الديمقراطية و المراة
الديمقراطية
و المراة
من باب الاختصار أقول إن الديمقراطية كفكرة عامة و منهج
في تدبير شؤون الناس و المدينة قد ابتدعها اليونان مع زعيمهم بريكليس و مارسوها و
لو لفترة قصيرة في عهده(من 443 إلى 429 قبل الميلاد) عقبها. كما نعلم تاريخيا. حكم
الاستبداديين الثلاثين. إلا أن تعميقها و تأسيسها دستوريا و سياسيا لم يتم إلا في
عصر الأنوار الأوروبي و خلال ثورات القرنين الثامن عشر و التاسع عشر في أوروبا
الغربية بدءا من الثورة الفرنسية (1789) و " و إعلان حقوق الإنسان و المواطن
".
إن الأدبيات
التي راجت منذ الخمسينات في العالم العربي و الإسلامي تخصيصا قد تضخمت بقدر ما تضخم
سوء التفاهم و التواصل حول مفاصل أساسية لا يمكننا في حيز هذا المقال إلا أن نسطر
بوضوح موقفنا منها :
أولا :إذا اعتبرنا أن " الحكمة ضالة المؤمن يأخذها
حيثما وجدها". حسب حديث نبوي صحيح . فإن الديمقراطية. معززة بمفاهيم الشورى و
الاستشارة هي أقوى و أنجع ترياق ركبه الإنسان أو بالأحرى المجتمعات المدنية ضد أنظمة
الحكم الاستبدادي بشتى أنواعه و مشاربه. و في الديموقراطية كفكرة قديمة و نسق
مستحدث يقوم مبدأ التداول على السلطة مقام المحرك الذي يمد الجسم السياسي على
الدوام بالدم الجديد و القوى الحية أي انه يجعل الفرقاء في وضع يجبرهم على تقديم أحسن
ما لديهم.
انه يكفي من جهة
أخرى تمثل الأصل للغوي لكلمة "دولة" حتى نرى أن لها نفس الجذر (د.و.ل.)
الذي لكلمة تداول . وهذه الأخيرة تعني حسب هذا السياق، انتقال، تغير. فهل نحن إذن
في عالمنا أمام دول متنكرة لمعناها اللغوي.
ثانيا :إن الديمقراطية كعقد و مؤسسة لا يمكنها أن تؤدي
على أحسن وجه دورها الدمجي و التأميني إلا إذا ارتكزت على العمود الفقري لكل تقدم
. و هو النمو الاقتصادي المطرد الشمولي و الحسن التوزيع.
وقوفا عند حالة مغرب اليوم- كنموذج-يلزم التذكير ببعض
خاتمات تقارير منظمات مالية و اقتصادية عالمية. و طبعا يمكن أن نناقش طويلا حول
الجانب المتعلق فيها بالتوجيهات و النصائح. و ذلك بناء على أولوياتنا و اختياراتنا
الترابية و السياسية و الثقافية لكن يبقى أن خبراء البنك الدولي مثلا قد استطاعوا
من جانب التشخيص الكشف عن معطيات مرقمة بخصوص وضعية المغرب الاقتصادية و
الاجتماعية، و ذلك في تقريرهم الشهير لسنة 1995. و نظرا لطابع هذه المقالة المحدود
لنكتف بفقرتين لم تزل بعد راهنتيهما الأولى عبارة عن تشخيص محضري و الثانية توقع أمري.
"إن مضمون هذا التقرير في الستراتيجيا هو أن المغرب
يفقد مواقعه أمام الخارج في فترة العولمة الاقتصادية كما أن الانجازات التي تحققت
حديثا هي بكثير دون تلك التي حققتها بلدان ازدهرت في ماض قريب.
إذا النمو المنجز حديثا ليس كافيا و لا مطرد
الوثيرة.
إن تأخرت الإصلاحات فان المغرب سيستمر في أحسن الحالات
على نفس الوضع للسنوات الماضية مع تأكل مستمر لمكتسباته و تبعية متزايدة للظروف
المناخية و مع تعميم لظاهرة البطالة . و بالتالي فانه لم يستفد من فرص السوق
العالمي" و 1998 أتى تقرير أخر لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية ليصنف المغرب
في الدرجة 125 من بين مجموعة 183 من البلدان و في أواخر الصفوف فى البلاد العربية
و ذلك عملا بمؤشر النمو الإنساني IDH.
أمام هذا الوضع الخطير هناك من يعن له ترويج فكرة أن
العمل على ربح الرهان الاقتصادي يلزم أن يكون الأسبقية الأولى و وإن بتأجيل
الديمقراطية و الإصلاح السياسي. هذا و الحال أن الديمقراطية و النمو الاقتصادي في
موقف المغرب – وجهان لصراع واحد. وفي هذا الصراع من نافلة القول إن المرأة أخذة في
احتلال مكانة محورية، من حيث إن تنجزه في باب إرساء حقوقها و الاضطلاع بواجباتها
يعكس ما يحدث في المجتمع من تحولات ايجابية ملموسة.
بنسالم حميش