نظرية لدراسة التنشئة السياسية

 إن التنشئة السياسية في معناها الحقيقي لا تقتصر على البحث في فهم آليات تكون التوجهات و المواقف السياسية , بل تسعى في نظرنا إلى البحث عن هذه الآليات و درجة تدخل كل منها في مسار التوجهات السياسية داخل النظام السياسي

كما أن دراسة التنشئة السياسية ورصد تطورها داخل أي منتظم كيفما كان نوعه يمر اعتقادنا عبر عدة خطوات نحددها فيما يلي :

أولا: لابد من تحديد مفهوم التنشئة السياسية ليس فقط كظاهرة سياسية عامة يمكن رصدها في كل المنتظمات بل أيضا كظاهرة خاصة تختلف خصوصياتها من دولة لدولة و من نظام سياسي لآخر

ثانيا: تحديد وظائف التنشئة السياسية في المجتمع الذي نقوم بدراسته و ذلك علة ضوء خصوصيات هذا المجتمع و خصوصيات مفهوم التنشئة السياسية فيه

ثالثا: تحديد الفاعلين السياسيين الذي يقومون بدور التنشئة السياسية و مدى تأثير كل منهم في أداء هذه الوظيفة داخل النظام السياسي

رابعا: تحديد أنواع التنشئة السياسية و دور كل منها داخل النظام السياسي : و نلاحظ عموما أن هناك قاسما مشتركا بين مختلف الأنظمة يتمثل في وجود نوعين أساسيين من التنشئة السياسية

Ø  التنشئة السياسية الرسمية : و هي العملية التي يتوصل النظام السياسي من خلالها إلى توطيد دعائمه و ضمان استقراره و ذلك بواسطة نشر المبادئ و القيم المساعدة على ضمان هذا الاستقرار و تتلخص في عملية زرع و نشؤ المفاهيم و القيم التي تؤسس للوحدة و الاتفاق على الأهداف العامة للنظام من أجل ضمان حد أدنى من التوافق الذي يضمن استقراره و استمراره (الاتفاق حول طبيعة النظام السياسي : ملكي , جمهوري , فدرالي  ) و ضبط قواعد اللعبة السياسية فيه

Ø  التنشئة السياسية غير الرسمية : إنها التنشئة التي يقوم بها مختلف الفاعلين الاجتماعيين و السياسيين و التي تحمل عادة مبادئ و مفاهيم تشكل في عمومها حكم المجتمع على أداء النظام السياسي و تجمع في طياتها نوعين من المواقف و السلوكات السياسية :

1.  مواقف استجابة و رضا تجاه المكاسب التي حصل عليها المجتمع في إطار هذا النظام

2.  مواقف إنكار و معارضة تجاه "سلوكات" النظام الغير مرغوب فيها من طرف المجتمع

غير أن مظاهر و تجليات هذه المواقف و السلوكات الغير الرسمية تختلف من نظام سياسي لآخر

ففي النظام الديمقراطي حيث يتمتع الأفراد بمقدر وافر من الحريات العامة , يتم التعبير عن هذه المواقف و السلوكيات بشكل واضح , حيث يمكن رصد الرضا لذا فئات المجتمع من خلال تقنية سبر الآراء , كما يمكن ملاحظة مواقف عدم الرضا أو المعارضة من خلال الاحتجاجات الشعبية و البيانات الصادرة عن مؤسسات المجتمع المدني وذلك بشكل علني وبوضوح تام

 و في إطار الأنظمة الشمولية التي لا يتمتع فيها المجتمع بالحريات العامة , و بحرية التعبير على الخصوص تظل هذه المواقف خفية لأن تقنية الردع المباشر من طرف النظام لكل المواقف المعارضة للسياسة العامة يكسب المجتمع نوعا من التخوف في إبداء المواقف السياسية

و لذلك غالبا ما تكون نتائج سبر الآراء المعبرة عن الرضا شكلية لا تعبر على حقيقة المواقف و ذلك بفعل انتفاء الثقة بين النظام و المواطنين و بروز عامل الخوف الذي عادة ما يعطي نتائج خاطئة لا تعبر عن حقيقة المواقف السياسة الأصلية و الفعلية للأفراد

و تجدر الإشارة إلى أنه في ظل هذه الأنظمة عادة ما تنشأ تنظيمات سياسية سرية تسعى إلى العنف كوسيلة للتعبير عن المواقف السياسية المعارضة للنظام

 و بالتالي فإن البحث في ظاهرة التنشئة  السياسية في هذا النوع من الأنظمة يستدعي اتباع منهجية خاصة تأخذ بعين الاعتبار الوسط الثقافي للمجتمع المدروس

و بالإضافة إلى كله من الملاحظ أن النظام السياسي الذي يتمكن من الاستجابة إلى المطالب الموجهة إليه و يضمن بأفراد المجتمع كافة الحقوق و الحريات لا يعاني من مشكل الاستقرار السياسي على المستوى الداخلي

 و على العكس من ذلك نجد أن الأنظمة التي لا تستجيب لأكثر المطالب الموجهة إليها من طرف المجتمع , ز كثيرا ما تسعى إلى البحث عن قيم رمزية ( دينية ’ عرقية , تاريخية ) لضمان استقرارها ووحدة افرادها و عادة ما يسعى إلى رد عجزها عن الاستجابة لمطالب مجتمعات إلا للظروف الطبيعية ( كوارث طبيعية , جفاف ) أو العوامل الخارجية ( أزمة المديونية , التبعية لخارج )

لذلك كله نعتقد بأن أهم وسيلة لضامن تنشئة سياسية سليمة تضمن للنظام السياسي استقراره و تحافظ على استمرار المؤسسات السياسية تكمن في اعتماد النظام السياسي على الأسس التالية

أولا: ضمان الحقوق و الحريات للأفراد داخل المجتمع

ثانيا : تحقيق العدالة الاجتماعية و السياسية للأفراد

ثالثا : نشر ثقافة المساواة أمام القانون

رابعا : نشر ثقافة التسامح بين الأفراد  و عموما يمكن تلخيص وظائف التنشئة في ثلاث وظائف أساسية

ü  خلق ثقافة سياسية

ü  و نقل هذه الثقافة من جيل إلى جيل

ü  تغيير الثقافة السياسية

المقال التالي المقال السابق
لا تعليقات
إضافة تعليق
رابط التعليق