التنشئة السياسية عند بورديو
التنشئة السياسية
عند بورديو
يقصد بورديو بالتنشئة : "تلك المعارف المكتسبة في
الطفولة المبكرة أنها التربية الأولية التي ترتكز على عملية صقل الشخصية من اجل
الحصول على فرد مكيف مع النظام الاجتماعي". ويرى بوردي وان هناك ارتباطا
وثيقا بين النظام الاجتماعي والنظام السياسي ويصل إلى حد القول بأنه من اجل تحقيق
تكوين سياسي للطفل يكفي توفر:" الاقتناع الشعبي المتداول" بواسطة بيداغوجية
ضمنية قادرة على زرع مجموعة من القناعات والأفكار الميتافيزيقية التي ترتكز على
ابسط السلوكات في المجتمع كالاستقامة في المجلس واحترام آداب المحادثة و آداب
الطعام فمن خال السلوكات البسيطة جدا في الحياة العادية تظهر المبادئ الاكتر أهمية
في "التحكم الثقافي" للنظام السياسي.
كما أن الآلية الأساسية حسب بورديو تمر عبر تكون العادة
أو الاعتياد\L’habitus الذي يعتبر المبدأ
الموجه لكل التوجهات والسلوكات والعادات ذات الأبعاد السياسية.
وتتم عملية التكيف مع عادات ومبادئ المجتمع الثقافية من
خلال عنصرين أساسيين هما الأسرة والمدرسة، فهي تبدأ أولا في إطار الأسرة والمدرسة،
فهي تبدأ أولا في إطار الأسرة من خلال التربية التلقائية، ثم يأتي بعدها دور
"التربية المؤسساتية"\ l’éducation institutionnalisée إن المعارف أو المبادئ الملقنة في المدرسة هي
نفسها المتداولة داخل الأسرة غير أن المدرسة سوف تضعها في شكلها الملائم بترشيدها
ووضعها في إطار الحدود التي تسمح بها "المعرفة الرسمية" بواسطة تدخل
المدرسة يصبح الاعتياد L’habitus أو العادة التي
يكتسبها الفرد خلال طفولته البدائية، مبدءا مقننا، ممنهجا ومطبقا بشكل جماعي يأخذ
بعين الاعتبار كل التجارب السابقة.
وخلاصة القول هو أن التربية السياسية كما يرى دلك في
أغلب الأحيان المهتمون بهذا الحقل.
إن التنشئة السياسية في معناها الحقيقي يقول بورديو لا
تقتصر على البحث في فهم آليات تكون التوجهات والمواقف السياسية، بل تسعى إلى البحت
عن هده الآليات ودرجة تدخل كل منها في مسار السياسة العامة للنظام، وتلعب الأسرة
والمدرسة دورا هاما في هدا المسار.
وتقول الباحثة أنيك برشران معقبة على نظرية بورديو
:"إن قراءة النصوص التي تطرق فيها
بورديو للتنشئة والتربة بشكل مباشر يقونا إلى التساؤل أولا وأساسا عن وجود تنشئة
سياسية بمعنى الكلمة، في عالم تحظر فيه السياسة من أجل إضفاء الشرعية وكتم أهمية
القاعدة المهيمنة، فمن خلال تتبع عملية الإنتاج أو إعادة الإنتاج الاجتماعي ما هي
الأهمية التي يمكن إعطاءها لعملية زرع وترسيخ المفاهيم السياسية؟".
ويذهب بورديو بعيدا في تحليله لآثار التنشئة
السياسية،ويربط الكفاءة السياسية بالمستوى الاجتماعي للأفراد، حيث يعتبر أن تطوير
المعارف السياسية للأفراد لا يلعب سوى دورا ثانويا أمام الدور الذي يلعبه المستوى
الاجتماعي للفرد في الارتقاء في سلم الممارسة السياسية، ففي الوقت الذي يمكن القول
بأن الأفراد يكونون أكثر معرفة بأمور السياسة، ففي الوقت الذي يمكن القول بأن
الأفراد يكونون أكثر معرفة بأمور السياسة كلما ارتقى مستواهم الدراسي والتعليمي،
ينبغي أن لا ننسى أيضا أن الأفراد المحظوظين اجتماعيا هم أوفر حظا من غيرهم في
مجال الممارسة السياسية ويكتسبون كفاءة عليا في الميدان السياسي.
ورغم هذا الموقف لا ينفي بورديو مع ذلك الدور الذي يلعبه
التعليم بما يحتويه من أبعاد سياسية، ذلك أن المدرسة تؤهل الفرد لتكوين تصور فكري
سياسي واضح، إنها تسمح باكتساب الخطاب المفروض كنموذج وحيد للتعبير السياسي
المشروع.
ولذلك نجد بورديو
يميز نوعين من التنشئة :الأولى أساسية وتتعلق بالتكوين المبني على أساس "تدجين"
أو تكييف الأفراد حسب نظام القيم التي يتم زرعها منذ الصغر فهذه التنشئة تعمل على
تكييف كل فرد وع وضعيته الاجتماعية بحيث يكتسب كل فرد شعورا "بالرضا"
تجاه كفاءته ومهاراته الاجتماعية مهما كانت محدوديتها.
أما النوع الثاني من التنشئة فهو يختص ببعض الأطفال من
الفئات المحفوظة في المجتمع إنها تؤكد لذا هؤلاء إمكانية تحقيق العديد من الإنجاز
كما تؤكد لهم توفر الإمكانيات الاجتماعية التي تخول لهم التوفر على كفاءات ومهارات
سياسية من خلال تزويدهم بالمعرفة اللازمة لاكتساب هذه المهارات.
مقابل المساواة"الشكلية" للمواطنين يرى بورديو
أن هناك اللامساواة الفعلية لمختلف
الفاعلين التصويت غير أن البعض منهم فقط يتوفر على كفاءة سياسية عالية، إن السياسة
هي وظيفة المحترفين من أبناء الطبقة الثرية في المجتمع.
ومن خلال هذا التصنيف يقسم أفراد المجتمع إلى قسمين غير
متكافئين : نجد من جهة عن الحقوق المعترف لهم بها شكليا، ومن جهة أخرى نجد الذين
يدعون بأنهم يعبرون عن رأي المجتمع
ويمتلكون الإمكانيات الاجتماعية لممارسة السياسة إنهما فئتان متعارضتان غير أنهما
متكاملتان من أجل تقسيم العمل السياسي.