نظرية بياجي للتنشئة السياسية

 نظرية بياجي للتنشئة السياسية

ينطلق بياجي من مفهوم ضيق للتنشئة السياسية على اعتبار ان المرحلة الطفولة تشكل أساسا لهذه العملية ويربط بياجي مفهوم التنشئة بمفهوم التكوين la formation  غير انه لا ينبغي ان نفهم من ذلك ان الأمر يتعلق فقط بظاهرة التلقين  l’apprentissage

لقد ساد الاعتقاد بان الطفل يتلقى فقط ما ينقل اليه من قيم سائدة داخل مجتمع منظم مسبقا غير ان ما نتعلمه من الطفل يقول بياجي هو ان هذا التنظيم في حد ذاته تتدخل فيه عوامل متعددة تساهم في تطويره شيئا فشيئا

ان الطفل مسار التنشئة و التكوين لا يكون ذاتا متلقية فحسب بل مؤثرة ايضا في اطار من التطور المستمر من هنا يستخلص بياجي ثلاث أفكار أساسية و متحكمة في المقترب المنهجي لظاهرة التنشئة

ü   أولا : أن الحديث عن التطور يفترض دراسة الآراء والمواقف إثناء تكونها

ü   ثانيا : أن مفهوم التطور يؤدي بنا الحديث عن عدة أطوار des stades

ü   ثالثا : آن التنشئة السياسية ليست مستقلة وان كانت لها بعض الخصوصيات التي تميزها عن باقي مجالات التنمية

ان الحديث عن التنشئة السياسية عند الأطفال يعني الحديث عن ظاهرة غير قارة وفي طور التكوين تعني أكثر من الطور الأفكار والآراء عبر السن ويعتبر السن أهم عوامل التطور والتحول التي ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار عند الأطفال غير ان السن ان السن يعتبر مفهوما فضفضا جدا وغامضا فتطور مسار تكوين لذا الطفل يعتبر نوعا من التغييرات والمواقف القوية والضعيفة لحياة الطفل ولذالك يجب تحليل هذه المواقف ليس بناء على اعتبار السن بل على اعتبار مراحل التطور التي يمر بها الطفل في حياته فالاعتماد على الأطوار في المدرسة يساعد أكثر على رصد التطورات التي يشاهدها المسار التكويني للطفل ذلك ان مفهوم السن يسوق الى الاعتقاد أننا بصدد مجموعة من الوقائع المتجانسة في حياة الطفل بينما نفهم من عبارة التطور لذا الطفل في طار دراسة التنشئة السياسية وفي أطار مفهوم واسع للطور كل ما يقع للطفل يمكن ان يؤثر على تنميته السياسية

وفي هذا الاطار ينبغي التمييز بين مجالين اساسيين : التلقين الاجتماعي l’apprentissage social  والتطور الذهني le développement mental  و يشهد هذين المجالين تطورا متماثلا لذا الطفل عبر اطوار حياته التكوينية : فانماط التفكير والقدرة على الإدراك واكتساب المعرفة تتطور خلال تقدم الطفل في السن

اذا اخذنا بعين الاعتبار العوامل البيولوجية والنفسية لذا الطفل فان التنشئة السياسية لهاذا الاخير تظل رهينة بتطور ذكائه و بالموازاة مع هذا التطور الذهني يظل المجال المعرفي يحتل أهمية كبيرة في تطوير وتنمية الادركات السياسية عند الطفل

ويقسم بياجي مرحلة الطفولة إلى طورين أساسيين :

1.   الطور الأول : ما قبل أحدا عشر و اثني عشر سنة : يرى بياجي بان الطفل في هذه المرحلة يخلط بين ما يعتقده داخليا وبين الواقع ويعتبر ان ما يعتقده أمر مطلق و حقيقة لا نقاش فيها فالطفل في هذه المرحلة يفتقد الى قدرة التمييز بين المطلق والنسبي كما انه لا يملك القدرة على مناقشة وتحليل المعارف التي يتلقاها ويأخذها كما لو كانت حقائق مطلقة دون ان يخضعها للتجربة او الملاحظة الدقيقة خلال هذه المرحلة يسعى الطفل فقط الى تحقيق رغباته الذاتية في اطار علاقته الاجتماعية ولذالك فهو :

ü   لا يهتم بعالم السياسة الذي يظل بالنسبة له بعيدا وهامشيا ولا يشغل حياته

ü   لا يكتسب المعارف السياسية عن طريق الملاحظة الذاتية والمباشرة للوقائع وإنما ياخدها انطلاقا من الكلمات التي يلتقطها من افواه الكبار او غيره من الأطفال الذي سبق لهم ان سمعوا هادون ان يميز إبعادها السياسية تمييزا دقيقا  ويرتبط ذلك بالوسط الذي يعيش فيه فاكتساب الطفل للمعارف السياسية يكون على قدر اهتمام افراد الأسرة بالنور السياسية والعكس صحيح

ü   يمكن ان يجمع الطفل في هذه المرحلة بين عدة اراء ومواقف متناقضة اما لجهله بالمعطيات ألازمة او لعدم اتضاح مدلولها في دهنه

ü   يكون الطفل جاهزا لتقبل إي رأي ويمكن إقناعه بسرعة بموقف معين

وعموما فهي مرحلة يكتسب فيها الطفل بعض المعارف السياسية التي تهيؤه لمرحلة لاحقة يكتسب فيها القدرة على التمييز والاختيار

2.   الطور الثاني : ما بعد اثني عشر وثلاثة عشر سنة :

في هذه المرحلة يظهر بعض التغيير في التفكير والسلوك الاجتماعي للطفل يكون لف اثر مباشر على تطور تنشئته السياسية فإذا كانت المرحلة السابقة تتميز بالانغلاق على الذات وعدم القدرة على التمييز فان هذه المرحلة تظهر فيها خصائص أخرى تتمثل في :

ü   انفتاح الطفل على الآخرين والقدرة على الفهم والتمييز وتحديد مواقف من القضايا التي تطرح عليه انطلاقا من المعطيات المعرفية التي يكتسبها

ü   إن الطفل يعتبر أكثر فأكثر عن اهتمامه بالقضايا السياسية ويكون ذلك أيضا بقدر اهتمام الوسط الذي يعيش فيه بهذه القضايا فكلما كان اهتمام الآسرة مثلا بأمور السياسية كبيرا كلما زاد اهتمام الطفل بهده الأمور واسترعت انتباهه

ü   الطفل لا يتقبل الأفكار والمعارف بشكل مطلق بل يحاول ان يبحث ويفهم أكثر قبل ان يتخذ موقف من الصحة او عدم الصحة ما ينقل أليه خاصة حينما يتعلق الآمر بموقفين

ü   يدرك الطفل بانفتاحه على الآخرين واكتشافه لآرائهم ومواقفهم ان هناك اختلافا في الآراء والمواقف من هنا يأتي بحته عن الموقع الذي يفضله في دائرة النقاش والموقف الذي يميل إليه

ü   ومن خلال دلك كله يكتسب الطفل القدرة على التمييز وتتكون لديه مواقف سياسية تتميز إما بتقبل أو رفض النظام الذي يعيش في إطاره أو السياسة المتبعة من طرف هذا النظام



المقال التالي المقال السابق
لا تعليقات
إضافة تعليق
رابط التعليق