المرأة في الثراث العربي الإسلامي
بإمكاني تقديم هذا الموضوع بمأثورة لماوتسي تونغ تقول "ان النساء يرفعن نصف عماد السماء" أو بأخرى لماركس تظهر إن قياس درجة التقدم أو التأخر في أي مجتمع يمثله وضع المرأة.لكن قبل هذا أو فضلا عنه يحسن استنطاق تراثنا الثقافي في الموضوع الذي أروم معالجته. ذلك لان هذا التراث. أولا . ليس حكرا على فئة من مجتمعنا دون أخرى. و ثانيا . لأنه حافل بالأقوال و المأثورات الداعية إلى تكريم المرأة و الكاشفة عن جوهرية دورها في شتى مرافق الحياة الخاصة و العامة في المجتمع.
فعلى سيبل المثال فقط. في القران الكريم :أي أية أجمل و أجدى من الآية 21 من سورة الروم " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها و جعل بينكم مودة و رحمة" أو من الآية 187 من سورة البقرة " هن لباس لكم . و انتم لباسا لهن.." أما في السيرة و الأحاديث فحدث و لا حرج و حسبنا أن نتذكر خاصيات المودة والرحمة في علاقات النبي بأزواجه و بنساء عصره عموما. أو أن نذكر بعض ما روي عنه من أحاديث بليغة شيقة. منها مثلا :" لا تكرهوا البنات، فإنهن المؤنسات الغاليات" أو "خذوا نصف دينكم من هذه الحميراء " ( يقصد بها عائشة أم المؤمنين). "ما أكرم النساء إلا كريم و ما أهانهن إلا لئيم "، " الجنة تحت أقدام الأمهات"... الخ. و حتى عند بعض الأئمة و الفقهاء هناك من الأقوال و المواقف في حق المرأة ما يشرفهن و يعبر عن تكريمهم و تقديرهم لها كزوجة و مربية و معلمة. فهذا الإمام ابن حزم الأندلسي (من القرن 11 م ) مؤسس المذهب الظاهري في الفقه وواضع كتاب طوق الحمامة في الألفة و الآلاف، يقول فيه من باب الاعتراف و البوح :" و لقد شاهدت النساء و علمت من أسرارهن ما لا يكاد يعلمه غيري .لأني ربيت في حجورهن. ونشأت بين أيديهن ، و لم أعرف غيرهن، ولا جالست الرجال إلا و انأ في حد الشباب و حين تبقل وجهي، و هن علمنني القران وروين لي كثيرا من الأشعار و دربنني في الخط، و لم يكن وكدي و إعمال ذهني مند أول فهمي و انأ في سن الطفولة جدا إلا تعرف أسبابهن . و البحث عن أخبارهن و تحصيل ذلك"(ص.166.طبعة إحسان عباس). و ما نقول عن ابن حزم يصح إلى حد ما على الفقيه بن قيم الجوزية ( من القرن14 م) تلميذ ابن تيمية و مؤلف روضة المحبين، و على أعلام آخرين حاولوا ما استطاعوا أن ينشروا بين الناس وبين الجنسين ديانة الحب و التساكن و التراحم.
و هناك من ذهب بينهم حتى إلى الجهر بأفكار في حق المرأة كانت جد متقدمة على عصرهم. و منهم على وجه التخصيص أبو الوليد ابن رشد. وقد يحسن في هذا المقام أن نكتفي بإيراد بعض ما سجله فيلسوف قرطبة و مراكش في موضوعنا:
" ونحن نقول عن النساء إنهن و الرجال من نوع واحد في ما يخص الغاية القصوى (..). و في مدننا القائمة . فان قابلية النساء ليست واضحة لان النساء غالبا ما يؤخذن للإنجاب. ولهذا فإنهن يوضعن في خدمة أزواجهن. ما عليهن إلا الإنجاب و الرضاعة و العناية بالولد. و إن كان هذا الأمر يعطل أفعالهن الأخرى. و الذي يبدو للعيان أن نساء مدننا لا يصلحن لفضيلة غير هذه. وهن بذلك يشبهن النباتات(..) و الآن أصبح من البين أن النساء يجب أن يأخذن مكانهن بين أهل المدينة مثلهن مثل الرجل، و أنهن يجب أن يقفن بمثل ما للرجل من درجة..."( تلخيص السياسة.ص .124.126).
إنما ليس يعني ذلك أنه لم يوجد في الثقافة العربية الإسلامية صنف من الفقهاء و الكتاب ناصبوا المرأة العداء و تحيفوا على حقوقها بالقول و الفتوى. إلا أن مثل هذا الصنف لم يخل منه أي مجتمع و أي ثقافة حتى في الغرب و إبان عهود قريبة منا. فالفيلسوف اليهودي الهولندي (من القرن 17) يكتب في كتاب السلطة السياسة :" ان وضع النساء يتجدر من ضعفهن الطبيعي " (ص .275). و هذا فضلا عن الأحكام " الميزوجينية" التي نقرأها عند فلاسفة ألمان كبار من طبقة كانط ( في عصر لاوفكلارنج أو الأنوار) و شوبنهور و نيتشه(من القرن19).
و خاتمة من الضروري للعرض إن قضية المرأة عندنا ستكسب في العمق الشيء الكثير إن هي تموضعت في سياق تملك دينامي للتراث . يؤهل القيمين عليها لاحسان إدارتها و تعزيز مطالبها في مجالات عدة. منها المدونة و الحريات و الانخراط في العمل السياسي التمثيلي. وغيرها . أما التحرك من منطق جهل أو إقصاء ذلك التراث. باسم الحداثة و ما شابهها. فانه لن يخدم القضية في شيء. بل سيحكم على الفكر فيها بالعيش العيلي التبعي. وبالتالي بالانحسار و الجمود على الموجود.
بنسالم حميش بتصرف من مقال المرأة معيار التحول الديمقراطي