه الـمادي، كل الـخروقات لـهذه القاعدة. ووجود هذه  الـمؤسسات العليا ووجود الإكراه الـمادي سيلعب دورا حاسـما في القانون. ويعتبر القانون الوطني  داخل الدولة قانونا لأن الـمجتمع مـمأسس ويتوفر على تنظيم قانوني أعلى من الأفراد ومتميز ون عنه.

 وانطلاقا من هذه الاعتبارات، نـخلص إلى أن وجود القانون الدولي مشروط بوجود منظمة  فوق-دولتية في الـمجتمع الدولي. لكن هذا النوع من الـمنظمة يتنافى مع سيادة الدولة. لذلك، لا  يـمكن تصور وجودها، لأنه يوجد في الـمجتمع الدولي للمشرع والقاضي والدركي. وضمن هذا  الـتحليل، لن يكون القانون الدولي إلا وهم

ت- وجود القانون الدولي: وضعانية القانون الدولي

تعتبر ملاحظة الـواقع الدولي والعالقات الدولية الدليل القاطع والأكثر إقناعا على وجود  القانون الدولي: يوجد القانون الدولي لأن الدول والزعماء السياسيين واتـجاهات الرأي العام والـمنظمات الدولية الـحكومية وغير الـحكومية تعترف به. وهو قانون وضعي لأن الدول تعترف به  كما هو، وهي الـمخاطبة به أولا

وتعترف الدول بعدة طرق عن امتثالـها للقانون الدولي، سواء تعلق الأمر بقانون عريف أو  اتفاقي

- الاعتراف من قبل الدساتير؛ 

- تبحث الدول خلال مفاوضاتـها الدبلوماسية عن تـحسني موقعها بالاستناد على براهين  مبنية على القانون الدولي؛ 

- الـمشاركة في الـمنظمات الدولية ونظام الأمم الـمتحدة بشكل خاص: تفرض جـميع  الـمنظمات على أعضائها ضرورة ووجوب احترام القانون الدولي؛ 

- التطبيق الفعلي للقانون الدولي من قبل الـمحاكم الوطنية مبين على اعتراف الدول به.

ت- خصوصية القانون الدولي: الـمعايير والـمشرع

لا يـمكننا الـحديث عن غياب مشرع في الـمجتمع الدولي إلا إذا كنا ننطلق من تصور داخلي  وصارم لـهذه الـمؤسسة. وإذا كان صـحيحا غياب جهاز خاص لسن القواعد القانونية، فإنه رغم  ذلك، تعتبر القواعد القانونية الدولية موضوعا لسيرورة شكلية لبلورة القواعد تتدخل فيها الدول  باعتبارها الصائغة والـمخاطبة في نفس الوقت بـهذه القواعد

د- خصوصية القانون الدولي: العقوبة والإكراه

تعتبر براهني دعاة نفي القانون الدولي فيما يتعلق بالعقوبة جد متناقضة. وبالنسبة لآخرين،  فإنه ناتج على العكس عن كون العلاقات الدولية لا تعرف سوى قانون الأقوى، وهي مبنية بشكل  حصري على روابط القوة

.1.1 أساس خاصية الإلزام في القانون الدولي:

يعبر البحث عن أساس القانون عن مـحاولة الـجواب عن سؤال: ما هو العامل الذي يفسر  قوته الإلزامية؟ ويطرح هذا السؤال منطقيا بالنسبة للباحثين في القانون. وليس هناك اتفاق بين  الباحثين حول هذه الـمسألة

وفيما يتعلق بالقانون الدولي، يصعب حل هذه الإشكالية لأنه يتعلق بتـحديد المبررات  والدوافع التي يـمكنها أن تـجعل هذا القانون مفروضا على وحدات ذات سيادة والتي هي الدولولـهذه الـمسألة نتائج عملية مهمة وهي في قلب التـجاذبات الفقهية

والـجدال الدائر اليوم ينحصر بني أولئك الذين يبحثون داخل القانون نفسه عن تفسير  لـخاصية إلزامية قواعده، وأولئك الذين يعارضون هذه الشكالنية القانونية، ويعتبرون بأن أساس إلزامية  القانون الدولي توجد خارجه

ونتيجة لإخفاقات الشكالنية القانونية، تنبني "الإرادوية" القانونية على الفكرة الأساسية  التالية: القواعد القانونية هي نتاج الإرادة الإنسانية. وتوجد هذه القواعد من أجل وبفضل هذه  الإرادة

المقال التالي المقال السابق
لا تعليقات
إضافة تعليق
رابط التعليق