عقد البيع عقد رضائي

 يعتبر عقد البيع كأصل عام، عقدا رضائيا دون اشتراط شكلية معينة. كما تم النص على ذلك في الفصل 488 من ق.ل.ع الذي نص على أنه :"يكون البيع تاما بمجرد تراضي عاقديه أحدهما بالبيع والآخر بالشراء، وباتفاقهما على المبيع والثمن وشروط العقد الأخرى".

وهذا يعني أن البيع ينعقد صحيحا بمجرد تطابق القبول مع الإيجاب، وتراضي العاقدين على العناصر الأساسية لهذا العقد، والمتمثلة في الشيء المبيع وفي الثمن.

ما ينبغي توضيحه، أنه إذا كان الأصل في البيوع الرضائية دون اشتراط شكلية معينة، فإن هناك استثناءات نص المشرع عليها تستوجب الكتابة مراعاة لاعتبارات خاصة، كما في حالة البيع الوارد على المنقولات وبخاصة عقود البيع ذات الصلة بالسفن، والطائرات، والسيارات، والأصل التجاري.

وتجدر الاشارة، إلى أنه نظرا للمتغيرات الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية التي أصبح يعيشها المغرب الآن أدت إلى بروز أنماط جديدة للعقد وظهور عقود حديثة فرضتها اعتبارات متعددة تختلف تماما عن العقود التقليدية البسيطة السائدة في السابق. فأمام تشعب وتعقد العلاقات والمعاملات المدنية والتجارية كان لا بد من التدخل التشريعي لتأطير تلك العلاقات، وفق ضوابط خاصة من شأنها تحقيق التوازن العقدي، خاصة حينما يتعلق الأمر بعقود تتم بين أطراف غير متساوية من الناحية الاقتصادية، كما الأمر بالنسبة لعقود الاستهلاك وعقود أخرى كعقد الكراء التجاري في إطار القانون رقم 49.16  المتعلق بكراء العقارات أو المحلات المخصصة للاستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي.

فأمام هذا الوضع، تعتبر شكلية الكتابة شرطا لازما لاعتبار العقد صحيحا من الناحية القانونية وبالتالي تعتبر الرضائية شرطا غير كاف. فلا يمكن بتاتا إنكار إيجابيات الكتابة بالنسبة للأطراف المتعاقدة بشكل عام، إذ تعد سبيلا أساسيا من سبل الحد من النزاعات، كذلك وسيلة هامة للإثبات خاصة أمام القضاء، بل إن الشكلية تعتبر حافزا على الثقة وتعد ضمانة للأمان والاطمئنان، على اعتبار أنها تحمي الحقوق وتدعم الالتزامات.

وعموما، فإن اشتراط الشكلية أصبح يتزايد في وقتنا الحاضر في العديد من العقود، قالتطورات الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية التي أصبح يعيشها المغرب حاليا فرضت ظهور أشكال حديثة للعقود تختلف تماما عما كان سائدا في السابق، حيث سادت الحياة التقليدية البسيطة. فلا يشترط إذن شكلية معينة للتعاقد، لكن أمام تعقد الحياة ولاعتبارات متعددة ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية كان لابد من حماية الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية لتحقيق العدالة التعاقدية، ونقصد أساسا حماية المستهلك.

فهناك العديد من الاعتبارات التي فرضت استبدال الطبيعة الرضائية الأصلية بشكلية دقيقة في عقد البيع، لعل أهمها مرتبط بعدم المساواة الاقتصادية بين المتعاقدين بصفة عامة، ومن ثم فهي تهدف بالأساس إلى حماية المستهلك. كما أن تحديد مضمون الخدمات المقدمة من شأنه أن يحد من النزاعات الممكن أن تثار في وقت لاحق، أو على الأقل في جميع الحالات تسهيل الإثبات بالنسبة للطرف الضعيف خصوصا، بل إن الشكلية تعتبر حافزا على الثقة على اعتبار أنها تحمي الحقوق وتدعم الالتزامات.

وبغض النظر عن هذه الاعتبارات، فإنه ينبغي التمييز بين شكلية الانعقاد وشكلية الإثبات، فهذه الأخيرة لا تصل إلى درجة بطلان عقد البيع في حالة عدم وجودها. إنما ينتج عن ذلك مجرد صعوبة في الإثبات، بمعنى أن العقد في هذه الحالة الأخيرة يبقى عقدا صحيحا ويتعين على الطرف الذي يرغب في الاحتجاج به أن يثبت وجود العقد عندما يتجاوز مبلغه الحد المنصوص عليه في الفصل 884 من ق.ل.ع، الذي نص على أن "الاتفاقات وغيرها من الأفعال القانونية التي يكون من شأنها أن تنشئ أو تنقل أو تعدل أو تنهي الإلتزامات أو الحقوق، والتي يتجاوز مبلغها أو قيمتها عشرة آلاف درهم، لا يجوز إثباتها بشهادة الشهود. ويلزم أن تحرر بها حجة رسمية أو عرفية، وإذا اقتضى الحال ذلك أن تعد بشكل إلكتروني أو أن توجه بطريقة إلكترونية".

المقال التالي المقال السابق
لا تعليقات
إضافة تعليق
رابط التعليق