ملخص لتحديد مادة السياسات العمومية
المطلب الأول : مفهوم السياسات العمومية
إن اندراج مجال تحليل السياسات العمومية ضمن حقل العلوم الاجتماعية بشكل عام ومجال علم السياسة بشكل خاص، يضع أية محاولة لتعريف محدد لها امام صعوبة بالغه وذلك لصعوبة الاتفاق العام والتباين الواضح بين السياسيين والفاعلين الحكوميين و الباحثين الأكاديميين حول ما يمكن اعتباره سياسات عموميه لكن يمكن الحديث هنا على أربع مستويات للتباين، وذلك على الشكل التالي :
• المستوى الأول، يمكن تحديده في حجم او عدد السياسات العمومية.
إن الفاعلين الحكوميين والسياسيين يضيقون دائما من دائرة الأعمال التي يمكن اعتبارها بمثابة سياسات عموميه عكس الباحثين والأكاديميين في مجال السياسات العمومية فهم يعملون دائما على توسيع دائرتها بحيث تشمل عندهم كل الأعمال التي يقوم بها الحكوميون والتي لا يقومون بها.
• المستوى الثاني، يكمن في الإجراءات المصاحبة للسياسات العمومية.
بمعنى أنه بالنسبة للحكومة حينما تعلن عن اعتمادها لسياسات عمومية معنية يكون ذلك بمثابة التزام من جانبها بالسير في مسار محدد، والذي يتم إسناده بإجراءات مصاحبة لها في المستقبل، وغالبا ما يتم صياغة تلك الالتزامات في شكل وثائق عمومية، في حين أنه بالنسبة للباحثين في مجال السياسات العمومية، فإنه ليس من الضروري حتى نكون امام سياسات عمومية، أن يتم تقديم كل تلك الدعاية الرسمية للتدخلات الحكومية.
• المستوى الثالث، يتمثل في التحضير والصياغة المسبقة للسياسات العمومية.
يعني هذا ان الحكومة تعتبر بمثابة سياسات عمومية تلك الالتزامات المعلن عنها في شكل وثائق محددة التي يكون تم الإتفاق عليها في اللجان المختصة، وكل هذه الأمور يتم في جميع الأحوال تدوينها بشكل مسبق ومتفق عليه بين الأطراف المعنية التي ترخص وتعطي الضوء الأخضر للحكومة في التحرك بإتجاه معين او القيام بإجراء محدد، بيد أن الأمر ليس كذلك بالنسبة للباحثين والأكادميين، حيث يؤكدون انه في كثير من الأحوال قد نكون أمام سياسات عمومية لا يتم صياغتها بشكل دقيق في وثائق عمومية معدة سلفا، وإنما يتم إقرارها لمواجهة وضعية خاصة او أزمة طارئة داخلية ام خارجية، أزمة صواريخ كوبا 1962 مثلا، التي تعتبر سياسة عمومية في مجال العلاقات الخارجية.
• المستوى الرابع، يتمثل في التمييز مع بعض المفاهيم المتداخلة مع السياسات العمومية.
هذا المستوى تعمد الحكومة إحيانا إلى التمييز بين السياسات، البرامج والمشاريع، حيث أن كل سياسات عمومية تتفكك إلى عدة برامج، التي تجزأ بدورها إلى عدد من المشاريع. فرغم الإقرار بأهمية هذا التمييز، إلا أن الباحثين والأكادميين أثناء دراستهم للسياسات العمومية، لا ينتظمون لهذا التمييز، بحيث نجدهم يتحدثون عن برامج ومشاريع بخصوص سياسات عمومية معينة. خاصة ان الأمر بالنسبة إليهم هو مجرد دراجات في سلم العمل الإداري الذي يسعى لخلق نوع من التنظيم على مستوى الأنشطة الحكومية.
لكن بالرغم من كل الصعوبات المتمثلة في تشعب موضوع السياسات العمومية، التي تحول دون إعطاء تعريف شامل يحيط بكل جوانبها. فإننا سنحاول في البداية ان نحدد اين تتموضوع السياسات العمومية (أولا)، ثم بعد ذلك تقديم بعض التعاريف (ثانيا)، ثم إبراز بعض السمات والخصائص التي تميز السياسات العمومية (ثالثا).
الفرع الأول : مجال السياسات العمومية
تندرج السياسات العمومية، كحقل معرفي فرعي في إطار حقل علم السياسة، ضمن مجال العلوم الإجتماعية. إن مفاهيم وطرق تحليل السياسات العمومية مستمدة من البراديجمات الكبرى للعلوم الإجتماعية، علم الإجتماع السياسي، الإقتصاد، التاريخ، القانون. كل هذه العلوم تمثل مادة خامة في تحليل السياسات العمومية والفعل العمومي.
على مستوى السوسيولوجيا، نجد إسهامات "إيميل دوركايم" التي تضل أساسية لتحليل التمثلات والقيم، ومساهمة السياسات العمومية في تنظيم المجتمع، كما أن التحليل الذي يقدمه "ماكس فيبر" للبيورقراطية، والمقارنة التاريخية التي يعتمدها، تشكل خزانا حقيقيا لتحليل السياسات العمومية. كما أن هناك حقولا معرفية اخرى يتم تحريكها بغاية فهم أكبر للسياسات العمومية، مثل الباحثون ذووا التوجه الماركسي الذين يعتمدون الصراع الطبقي.. إلى غير ذلك من الباحثين والمهتمين والأكادميين.
إن السياسات العمومية تستند كذلك إلى علم الإجتماع القانوني من أجل الإستفادة منها، كذلك تم الإستفادة من سوسيولوجية العلوم والتقنيات من أجل تحليل أدوات السلطة ( الإحصائيات والمؤشرات )، والتسيير ( أدوات الميزانيات و نظام المعلومات ). ونضيف كذلك لما سبق، الإعتماد على أعمال اخرى في حقل العلوم الإجتماعية، كما هو الشأن لعلم المنظمات، والحركات الإجتماعية والفعل الجماعي.
إن ما يبرز بشكل واضح أن السياسات العمومية تستمد عناصرها من موضوعات عديدة مختلفة، وتمثل نقطة إلتقاء للعديد من العلوم المتفرعة عن العلوم الإجتماعية. فدراسة كيف ؟ ولماذا ؟ ولأي هدف ؟ والفعل واللا-فعل، يضعنا أمام مجالات معرفية مختلفة ومتعددة، فدراسة الجانب المتعلق بالكيف نجد بعض جوانب الإجابة في الدراسات التي تتناول الحكومة والإدارة العامة والسياسة، اما الجانب المتعلق ب لماذا فغالبا ما يمتد إلى مواضيع يغطيها علم الإجتماع السياسي، والتاريخ، وعلم النفس الإجتماعي، والإقتصاد السياسي على سبيل المثال، في حين أن دراسة الجانب المتعلق ب لأي هدف وأي غرض فيرتبط بشدة بالتحليل التطبيقي، وعلم الإقتصاد، واخيرا بالفلسفة الإجتماعية، عندما نقوم بتقييم النتائج.
من هذا المنطلق فإن توجه الباحثين إلى دراسة السياسات العمومية تبرزه، "حسب طوماس داي" ثلاثة إعتبارات أساسية.
أولا : إعتبارات علمية
فنحن حين ندرس السياسات العمومية من أجل تطوير معارفنا وتأسيس نظرة معمقة للمجتمع الذي نعيش فيه، وذلك من خلال معرفة مصادر ونتائج قرارات السياسات العمومية. وعلى هذا الأساس، يمكن أن نتناولها من منطلقا كونها متغيرا تابعا.
إن تحليل السياسات العمومية، يساعد كذلك على تكوين فكرة حول طبيعة نظرة الفاعلين إلى العالم، إلى المشاكل والحلول التي يقدمونها. إن تحليل السياسات العمومية يمكننا من التوصل إلى تحليل رؤية المجتمع لنفسه وطبيعة نظرته للمؤسسات التي تؤسس الدولة، فالأهمية التي يعطيها مجتمع ما لقطاع الصحة مثلا...
( تسيير المستشفيات، سياسات التلقيح...) تتوقف على كيفية إدراك الفاعلين على مستوى المجتمع للصحة عموما، للأمراض والمخاطر وقيمة الحياة والموت..
ثانيا : إعتبارات مهنية
إذا كانت دراسة السياسات العمومية من بين أهدافها الأساسية تطوير المعارف، فإن دراستها كذلك تساعد بشكل أساسي على تحسين النشاط أو الفعل. لذلك فحينما نتحدث عن السياسات العمومية يكون الإنشغال الأساسي هنا هو تحسين الفعل، في حين عندما نتحدث عن السياسات العمومية والبحث حول السياسات العمومية، فغالبا ما يتعلق الأمر بتطوير المعارف. فمما لا شك فيه هو أن تطوير الأبحاث والدراسات حول السياسات العمومية، ينتج عن ذلك تطوير المعارف لتكون دعامة حقيقية لتطوير الفعل والنشاط وتحسينه.
ونشير إلى أن السياسات العمومية، من أجل دعم الإمكانيات وتنمية القدرات المهنية قد إستفادت من بعض النماذج والأساليب، الكمية والنوعية، منها على سبيل المثال :
1- تحليل النظم، بإعتبارها منهجا رئيسيا قائم على المعرفة النوعية، التي تتفاعل من خلالها القضايا في إطار تناسقي كلي وفرعي، في المكونات والترابطات والتأثيرات.
2- تحليل النفقة والمنفعة، كمنطلق في التفضيل عند إختيار السياسات العمومية المناسبة.
3- بحوث العمليات، بإعتبارها مرتكزات توظيفية للنماذج الإحصائية والرياضية في تحديد المشكلات وبناء الفرضيات المتعلقة بها، وربط الأسباب بالنتائج والظواهر التي تعنى بها السياسات العمومية بمختلف مجالاتها وعملياتها.
ثالثا : إعتبارات سياسية
ينصرف الأمر على هذا المستوى إلى مسألتين أساسيتين: أولهما تتمثل في التأكد من أن الدولة، تتبنى الأفضل من السياسات العمومية لتحقيق الأهداف العامة. لذا يؤكد البعض على ان علم السياسة، يجب على أن لا يضل صامتا إزاء الأزمات السياسية والإجتماعية الواقعة في الحياة، وأن المختصين بهذا العلم يقتضي عليهم واجب الإلتزام الأخلاقي والموضوعي في تقديم التوصية والدعوة إلى تبني سياسات عمومية، ذات فائدة على صعيد المؤسسات والعمليات والسلوكيات، وذلك عبر المشاركة الإيجابية لقطاعات المجتمع. عبر مؤسسات الأحزاب السياسية، وجماعات المصالح، والقادة السياسيين، وأجهزة الإعلام والصحافة والرأي العام. أما ثانيهما، فتكمن في أن دراسة السياسات العمومية تساعد على تكوين وفهم النظم السياسية من عدة جوانب. فهي تكشف عن التوجهات الإيديولوجية والسياسية للنظام الحاكم، والتي يمكن في ضوئها فهم وتحليل إختيارته وأولوياته وطبيعة القوى الإجتماعية والسياسية التي يعبر عنها. كما انها تكشف عن خريطة المصالح والقوى المتنافسة في المجتمع، وأليات النظام في التعامل مع المطالب التي تطرحها.
الفرع الثاني : تعريف السياسات العمومية
في واقع الأمر، أن من بين الصعوبات التي وجهها الباحثون في مجال حقل السياسات العمومية، هي الوصول إلى إعطاء تعريف دقيق محدد وواضح لها، لذا فإن التعاريف تتعدد وتتداخل بشكل كبير؛ ولكن مع ذلك فإننا حينما نمعن النظر في جملة تلك التعاريف، نجدها غالبا ما تشمل أحد هذه العناصر التالية : النشاطات، الفاعلون، المشاكل، الحلول.
أولا : التركيز على النشاطات
تنظر بعض التعاريف المقدمة للسياسات العمومية، الى أنها جملة من الأعمال والنشاطات والإجراءات بالنسبة للفاعلين على مستوى الدولة، وحتى بالنسبة للذين يقومون على تدبير بعض الأنساق السياسية التي توجد في مرتبة أقل من الدولة-الجماعات الترابية مثلا، تحيل السياسات العمومية على مجموعة من الأنشطة الخاصة. أي انها تلك العملية التي تستدعي القيام بأنشطة وترتيبات للعمل، وفي نفس السياق يذهب المتخصصون في دراسة وتحليل السياسات العمومية، إلى أن هذه الأخيرة تشمل مجالا واسعا جدا من الأنشطة والأعمال الموجهة للعموم وتحدث تغييرا ما في حياتهم وأوضاعهم. ففي نظر أحد المؤسسين لعلم السياسات العمومية، الأمريكي "هارولد لاسويل" ليست السياسات العمومية سوى من يحصل على ماذا؟ متى؟ وكيف؟ من خلال نشاطات تتعلق بتوزيع الموارد والمكاسب والقيم والمزايا المادية والمعنوية وتقاسم الوظائف والمكانة الإجتماعية، بفعل ممارسة السلطة والنفوذ، والتأثير بين أفراد المجتمع من قبل المستحوذين على مصادرالقوة.
ثانيا : التركيز على الفاعلين
تفيد كلمة الفاعل، كل من يقوم بتصرف ما، سواء بشكل فردي او جماعي. فعلى مستوى عملية إتخاذ القرار تحيل هذه الكلمة على المشاركة في إتخاذه، أما فيما يخص السياسات العمومية، فحتى نكون امام فاعل فيها ينبغي أن يكون للفعل الذي تم القيام به أثر ملموس على عملية صياغة سياسات عمومية محددة، بمعنى أخر، إن مفهوم الفاعل على مستوى السياسات العمومية، يتضمن بعدين أساسين؛ أولهما، يتعلق بمساهمة الفاعل في العملية السياسية؛ وثانيهما يتعلق بأثار او تأثير هذه المساهمة على النتيجة.
على هذا الأساس نجد "ريتشارد روس" يعرف السياسات العمومية على أنها، برنامج عمل حكومي وتركيبة خاصة من القواعد القانونية، المالية، الإدارية والبشرية، موجهة نحو إنجاز مجموعة الأهداف التي غالبا ما تكون محددة بشكل واضح، ويرى الباحث الأمريكي "بيج" أن السياسات العمومية هي ترابط لعناصر أربع :
1- مبادئ، أي تقديم عام حول طريقة تسيير الشؤون العامة.
2- أهداف، بمعنى أولويات خاصة يتم تحديدها إستنادا إلى رهان خاص
3- إجراءات ملموسة، أي قرارات وأدوات.
4- أعمال تطبيقية، أي تصرفات الموظفين المكلفين بتنفيذ الإجراءات المتخذة.
إن ما يلاحظ على هذه التعاريف، هو أنها تعطي أهمية للقرارات والأعمال الإيجابية وتنسى السلبيات منها. ومن هنا فالسؤال الذي نظرحه هو : هل يمكن النظر إلى السياسات العمومية على أساس أنها تشمل ليس فقط كل ما تود الحكومة عمله، وماتقوم به فعلا، وإنما كذلك ما لا تقوم به، او ما تمتنع عن القيام به، يوجيب الباحث الأمريكي "طوماس داي" عن ذلك من خلا التأكيد على ان : السياسات العمومية هي كل ماتختارالحكومة فعله وما لاتفعله. وذهب "ميشال بلابونس" في نفس المنحى حينما عرف السياسات العمومية، على أنها ما تقرره السلطات السياسية والإدارية، المتمتعة بالشرعية القانونية، القيام به او عدم القيام به.
نخلص من خلال ماسبق، إلى أن السياسات العمومية، هي مايقرر الفاعلون الحكوميون القيام به او عدم القيام به، وما يفعلونه فعلا او عكس ذلك. لكن بالرغم من أهمية التعاريف السابقة، فإن من سلبياتها الأساسية هي انها لا تحدد بدقة حول ماذا يتمحور التدخل الحكومي، ولعل هذا ما جعل من البعض يضعون تعريفا للسياسات العمومية يركز أكثر على موضوع هذه السياسات.
ثالثا : التركيز على المشاكل
إذا كان موضوع السياسات العمومية كما تم تحديده من خلال التعاريف السابقة، بكونه ما تفعله وما لاتفعله الحكومات، فإن غالبية الباحثين يربطون ذلك بشكل عام، إما بمشكلة، أو صراعات أو مطالب. بمعنى أن السياسات العمومية لا تعدو أن تكون سوى رد فعل من قبل الحكومة بالفعل او عدم الفعل إتجاه مشكلة، او صراعات او مطالب محددة داخل المجتمع. من هذا المنطلق، ذهب البعض إلى تعريف السياسات العمومية على أنها { تلك النوايا التي يعلنها المسؤولون الحكوميون بشأن مشكلة عامة و الأنشطة التي يقومون بها تطبيقا لهذه النوايا }. وغالبا ما تأخذ تلك النوايا لمواجهة مشكلة عامة من قبل الحكومة في ثلاث تجليات أساسية :
إن اندراج مجال تحليل السياسات العمومية ضمن حقل العلوم الاجتماعية بشكل عام ومجال علم السياسة بشكل خاص، يضع أية محاولة لتعريف محدد لها امام صعوبة بالغه وذلك لصعوبة الاتفاق العام والتباين الواضح بين السياسيين والفاعلين الحكوميين و الباحثين الأكاديميين حول ما يمكن اعتباره سياسات عموميه لكن يمكن الحديث هنا على أربع مستويات للتباين، وذلك على الشكل التالي :
• المستوى الأول، يمكن تحديده في حجم او عدد السياسات العمومية.
إن الفاعلين الحكوميين والسياسيين يضيقون دائما من دائرة الأعمال التي يمكن اعتبارها بمثابة سياسات عموميه عكس الباحثين والأكاديميين في مجال السياسات العمومية فهم يعملون دائما على توسيع دائرتها بحيث تشمل عندهم كل الأعمال التي يقوم بها الحكوميون والتي لا يقومون بها.
• المستوى الثاني، يكمن في الإجراءات المصاحبة للسياسات العمومية.
بمعنى أنه بالنسبة للحكومة حينما تعلن عن اعتمادها لسياسات عمومية معنية يكون ذلك بمثابة التزام من جانبها بالسير في مسار محدد، والذي يتم إسناده بإجراءات مصاحبة لها في المستقبل، وغالبا ما يتم صياغة تلك الالتزامات في شكل وثائق عمومية، في حين أنه بالنسبة للباحثين في مجال السياسات العمومية، فإنه ليس من الضروري حتى نكون امام سياسات عمومية، أن يتم تقديم كل تلك الدعاية الرسمية للتدخلات الحكومية.
• المستوى الثالث، يتمثل في التحضير والصياغة المسبقة للسياسات العمومية.
يعني هذا ان الحكومة تعتبر بمثابة سياسات عمومية تلك الالتزامات المعلن عنها في شكل وثائق محددة التي يكون تم الإتفاق عليها في اللجان المختصة، وكل هذه الأمور يتم في جميع الأحوال تدوينها بشكل مسبق ومتفق عليه بين الأطراف المعنية التي ترخص وتعطي الضوء الأخضر للحكومة في التحرك بإتجاه معين او القيام بإجراء محدد، بيد أن الأمر ليس كذلك بالنسبة للباحثين والأكادميين، حيث يؤكدون انه في كثير من الأحوال قد نكون أمام سياسات عمومية لا يتم صياغتها بشكل دقيق في وثائق عمومية معدة سلفا، وإنما يتم إقرارها لمواجهة وضعية خاصة او أزمة طارئة داخلية ام خارجية، أزمة صواريخ كوبا 1962 مثلا، التي تعتبر سياسة عمومية في مجال العلاقات الخارجية.
• المستوى الرابع، يتمثل في التمييز مع بعض المفاهيم المتداخلة مع السياسات العمومية.
هذا المستوى تعمد الحكومة إحيانا إلى التمييز بين السياسات، البرامج والمشاريع، حيث أن كل سياسات عمومية تتفكك إلى عدة برامج، التي تجزأ بدورها إلى عدد من المشاريع. فرغم الإقرار بأهمية هذا التمييز، إلا أن الباحثين والأكادميين أثناء دراستهم للسياسات العمومية، لا ينتظمون لهذا التمييز، بحيث نجدهم يتحدثون عن برامج ومشاريع بخصوص سياسات عمومية معينة. خاصة ان الأمر بالنسبة إليهم هو مجرد دراجات في سلم العمل الإداري الذي يسعى لخلق نوع من التنظيم على مستوى الأنشطة الحكومية.
لكن بالرغم من كل الصعوبات المتمثلة في تشعب موضوع السياسات العمومية، التي تحول دون إعطاء تعريف شامل يحيط بكل جوانبها. فإننا سنحاول في البداية ان نحدد اين تتموضوع السياسات العمومية (أولا)، ثم بعد ذلك تقديم بعض التعاريف (ثانيا)، ثم إبراز بعض السمات والخصائص التي تميز السياسات العمومية (ثالثا).
الفرع الأول : مجال السياسات العمومية
تندرج السياسات العمومية، كحقل معرفي فرعي في إطار حقل علم السياسة، ضمن مجال العلوم الإجتماعية. إن مفاهيم وطرق تحليل السياسات العمومية مستمدة من البراديجمات الكبرى للعلوم الإجتماعية، علم الإجتماع السياسي، الإقتصاد، التاريخ، القانون. كل هذه العلوم تمثل مادة خامة في تحليل السياسات العمومية والفعل العمومي.
على مستوى السوسيولوجيا، نجد إسهامات "إيميل دوركايم" التي تضل أساسية لتحليل التمثلات والقيم، ومساهمة السياسات العمومية في تنظيم المجتمع، كما أن التحليل الذي يقدمه "ماكس فيبر" للبيورقراطية، والمقارنة التاريخية التي يعتمدها، تشكل خزانا حقيقيا لتحليل السياسات العمومية. كما أن هناك حقولا معرفية اخرى يتم تحريكها بغاية فهم أكبر للسياسات العمومية، مثل الباحثون ذووا التوجه الماركسي الذين يعتمدون الصراع الطبقي.. إلى غير ذلك من الباحثين والمهتمين والأكادميين.
إن السياسات العمومية تستند كذلك إلى علم الإجتماع القانوني من أجل الإستفادة منها، كذلك تم الإستفادة من سوسيولوجية العلوم والتقنيات من أجل تحليل أدوات السلطة ( الإحصائيات والمؤشرات )، والتسيير ( أدوات الميزانيات و نظام المعلومات ). ونضيف كذلك لما سبق، الإعتماد على أعمال اخرى في حقل العلوم الإجتماعية، كما هو الشأن لعلم المنظمات، والحركات الإجتماعية والفعل الجماعي.
إن ما يبرز بشكل واضح أن السياسات العمومية تستمد عناصرها من موضوعات عديدة مختلفة، وتمثل نقطة إلتقاء للعديد من العلوم المتفرعة عن العلوم الإجتماعية. فدراسة كيف ؟ ولماذا ؟ ولأي هدف ؟ والفعل واللا-فعل، يضعنا أمام مجالات معرفية مختلفة ومتعددة، فدراسة الجانب المتعلق بالكيف نجد بعض جوانب الإجابة في الدراسات التي تتناول الحكومة والإدارة العامة والسياسة، اما الجانب المتعلق ب لماذا فغالبا ما يمتد إلى مواضيع يغطيها علم الإجتماع السياسي، والتاريخ، وعلم النفس الإجتماعي، والإقتصاد السياسي على سبيل المثال، في حين أن دراسة الجانب المتعلق ب لأي هدف وأي غرض فيرتبط بشدة بالتحليل التطبيقي، وعلم الإقتصاد، واخيرا بالفلسفة الإجتماعية، عندما نقوم بتقييم النتائج.
من هذا المنطلق فإن توجه الباحثين إلى دراسة السياسات العمومية تبرزه، "حسب طوماس داي" ثلاثة إعتبارات أساسية.
أولا : إعتبارات علمية
فنحن حين ندرس السياسات العمومية من أجل تطوير معارفنا وتأسيس نظرة معمقة للمجتمع الذي نعيش فيه، وذلك من خلال معرفة مصادر ونتائج قرارات السياسات العمومية. وعلى هذا الأساس، يمكن أن نتناولها من منطلقا كونها متغيرا تابعا.
إن تحليل السياسات العمومية، يساعد كذلك على تكوين فكرة حول طبيعة نظرة الفاعلين إلى العالم، إلى المشاكل والحلول التي يقدمونها. إن تحليل السياسات العمومية يمكننا من التوصل إلى تحليل رؤية المجتمع لنفسه وطبيعة نظرته للمؤسسات التي تؤسس الدولة، فالأهمية التي يعطيها مجتمع ما لقطاع الصحة مثلا...
( تسيير المستشفيات، سياسات التلقيح...) تتوقف على كيفية إدراك الفاعلين على مستوى المجتمع للصحة عموما، للأمراض والمخاطر وقيمة الحياة والموت..
ثانيا : إعتبارات مهنية
إذا كانت دراسة السياسات العمومية من بين أهدافها الأساسية تطوير المعارف، فإن دراستها كذلك تساعد بشكل أساسي على تحسين النشاط أو الفعل. لذلك فحينما نتحدث عن السياسات العمومية يكون الإنشغال الأساسي هنا هو تحسين الفعل، في حين عندما نتحدث عن السياسات العمومية والبحث حول السياسات العمومية، فغالبا ما يتعلق الأمر بتطوير المعارف. فمما لا شك فيه هو أن تطوير الأبحاث والدراسات حول السياسات العمومية، ينتج عن ذلك تطوير المعارف لتكون دعامة حقيقية لتطوير الفعل والنشاط وتحسينه.
ونشير إلى أن السياسات العمومية، من أجل دعم الإمكانيات وتنمية القدرات المهنية قد إستفادت من بعض النماذج والأساليب، الكمية والنوعية، منها على سبيل المثال :
1- تحليل النظم، بإعتبارها منهجا رئيسيا قائم على المعرفة النوعية، التي تتفاعل من خلالها القضايا في إطار تناسقي كلي وفرعي، في المكونات والترابطات والتأثيرات.
2- تحليل النفقة والمنفعة، كمنطلق في التفضيل عند إختيار السياسات العمومية المناسبة.
3- بحوث العمليات، بإعتبارها مرتكزات توظيفية للنماذج الإحصائية والرياضية في تحديد المشكلات وبناء الفرضيات المتعلقة بها، وربط الأسباب بالنتائج والظواهر التي تعنى بها السياسات العمومية بمختلف مجالاتها وعملياتها.
ثالثا : إعتبارات سياسية
ينصرف الأمر على هذا المستوى إلى مسألتين أساسيتين: أولهما تتمثل في التأكد من أن الدولة، تتبنى الأفضل من السياسات العمومية لتحقيق الأهداف العامة. لذا يؤكد البعض على ان علم السياسة، يجب على أن لا يضل صامتا إزاء الأزمات السياسية والإجتماعية الواقعة في الحياة، وأن المختصين بهذا العلم يقتضي عليهم واجب الإلتزام الأخلاقي والموضوعي في تقديم التوصية والدعوة إلى تبني سياسات عمومية، ذات فائدة على صعيد المؤسسات والعمليات والسلوكيات، وذلك عبر المشاركة الإيجابية لقطاعات المجتمع. عبر مؤسسات الأحزاب السياسية، وجماعات المصالح، والقادة السياسيين، وأجهزة الإعلام والصحافة والرأي العام. أما ثانيهما، فتكمن في أن دراسة السياسات العمومية تساعد على تكوين وفهم النظم السياسية من عدة جوانب. فهي تكشف عن التوجهات الإيديولوجية والسياسية للنظام الحاكم، والتي يمكن في ضوئها فهم وتحليل إختيارته وأولوياته وطبيعة القوى الإجتماعية والسياسية التي يعبر عنها. كما انها تكشف عن خريطة المصالح والقوى المتنافسة في المجتمع، وأليات النظام في التعامل مع المطالب التي تطرحها.
الفرع الثاني : تعريف السياسات العمومية
في واقع الأمر، أن من بين الصعوبات التي وجهها الباحثون في مجال حقل السياسات العمومية، هي الوصول إلى إعطاء تعريف دقيق محدد وواضح لها، لذا فإن التعاريف تتعدد وتتداخل بشكل كبير؛ ولكن مع ذلك فإننا حينما نمعن النظر في جملة تلك التعاريف، نجدها غالبا ما تشمل أحد هذه العناصر التالية : النشاطات، الفاعلون، المشاكل، الحلول.
أولا : التركيز على النشاطات
تنظر بعض التعاريف المقدمة للسياسات العمومية، الى أنها جملة من الأعمال والنشاطات والإجراءات بالنسبة للفاعلين على مستوى الدولة، وحتى بالنسبة للذين يقومون على تدبير بعض الأنساق السياسية التي توجد في مرتبة أقل من الدولة-الجماعات الترابية مثلا، تحيل السياسات العمومية على مجموعة من الأنشطة الخاصة. أي انها تلك العملية التي تستدعي القيام بأنشطة وترتيبات للعمل، وفي نفس السياق يذهب المتخصصون في دراسة وتحليل السياسات العمومية، إلى أن هذه الأخيرة تشمل مجالا واسعا جدا من الأنشطة والأعمال الموجهة للعموم وتحدث تغييرا ما في حياتهم وأوضاعهم. ففي نظر أحد المؤسسين لعلم السياسات العمومية، الأمريكي "هارولد لاسويل" ليست السياسات العمومية سوى من يحصل على ماذا؟ متى؟ وكيف؟ من خلال نشاطات تتعلق بتوزيع الموارد والمكاسب والقيم والمزايا المادية والمعنوية وتقاسم الوظائف والمكانة الإجتماعية، بفعل ممارسة السلطة والنفوذ، والتأثير بين أفراد المجتمع من قبل المستحوذين على مصادرالقوة.
ثانيا : التركيز على الفاعلين
تفيد كلمة الفاعل، كل من يقوم بتصرف ما، سواء بشكل فردي او جماعي. فعلى مستوى عملية إتخاذ القرار تحيل هذه الكلمة على المشاركة في إتخاذه، أما فيما يخص السياسات العمومية، فحتى نكون امام فاعل فيها ينبغي أن يكون للفعل الذي تم القيام به أثر ملموس على عملية صياغة سياسات عمومية محددة، بمعنى أخر، إن مفهوم الفاعل على مستوى السياسات العمومية، يتضمن بعدين أساسين؛ أولهما، يتعلق بمساهمة الفاعل في العملية السياسية؛ وثانيهما يتعلق بأثار او تأثير هذه المساهمة على النتيجة.
على هذا الأساس نجد "ريتشارد روس" يعرف السياسات العمومية على أنها، برنامج عمل حكومي وتركيبة خاصة من القواعد القانونية، المالية، الإدارية والبشرية، موجهة نحو إنجاز مجموعة الأهداف التي غالبا ما تكون محددة بشكل واضح، ويرى الباحث الأمريكي "بيج" أن السياسات العمومية هي ترابط لعناصر أربع :
1- مبادئ، أي تقديم عام حول طريقة تسيير الشؤون العامة.
2- أهداف، بمعنى أولويات خاصة يتم تحديدها إستنادا إلى رهان خاص
3- إجراءات ملموسة، أي قرارات وأدوات.
4- أعمال تطبيقية، أي تصرفات الموظفين المكلفين بتنفيذ الإجراءات المتخذة.
إن ما يلاحظ على هذه التعاريف، هو أنها تعطي أهمية للقرارات والأعمال الإيجابية وتنسى السلبيات منها. ومن هنا فالسؤال الذي نظرحه هو : هل يمكن النظر إلى السياسات العمومية على أساس أنها تشمل ليس فقط كل ما تود الحكومة عمله، وماتقوم به فعلا، وإنما كذلك ما لا تقوم به، او ما تمتنع عن القيام به، يوجيب الباحث الأمريكي "طوماس داي" عن ذلك من خلا التأكيد على ان : السياسات العمومية هي كل ماتختارالحكومة فعله وما لاتفعله. وذهب "ميشال بلابونس" في نفس المنحى حينما عرف السياسات العمومية، على أنها ما تقرره السلطات السياسية والإدارية، المتمتعة بالشرعية القانونية، القيام به او عدم القيام به.
نخلص من خلال ماسبق، إلى أن السياسات العمومية، هي مايقرر الفاعلون الحكوميون القيام به او عدم القيام به، وما يفعلونه فعلا او عكس ذلك. لكن بالرغم من أهمية التعاريف السابقة، فإن من سلبياتها الأساسية هي انها لا تحدد بدقة حول ماذا يتمحور التدخل الحكومي، ولعل هذا ما جعل من البعض يضعون تعريفا للسياسات العمومية يركز أكثر على موضوع هذه السياسات.
ثالثا : التركيز على المشاكل
إذا كان موضوع السياسات العمومية كما تم تحديده من خلال التعاريف السابقة، بكونه ما تفعله وما لاتفعله الحكومات، فإن غالبية الباحثين يربطون ذلك بشكل عام، إما بمشكلة، أو صراعات أو مطالب. بمعنى أن السياسات العمومية لا تعدو أن تكون سوى رد فعل من قبل الحكومة بالفعل او عدم الفعل إتجاه مشكلة، او صراعات او مطالب محددة داخل المجتمع. من هذا المنطلق، ذهب البعض إلى تعريف السياسات العمومية على أنها { تلك النوايا التي يعلنها المسؤولون الحكوميون بشأن مشكلة عامة و الأنشطة التي يقومون بها تطبيقا لهذه النوايا }. وغالبا ما تأخذ تلك النوايا لمواجهة مشكلة عامة من قبل الحكومة في ثلاث تجليات أساسية :
1- إلتزام الصمت وتجاهل النقاش العام حول الموضوع والضغوطات التي تطالبها بالتدخل. بهذا التصرف فإن الحكومة تختار عدم الفعل مما ييعني عدم إعترافها بالمشكلة.
2- التصريح العلني للحكومة عبر الناطق الرسمي بإسمها، يوضح فيه رأي الحكومة في المشكلة وموقفها منها. وقد يكون هذا التصريح كافيا لإحداث رد الفعل اللازم لحل المشكلة.
3- اللجوء إلى إعتماد إجراءات رسمية، كاللجوء إلى البرلمان لإصدار قوانين تشريعية او مراسيم وقرارات تنفيذية، إذانا منها بالبدء في علاج المشكلة. وغالبا ما تقتضي هذه العملية تعريف المشكلة وتحديدها بالدقة كمرحلة اولى، ثم إختيار الاسلوب او الطريقة الملائمة لعلاجها.
2- التصريح العلني للحكومة عبر الناطق الرسمي بإسمها، يوضح فيه رأي الحكومة في المشكلة وموقفها منها. وقد يكون هذا التصريح كافيا لإحداث رد الفعل اللازم لحل المشكلة.
3- اللجوء إلى إعتماد إجراءات رسمية، كاللجوء إلى البرلمان لإصدار قوانين تشريعية او مراسيم وقرارات تنفيذية، إذانا منها بالبدء في علاج المشكلة. وغالبا ما تقتضي هذه العملية تعريف المشكلة وتحديدها بالدقة كمرحلة اولى، ثم إختيار الاسلوب او الطريقة الملائمة لعلاجها.
رابعا : التركيز على الحلول
إن السياسات العمومية لا تحيل فقط على مجموع القرارات المترابطة المتخذة من قبل فاعل سياسي او جماعة من الفاعلين السياسيين، وإنما كذلك من تحديد الأهداف والوسائل من أجل تحقيقها، وبالتالي البحث عن الحلول، إن الأهداف او البحث عن الحلول، هي مسألة مركزية كذلك في تعريف اخر، "لستيفن بروكس" الذي يرى ان السياسات العمومية، هي بمثابة إطار يحتوي على أفكار وقيم، والذي تتخذ في ضله قرارات، وحيث يتم فيه إختيار القيم بفعل او اللافعل من قبل الحكومات، وذلك في علاقة مع رهان او مشكل معين.
إن السياسات العمومية بناءا على ما سبق، تتمثل في مجموعة من الأنشطة او عدمها، التي يقوم بها الفاعلون السياسيون بغرض تقديم حلول للمشاكل المطروحة والتي يعاني منها المجتمع، بمعنى اخر ان السياسات العمومية تعني ذلك المسار العملي المقصود من لدن الحكومة او احد مؤسساتها لتقديم حلول لقضية او مشكلة معينة، تسترعي إنتباها عاما، وغالبا ما يأخذ هذا المسار العملي للتصدي لمشكلة عامة، تواجه المجتمع شكل قوانين تشريعية او مراسيم ولوائح تنظيمية محددة، او تصريحات عامة صادرة عن الفاعلين السياسيين. ونود ان نثير الإنتباه إلى أن الغايات والأهداف والبحث عن الحلول للمشاكل التي يعاني منها المجتمع، ليست مسألة هينة، وذلك لسببين على الأقل :
• السبب الأول : يكمن في أنه ليس من السهل التعرف على الهدف الذي تقصده الحكومة، من خلال إعتماد خيارا او حل معين لمواجهة مشكلة محددة، خاصة وان الهدف المعلن عنه والحل الذي تم إعتماده قد يخفي غايات اخرى غير معلن عنها بشكل صريح.
• السبب الثاني : له علاقة بالأول، وهو أن تقديم جواب على لماذا اختارت الحكومة حلا محددا دون سواه، قد يعتمد على بعض التطورات التاريخية في الماضي البعيد، الذي قد لا يعيه صناع السياسات العمومية في الزمن الحاضر، كما قد يعتمد كذلك أيضا على جذور الثقافة السياسية للأمة والجماعات المكونة لها، او أن هذه الإجابات تعتمد حتى على الحالة المتغيرة للوعي العام الذي يشكل من قضية ما ومعضلة تثير الإهتمام السياسي أكثر من كونها مجرد حالة يجب تقبلها. ولعل هذا ما يضعنا في قلب العملية السياسية داخل المجتمع، بما أن إعتماد حل معين لمشكل او قضية محددة وإختيار بديل دون سواه، يكشف لنا عن طبيعة التوجهات الإيديولوجية والسياسية للنظام الحاكم.
المطلب الأول : مسار صنع السياسات العمومية
إذا كانت مسألة التباين القائم بين مختلف الأنظمة السياسية حول مجموعة من التفاصيل المرتبطة بعملية صنع السياسات العمومية، من الأمور التي يمكن ملاحظتها والوقوف عليها عند دراسة وتحليل تلك الأنظمة، فإنه مع ذلك يكاد يكون هناك إتفاقا عاما، بينما يمكن أن نعتبره إطارا للمراحل التي تنضبط له السياسات العمومية في مسار تبلورها. هذه المراحل يمكن حصرها في تحديد المشكلة العامة (الفرع الأول)، إدراج المشكلة في أجندة الحكومة وجدولتها (الفرع الثاني)، وضع مقترحات بسياسات عمومية (الفرع الثالث)، تبني سياسات عمومية لمواجهة المشكلة وحلها (الفرع الرابع).
إن السياسات العمومية لا تحيل فقط على مجموع القرارات المترابطة المتخذة من قبل فاعل سياسي او جماعة من الفاعلين السياسيين، وإنما كذلك من تحديد الأهداف والوسائل من أجل تحقيقها، وبالتالي البحث عن الحلول، إن الأهداف او البحث عن الحلول، هي مسألة مركزية كذلك في تعريف اخر، "لستيفن بروكس" الذي يرى ان السياسات العمومية، هي بمثابة إطار يحتوي على أفكار وقيم، والذي تتخذ في ضله قرارات، وحيث يتم فيه إختيار القيم بفعل او اللافعل من قبل الحكومات، وذلك في علاقة مع رهان او مشكل معين.
إن السياسات العمومية بناءا على ما سبق، تتمثل في مجموعة من الأنشطة او عدمها، التي يقوم بها الفاعلون السياسيون بغرض تقديم حلول للمشاكل المطروحة والتي يعاني منها المجتمع، بمعنى اخر ان السياسات العمومية تعني ذلك المسار العملي المقصود من لدن الحكومة او احد مؤسساتها لتقديم حلول لقضية او مشكلة معينة، تسترعي إنتباها عاما، وغالبا ما يأخذ هذا المسار العملي للتصدي لمشكلة عامة، تواجه المجتمع شكل قوانين تشريعية او مراسيم ولوائح تنظيمية محددة، او تصريحات عامة صادرة عن الفاعلين السياسيين. ونود ان نثير الإنتباه إلى أن الغايات والأهداف والبحث عن الحلول للمشاكل التي يعاني منها المجتمع، ليست مسألة هينة، وذلك لسببين على الأقل :
• السبب الأول : يكمن في أنه ليس من السهل التعرف على الهدف الذي تقصده الحكومة، من خلال إعتماد خيارا او حل معين لمواجهة مشكلة محددة، خاصة وان الهدف المعلن عنه والحل الذي تم إعتماده قد يخفي غايات اخرى غير معلن عنها بشكل صريح.
• السبب الثاني : له علاقة بالأول، وهو أن تقديم جواب على لماذا اختارت الحكومة حلا محددا دون سواه، قد يعتمد على بعض التطورات التاريخية في الماضي البعيد، الذي قد لا يعيه صناع السياسات العمومية في الزمن الحاضر، كما قد يعتمد كذلك أيضا على جذور الثقافة السياسية للأمة والجماعات المكونة لها، او أن هذه الإجابات تعتمد حتى على الحالة المتغيرة للوعي العام الذي يشكل من قضية ما ومعضلة تثير الإهتمام السياسي أكثر من كونها مجرد حالة يجب تقبلها. ولعل هذا ما يضعنا في قلب العملية السياسية داخل المجتمع، بما أن إعتماد حل معين لمشكل او قضية محددة وإختيار بديل دون سواه، يكشف لنا عن طبيعة التوجهات الإيديولوجية والسياسية للنظام الحاكم.
المطلب الأول : مسار صنع السياسات العمومية
إذا كانت مسألة التباين القائم بين مختلف الأنظمة السياسية حول مجموعة من التفاصيل المرتبطة بعملية صنع السياسات العمومية، من الأمور التي يمكن ملاحظتها والوقوف عليها عند دراسة وتحليل تلك الأنظمة، فإنه مع ذلك يكاد يكون هناك إتفاقا عاما، بينما يمكن أن نعتبره إطارا للمراحل التي تنضبط له السياسات العمومية في مسار تبلورها. هذه المراحل يمكن حصرها في تحديد المشكلة العامة (الفرع الأول)، إدراج المشكلة في أجندة الحكومة وجدولتها (الفرع الثاني)، وضع مقترحات بسياسات عمومية (الفرع الثالث)، تبني سياسات عمومية لمواجهة المشكلة وحلها (الفرع الرابع).
الفرع الأول : تحديد المشكلة العامة
إن صنع اي سياسات عمومية لا ينطلق من فراغ، بل يتأسس على معطيات واقعية لها علاقة مباشرة بالواقع الإجتماعي والسياسي والإقتصادي للمجتمع الذي توضع تلك السياسات من أجله. وغالبا ما يربط الباحثين في مجال السياسات العمومية بين عملية صنعها وبين وجود مشكلة عامة تشكل موضوعا لها. لهذا ينظر هؤلاء إلى ان صنع السياسات العمومية الموجهة لمعالجة مشكلة عامة تتطلب بداية تحديدا وتعريفا واضحين ودقيقين لحقيقة المشكلة التي يعاني منها المجتمع ويريد لها حلا. يعتبر النجاح في وضع هذه الخطوة مطلبا أساسيا لنجاح السياسات العمومية في تحقيق أهدافها. فالنجاح في رسم العلاج يعتمد على الدقة في تشخيص الداء. وبالتالي يعتبر تحديد وتعريف المشكلة العامو من أهم الأشياء في السياسات العمومية، وقد يكون أهم خطوات رسم السياسات العمومية، وهذا لأن المشكلة هي إطار فكري يساعد على وصف واقع معين وعلى تنظيم الجهد الهادف لفهم وتغيير هذا الواقع من حال إلى حال.
يكمن أهمية تعريف وتحديد المشكلة، في أنه يؤثر في نوعية الحلول المقدمة لها، كما يؤثر على طبيعة الأثار المتوقعة منها. كما أن تعريف المشكلة يبرز طبيعتها ونوعها، هل هي موضوع سياسة خارجية؟ ام موضوع سياسة محلية؟ هل هي مشكلة جديدة ؟ ام أنها تطور جديد لمشكلة قائمة؟ ثم ما هو نطاق تأثر المشكلة؟
إن الجمع بين عامة وكلمة مشكلة يوحي على أن هناك عل الأقل نوعين من المشاكل، مشاكل عام ومشاكل خاصة.
من هذا المنطلق نجد أن هناك من يميز بين ثلاث مستويات للمشاكل؛ مشكلة خاصة، مشكلة إجتماعية، مشكلة عامة. فنحن نكون ام مشكلة خاصة عندما يتعلق الأمر بحاجة او مطلب يمكن تلبيته بدون الالتجاء إلى أشخاص ليس لهم دور مباشر في المشكلة ولا يتأثرون بها مباشرة.
أما حينما تمتد أثار المشكلة إلى أبعد من الأطراف المعنية بها مباشرة، تخرج المشكلة من مجالها الخاصة لتدخل إطار المشكلة الإجتماعية. أما إذا إتسع نطاق الأثار المباشرة والغير المباشرة للتصرفات والوقائع، بحيث شملت مجموعة او مجموعات كبيرة بين أفراد المجتمع تحولت المشكلة الى مشكلة عامة. فإذا تم هناك تدخلا من الجهاز الحكومي لحل المشاكل فنكون أمام سياسات عمومية.
إلا أن هناك من يسعى إلى التمييز بين المشاكل العامة وغيرها من المشاكل والظواهر الاخرى، وعدم الخلط بين الوقائع الإجتماعية، والمشاكل العامة والرهانات السياسية.
يمكن القول ان المشكلة العامة توجد إذا توافرت شروط أهمها مايلي :
• تغير أوضاع أو ظروف معينة في المجتمع من حال إلى حال.
• يعتبر هذا التغيير غير مرغوب فيه وغير مقبول لتعارضه مع المقاييس والقيم الإجتماعية.
• إتفاق عدد كبير أو مجموعة فعالة من المواطنين والشعور بعد الرضاء عن الوضع الجديد.
• رغبة هؤلاء المواطنين في تصحيح الوضع وإستعدادهم لبذل الجهد للوصول إلى هذا الهدف.
ونشير إلى أنه يخطأ من يعتقد ان وجود مشكلة عامة يعني ان المجتمع ككل موحد الرأي بالنسبة لها، فواقع الأمر ان الناس يختلفون ويتفاوتون تفاوتا كبيرا في حكمهم على الأوضاع المحيطة بهم، لتفاوت الطبقات الإجتماعية والأجناس، والأديان والخلفيات القومية...
ونشير إنطلاقا مما سبق، أن المشكلة العامة تتميز ببعض الخصائص نلخصها على الشكل التالي :
• إن المشاكل العامة ليست وحدات مستقلة كل منها عن الأخر، بل أجزاء مترابطة بعضها على بعض في كل متشابك معقد.
• تقوم المشاكل العامة على أساس إعتبارت شخصية، فإعتبار الوضع القائم غير مرضي وأنه يمثل مشكلة يعتمد بالدرجة الاولى على رأي شخص او مجموعة من الأشخاص يصدرون حكما بان الوضع غير مرغوب فيه.
• ينتج عن ماسبق ان المشكل العامة قد تكون شيء مفتعل او غير حقيقي، إذ يتوقف إعتبار وضع معين أنه مشكلة عامة على وجود شخص او أشخاص تتفق في هذا الرأي ويطالبون بالتغيير. بمعنى اخر، لا توجد مشكلة ما لم يوجد من يعتبر الوضع القائم غير مرغوب فيه.
• إن للمشكلة العامة طبيعة ديناميكة حركية. فالأوضاع غير المرضية والعوامل التي تؤثر في حكم الأشخاص، والقيم التي يستعملونها في الحكم، كلها عوامل في حالة مرونة وتغير مستمرين. وبالتالي فيما يعتبر مشكلة عامة اليوم، قد لا يعتبر كذلك بعض مضي فترة زمنية او تغير بعض العوامل البيئية.
ونخلص في الأخير إلى انه إذا كانت السياسات العمومية هي تدخل حكومي لمعالجة مشكلة تواجه المجتمع او تؤثر على حياة الناس بشكل او بأخر، فإن هذا يعني ان بداية صنع السياسات العمومية يكون بإدراك الحكومة لمشكلة ثم إمتلاك النية للتدخل.
الفرع الثاني : وضع أجندة بسياسات عمومية
لماذا تصبح مسألة ما موضوعا للسياسات العمومية؟ إن الجواب الأقرب إلى نوع الحتمية، الذي يمكن تقديمه من خلال هذا السؤال الذي يحمل علامات البساطة، خاصة من قبل الموظفين الكبار او المسؤولين السياسيين الذين لهم طموحاتهم أساسا إيجاد حل للمشاكل، هو ان هناك سياسات عمومية لأن هناك مشكلة ينبغي ايجاد حل لها.
فما المقصود بالأجندة السياسية وما هي محددتها وأنواعها ؟
أولا : معنى الأجندة السياسية
ولقد أعطيت للأجندة السياسية، عدة تعاريف نذكر من بينها تعريف الذي قدمه، "جون كينغدون" والذي من خلاله يرى بأنها تلك القائمة التي "تتضمن الموضوعات والمشكلات الموجودة أمام الفاعلين الحكوميين، وذلك بمشاركة من قبل الأفراد الذين يعملون بالقرب منهم، والذي تحظى بعناية حقيقية من لدنها خلال فترة محددة من الزمن".
يعرف "فرنك بومجارتنتر" بطريقة مختلفة نوعا ما، وذلك من خلال تأكيده على ان الأجندة السياسية هي مجموعة من المشاكل التي هي موضوع قرارات ونقاش في إطار نظام سياسي خاص في فترة محددة.
يعني هذا ان الأجندة السياسية، تتضمن عملية مناقشة فعلية ينتج عنها القيام بفعل رسمي مناسب لمواجهة المشكلة المطروحة ضمن الأجندة، وعليه فإن المشكلة من خلال تطوراتها، حينما تصبح قضية عامة، فإنها عند هذه الحالة، تقتضي تدخلا رسميا حكوميا، كما تستلزم سياسيات عمومية بشأنها.
من خلال ماسبق، يمكن ان نقول بأن الأجندة السياسية او الحكومية هي عبارة رسمية تتضمن عدة بنود وكل واحد من هذه البنود يمثل اولوية معينة من اولويات الحكومة.
وتتمتع الأجندة السياسية بأهمية كبيرة، وهذا لأن محتوى الأجندة هو الذي يحدد نشاط الحكومة ويحدد كذلك المشاكل والقضايا التي ستعالجها.
ثانيا : أسباب إدراج المشكلة في الأجندة
هناك أسباب وعوامل كثيرة تدفع في إتجاه إدراج مشكلة ما ضمن أجندة الحكومة، فزيادة عن تحول المشكلة من نطاقها الإجتماعي وإتخاذها شكلا سياسيا، فإن من بين الأسباب القوية التي تساعد على ولوج المشكلة الى بنود الأجندة هو إتفاق مجموعة او مجموعات من الأشخاص على وجود مشكلة ورغبتهم في علاجها، وإستعدادهم للضغط على الحكومة لحلها.
وينبغي التأكيد كذلك على ان هناك على الأقل ثلاث مجموعات من العناصر تساعد على إدراج المشكلة في أجندة الحكومة :
• المجموعة الأولى : ترتبط بالمشكلة ذاتها، ومنها إتساع نطاق المشكلة بحيث يصل إلى أعداد كبيرة من أفراد المجتمع، ووجود ما يدل على أن المشكل حقيقية وجدية وأن اثارها السلبي جديرة بالإهتمام، وكذلك يوجد ما يوحي بأن احد الحلول المقترحة لعلاج المشكلة من قبل الأحزاب وجماعات الضغط قد ينجح في علاج المشكلة ولو جزئيا.
• المجموعة الثانية : ترتبط بالأشخاص المهتمة بالمشكلة سواء الأحزاب او جماعات الضغط، او اية فئة من فئات المجتمع المدني، ودرجة ونوع تنظيمهما وقدرتهما على التأثير في المجتمع، والنظام السياسي بما في ذلك مكانتهم الإجتماعية والسياسية وقدراتهم المالية والفنية، اللازمة للقيام بالحملة السياسية اللازمة.
• المجموعة الثالثة : تخص النظام السياسي ذاته ومدى إستعداد القيادة السياسية لتلقي وتقبل ضغوطا إجتماعية، ووجود قنوات في النظام السياسي والجهاز الحكومي، يمكن عن طريقها للمواطنين وجماعات الضغط للتأثير في الحكومة والقيادة السياسية.
ثالثا : أنواع الأجندات
إذا نظرنا إلى مجموع التعاريف السابقة، سنجد أنها تعكس بعض الأبعاد لما يمكن ان نطلق عليه الأجندة السياسية.
إلا ان هذا التمييز يضل ناقصا بما أنه يمكن ان نتحدث عن وجود أجندة في مستويات أدنى.
1- الأجندة الشاملة.
تتضمن كل الرهانات والمشاكل المدركة عامة من قبل أعضاء الجماعة السياسية، بإعتبارها تستحق الإهتمام العمومي. بمعنى اخر، الأجندة الشاملة في حكم برنامج يتصف بشموليته من حيث انه يتضمن قضايا كثيرة وليست محصورة على نوع واحد من المشاكل التي يواجهها المجتمع، مثل القضايا السياسية والإقتصادية والإجتماعية والأمنية والعلمية .
2- الأجندة المؤسسية
تشمل مجموع الأسئلة التي تمثل موضوعا واضحا، وتؤخذ بعين الإعتبار بشكل جدي وفاعل من قبل متخذي القرار، بمعنى ان الأجندة المؤسسية تتضمن قضايا يريد صانعوا القرارات في المؤسسة القيام بخطوات عملية لإيجاد حلول لها.
ونشير إلى ان هناك محاولة نسقية قدمها "جارود" تتمثل في خمس نماذج وهي:
النموذج التعبوي؛ نموذج العرض السياسي؛ النموذج الإعلامي؛ النموذج الإستباقي؛ نموذج الفعل المساند الصامت.
3- الأجندات المرحلية.
هي نوع من الأجندات او برامج العمل المرتبطة لفترة زمنية محددة، حيث لا تتجاوزها وذلك مثل أجندة الحكومة للقيام بمشروع معين في مجال إجتماعي او اقتصادي. مثال القطار الفائق السرعة.
4- الأجندة الخاصة بالأسباب
إن هذا النوع من الأجندة وكما يدل عليها إسمها ترتبط غالبا ببرنامج تضعه الحكومة وتحدد فيه أولويتها في التعامل مع المشكلة الطارئة محددة، مثال على ذلك اجندة الحكومة في التعامل مع كارثة طبيعية.
إن صنع اي سياسات عمومية لا ينطلق من فراغ، بل يتأسس على معطيات واقعية لها علاقة مباشرة بالواقع الإجتماعي والسياسي والإقتصادي للمجتمع الذي توضع تلك السياسات من أجله. وغالبا ما يربط الباحثين في مجال السياسات العمومية بين عملية صنعها وبين وجود مشكلة عامة تشكل موضوعا لها. لهذا ينظر هؤلاء إلى ان صنع السياسات العمومية الموجهة لمعالجة مشكلة عامة تتطلب بداية تحديدا وتعريفا واضحين ودقيقين لحقيقة المشكلة التي يعاني منها المجتمع ويريد لها حلا. يعتبر النجاح في وضع هذه الخطوة مطلبا أساسيا لنجاح السياسات العمومية في تحقيق أهدافها. فالنجاح في رسم العلاج يعتمد على الدقة في تشخيص الداء. وبالتالي يعتبر تحديد وتعريف المشكلة العامو من أهم الأشياء في السياسات العمومية، وقد يكون أهم خطوات رسم السياسات العمومية، وهذا لأن المشكلة هي إطار فكري يساعد على وصف واقع معين وعلى تنظيم الجهد الهادف لفهم وتغيير هذا الواقع من حال إلى حال.
يكمن أهمية تعريف وتحديد المشكلة، في أنه يؤثر في نوعية الحلول المقدمة لها، كما يؤثر على طبيعة الأثار المتوقعة منها. كما أن تعريف المشكلة يبرز طبيعتها ونوعها، هل هي موضوع سياسة خارجية؟ ام موضوع سياسة محلية؟ هل هي مشكلة جديدة ؟ ام أنها تطور جديد لمشكلة قائمة؟ ثم ما هو نطاق تأثر المشكلة؟
إن الجمع بين عامة وكلمة مشكلة يوحي على أن هناك عل الأقل نوعين من المشاكل، مشاكل عام ومشاكل خاصة.
من هذا المنطلق نجد أن هناك من يميز بين ثلاث مستويات للمشاكل؛ مشكلة خاصة، مشكلة إجتماعية، مشكلة عامة. فنحن نكون ام مشكلة خاصة عندما يتعلق الأمر بحاجة او مطلب يمكن تلبيته بدون الالتجاء إلى أشخاص ليس لهم دور مباشر في المشكلة ولا يتأثرون بها مباشرة.
أما حينما تمتد أثار المشكلة إلى أبعد من الأطراف المعنية بها مباشرة، تخرج المشكلة من مجالها الخاصة لتدخل إطار المشكلة الإجتماعية. أما إذا إتسع نطاق الأثار المباشرة والغير المباشرة للتصرفات والوقائع، بحيث شملت مجموعة او مجموعات كبيرة بين أفراد المجتمع تحولت المشكلة الى مشكلة عامة. فإذا تم هناك تدخلا من الجهاز الحكومي لحل المشاكل فنكون أمام سياسات عمومية.
إلا أن هناك من يسعى إلى التمييز بين المشاكل العامة وغيرها من المشاكل والظواهر الاخرى، وعدم الخلط بين الوقائع الإجتماعية، والمشاكل العامة والرهانات السياسية.
يمكن القول ان المشكلة العامة توجد إذا توافرت شروط أهمها مايلي :
• تغير أوضاع أو ظروف معينة في المجتمع من حال إلى حال.
• يعتبر هذا التغيير غير مرغوب فيه وغير مقبول لتعارضه مع المقاييس والقيم الإجتماعية.
• إتفاق عدد كبير أو مجموعة فعالة من المواطنين والشعور بعد الرضاء عن الوضع الجديد.
• رغبة هؤلاء المواطنين في تصحيح الوضع وإستعدادهم لبذل الجهد للوصول إلى هذا الهدف.
ونشير إلى أنه يخطأ من يعتقد ان وجود مشكلة عامة يعني ان المجتمع ككل موحد الرأي بالنسبة لها، فواقع الأمر ان الناس يختلفون ويتفاوتون تفاوتا كبيرا في حكمهم على الأوضاع المحيطة بهم، لتفاوت الطبقات الإجتماعية والأجناس، والأديان والخلفيات القومية...
ونشير إنطلاقا مما سبق، أن المشكلة العامة تتميز ببعض الخصائص نلخصها على الشكل التالي :
• إن المشاكل العامة ليست وحدات مستقلة كل منها عن الأخر، بل أجزاء مترابطة بعضها على بعض في كل متشابك معقد.
• تقوم المشاكل العامة على أساس إعتبارت شخصية، فإعتبار الوضع القائم غير مرضي وأنه يمثل مشكلة يعتمد بالدرجة الاولى على رأي شخص او مجموعة من الأشخاص يصدرون حكما بان الوضع غير مرغوب فيه.
• ينتج عن ماسبق ان المشكل العامة قد تكون شيء مفتعل او غير حقيقي، إذ يتوقف إعتبار وضع معين أنه مشكلة عامة على وجود شخص او أشخاص تتفق في هذا الرأي ويطالبون بالتغيير. بمعنى اخر، لا توجد مشكلة ما لم يوجد من يعتبر الوضع القائم غير مرغوب فيه.
• إن للمشكلة العامة طبيعة ديناميكة حركية. فالأوضاع غير المرضية والعوامل التي تؤثر في حكم الأشخاص، والقيم التي يستعملونها في الحكم، كلها عوامل في حالة مرونة وتغير مستمرين. وبالتالي فيما يعتبر مشكلة عامة اليوم، قد لا يعتبر كذلك بعض مضي فترة زمنية او تغير بعض العوامل البيئية.
ونخلص في الأخير إلى انه إذا كانت السياسات العمومية هي تدخل حكومي لمعالجة مشكلة تواجه المجتمع او تؤثر على حياة الناس بشكل او بأخر، فإن هذا يعني ان بداية صنع السياسات العمومية يكون بإدراك الحكومة لمشكلة ثم إمتلاك النية للتدخل.
الفرع الثاني : وضع أجندة بسياسات عمومية
لماذا تصبح مسألة ما موضوعا للسياسات العمومية؟ إن الجواب الأقرب إلى نوع الحتمية، الذي يمكن تقديمه من خلال هذا السؤال الذي يحمل علامات البساطة، خاصة من قبل الموظفين الكبار او المسؤولين السياسيين الذين لهم طموحاتهم أساسا إيجاد حل للمشاكل، هو ان هناك سياسات عمومية لأن هناك مشكلة ينبغي ايجاد حل لها.
فما المقصود بالأجندة السياسية وما هي محددتها وأنواعها ؟
أولا : معنى الأجندة السياسية
ولقد أعطيت للأجندة السياسية، عدة تعاريف نذكر من بينها تعريف الذي قدمه، "جون كينغدون" والذي من خلاله يرى بأنها تلك القائمة التي "تتضمن الموضوعات والمشكلات الموجودة أمام الفاعلين الحكوميين، وذلك بمشاركة من قبل الأفراد الذين يعملون بالقرب منهم، والذي تحظى بعناية حقيقية من لدنها خلال فترة محددة من الزمن".
يعرف "فرنك بومجارتنتر" بطريقة مختلفة نوعا ما، وذلك من خلال تأكيده على ان الأجندة السياسية هي مجموعة من المشاكل التي هي موضوع قرارات ونقاش في إطار نظام سياسي خاص في فترة محددة.
يعني هذا ان الأجندة السياسية، تتضمن عملية مناقشة فعلية ينتج عنها القيام بفعل رسمي مناسب لمواجهة المشكلة المطروحة ضمن الأجندة، وعليه فإن المشكلة من خلال تطوراتها، حينما تصبح قضية عامة، فإنها عند هذه الحالة، تقتضي تدخلا رسميا حكوميا، كما تستلزم سياسيات عمومية بشأنها.
من خلال ماسبق، يمكن ان نقول بأن الأجندة السياسية او الحكومية هي عبارة رسمية تتضمن عدة بنود وكل واحد من هذه البنود يمثل اولوية معينة من اولويات الحكومة.
وتتمتع الأجندة السياسية بأهمية كبيرة، وهذا لأن محتوى الأجندة هو الذي يحدد نشاط الحكومة ويحدد كذلك المشاكل والقضايا التي ستعالجها.
ثانيا : أسباب إدراج المشكلة في الأجندة
هناك أسباب وعوامل كثيرة تدفع في إتجاه إدراج مشكلة ما ضمن أجندة الحكومة، فزيادة عن تحول المشكلة من نطاقها الإجتماعي وإتخاذها شكلا سياسيا، فإن من بين الأسباب القوية التي تساعد على ولوج المشكلة الى بنود الأجندة هو إتفاق مجموعة او مجموعات من الأشخاص على وجود مشكلة ورغبتهم في علاجها، وإستعدادهم للضغط على الحكومة لحلها.
وينبغي التأكيد كذلك على ان هناك على الأقل ثلاث مجموعات من العناصر تساعد على إدراج المشكلة في أجندة الحكومة :
• المجموعة الأولى : ترتبط بالمشكلة ذاتها، ومنها إتساع نطاق المشكلة بحيث يصل إلى أعداد كبيرة من أفراد المجتمع، ووجود ما يدل على أن المشكل حقيقية وجدية وأن اثارها السلبي جديرة بالإهتمام، وكذلك يوجد ما يوحي بأن احد الحلول المقترحة لعلاج المشكلة من قبل الأحزاب وجماعات الضغط قد ينجح في علاج المشكلة ولو جزئيا.
• المجموعة الثانية : ترتبط بالأشخاص المهتمة بالمشكلة سواء الأحزاب او جماعات الضغط، او اية فئة من فئات المجتمع المدني، ودرجة ونوع تنظيمهما وقدرتهما على التأثير في المجتمع، والنظام السياسي بما في ذلك مكانتهم الإجتماعية والسياسية وقدراتهم المالية والفنية، اللازمة للقيام بالحملة السياسية اللازمة.
• المجموعة الثالثة : تخص النظام السياسي ذاته ومدى إستعداد القيادة السياسية لتلقي وتقبل ضغوطا إجتماعية، ووجود قنوات في النظام السياسي والجهاز الحكومي، يمكن عن طريقها للمواطنين وجماعات الضغط للتأثير في الحكومة والقيادة السياسية.
ثالثا : أنواع الأجندات
إذا نظرنا إلى مجموع التعاريف السابقة، سنجد أنها تعكس بعض الأبعاد لما يمكن ان نطلق عليه الأجندة السياسية.
إلا ان هذا التمييز يضل ناقصا بما أنه يمكن ان نتحدث عن وجود أجندة في مستويات أدنى.
1- الأجندة الشاملة.
تتضمن كل الرهانات والمشاكل المدركة عامة من قبل أعضاء الجماعة السياسية، بإعتبارها تستحق الإهتمام العمومي. بمعنى اخر، الأجندة الشاملة في حكم برنامج يتصف بشموليته من حيث انه يتضمن قضايا كثيرة وليست محصورة على نوع واحد من المشاكل التي يواجهها المجتمع، مثل القضايا السياسية والإقتصادية والإجتماعية والأمنية والعلمية .
2- الأجندة المؤسسية
تشمل مجموع الأسئلة التي تمثل موضوعا واضحا، وتؤخذ بعين الإعتبار بشكل جدي وفاعل من قبل متخذي القرار، بمعنى ان الأجندة المؤسسية تتضمن قضايا يريد صانعوا القرارات في المؤسسة القيام بخطوات عملية لإيجاد حلول لها.
ونشير إلى ان هناك محاولة نسقية قدمها "جارود" تتمثل في خمس نماذج وهي:
النموذج التعبوي؛ نموذج العرض السياسي؛ النموذج الإعلامي؛ النموذج الإستباقي؛ نموذج الفعل المساند الصامت.
3- الأجندات المرحلية.
هي نوع من الأجندات او برامج العمل المرتبطة لفترة زمنية محددة، حيث لا تتجاوزها وذلك مثل أجندة الحكومة للقيام بمشروع معين في مجال إجتماعي او اقتصادي. مثال القطار الفائق السرعة.
4- الأجندة الخاصة بالأسباب
إن هذا النوع من الأجندة وكما يدل عليها إسمها ترتبط غالبا ببرنامج تضعه الحكومة وتحدد فيه أولويتها في التعامل مع المشكلة الطارئة محددة، مثال على ذلك اجندة الحكومة في التعامل مع كارثة طبيعية.
5- أجندة طويلة الأمد.
وهي أجندة بمثابة برامج تعبر عن أولويات دائمة او طويلة الأمد للحكومة، مثل الأجندة المرتبطة بالتصنيع او حماية الامن الوطني لاية دولة.
رابعا : الاسس العملية لصياغة الأجندة الحكومية
حدد الباحثان "بومجارتنر وجونس" ثلاثة مداخل عملية لصياغة الأجندة، هي المدخل التعددي، والمدخل النخبوي، ومدخل مركزية الدولة
1- المدخل التعددي في صياغة الأجندة
يمثل هذا المدخل جزءا من النظرية التعددية لإدارة الحكومة، وينطلق هذا المدخل من مبدأ فحواه ان اجندة الحكومة هي نتاج تشابك مصالح جماعات وأحزاب وقوى سياسية عديدة في الدولة، بحيث تتنافس هذه الجهات على إحتلال مواقع تؤهلها لتكون أكثر تأثيرا على أجندة الحكومة، مما يعني أنها نتاج لعلاقات القوة داخل المجتمع.
إلا أنه بالرغم مما مزايا التعددية في صياغة الأجندة التي لا تنكر، إلا أنه مع ذلك لها مجموعة من العيوب،يأتي في مقدمتها، ان التنافس والتصادم بين الجماعات قد يؤدي إلى إرهاق المجتمع والخروج بأجندة حكومية لا تخدم مصالح المجتمع بقدر ما تخدم مصالح جماعات الضغط والأحزاب السياسية .
كما يكون التنافس بين جماعات المصالح محصورا بين الجماعات الكبيرة مما يعني تهميش قطاعات واسعة من الشعب خاصة المواطنين الذين يستطعون إيصال أصواتهم الى الحكومة.
2- المدخل النخبوي.
يقصد بالنخبة السياسية مجموعة الأفراد التي تمتلك المصادر وادوات القوة السياسية في المجتمع، بحيث تستطيع التحكم في وضع السياسات العمومية وصنع القرارات الرئيسية في المجتمع.
وقد قدم "توماس داي" و"هارمون زيجلير" تلخيصا لمدخل النخبة، يمكن توضيحها على الشكل التالي :
- تنقسم المجتمعات إلى مجموعتين؛ مجموعة قليلة تملك السلطة والقوة، وغالبية شعبية مجردة من السلطة والقوة.
- الفئة الحاكمة، النخبة، لا تأتي من نفس الجذور الإقتصادية والإجتماعية للغالبية، حيث تمثل الشريحة العليا من الطبقة الإقتصادية، والإجتماعية.
- الحراك الإجتماعي لأفراد الغالبية إلى موقع النخبة ، بطيئ ولكنه مستمر لتحقيق الإستقرار وتجنب الثورة.
- تتفق النخبة على اسس وقيم النظام الإجتماعي، الملكية الخاصة، النظام التعددي على سبيل المثال.
- لا تعكس السياسات العمومية وأجندة الحكومة مطالب الغالبية ولكن تعكس القيم السائدة للنخبة الحاكمة.
- تتعرض النخبة لتأثيرات محدودة نسبيا من الغالبية الصامتة، فالنخبة تؤثر على الغالبية اكثر من تأثير الأخيرة على النخبة.
وهي أجندة بمثابة برامج تعبر عن أولويات دائمة او طويلة الأمد للحكومة، مثل الأجندة المرتبطة بالتصنيع او حماية الامن الوطني لاية دولة.
رابعا : الاسس العملية لصياغة الأجندة الحكومية
حدد الباحثان "بومجارتنر وجونس" ثلاثة مداخل عملية لصياغة الأجندة، هي المدخل التعددي، والمدخل النخبوي، ومدخل مركزية الدولة
1- المدخل التعددي في صياغة الأجندة
يمثل هذا المدخل جزءا من النظرية التعددية لإدارة الحكومة، وينطلق هذا المدخل من مبدأ فحواه ان اجندة الحكومة هي نتاج تشابك مصالح جماعات وأحزاب وقوى سياسية عديدة في الدولة، بحيث تتنافس هذه الجهات على إحتلال مواقع تؤهلها لتكون أكثر تأثيرا على أجندة الحكومة، مما يعني أنها نتاج لعلاقات القوة داخل المجتمع.
إلا أنه بالرغم مما مزايا التعددية في صياغة الأجندة التي لا تنكر، إلا أنه مع ذلك لها مجموعة من العيوب،يأتي في مقدمتها، ان التنافس والتصادم بين الجماعات قد يؤدي إلى إرهاق المجتمع والخروج بأجندة حكومية لا تخدم مصالح المجتمع بقدر ما تخدم مصالح جماعات الضغط والأحزاب السياسية .
كما يكون التنافس بين جماعات المصالح محصورا بين الجماعات الكبيرة مما يعني تهميش قطاعات واسعة من الشعب خاصة المواطنين الذين يستطعون إيصال أصواتهم الى الحكومة.
2- المدخل النخبوي.
يقصد بالنخبة السياسية مجموعة الأفراد التي تمتلك المصادر وادوات القوة السياسية في المجتمع، بحيث تستطيع التحكم في وضع السياسات العمومية وصنع القرارات الرئيسية في المجتمع.
وقد قدم "توماس داي" و"هارمون زيجلير" تلخيصا لمدخل النخبة، يمكن توضيحها على الشكل التالي :
- تنقسم المجتمعات إلى مجموعتين؛ مجموعة قليلة تملك السلطة والقوة، وغالبية شعبية مجردة من السلطة والقوة.
- الفئة الحاكمة، النخبة، لا تأتي من نفس الجذور الإقتصادية والإجتماعية للغالبية، حيث تمثل الشريحة العليا من الطبقة الإقتصادية، والإجتماعية.
- الحراك الإجتماعي لأفراد الغالبية إلى موقع النخبة ، بطيئ ولكنه مستمر لتحقيق الإستقرار وتجنب الثورة.
- تتفق النخبة على اسس وقيم النظام الإجتماعي، الملكية الخاصة، النظام التعددي على سبيل المثال.
- لا تعكس السياسات العمومية وأجندة الحكومة مطالب الغالبية ولكن تعكس القيم السائدة للنخبة الحاكمة.
- تتعرض النخبة لتأثيرات محدودة نسبيا من الغالبية الصامتة، فالنخبة تؤثر على الغالبية اكثر من تأثير الأخيرة على النخبة.
3- مدخل مركزية الدولة
إن مدخل مركزية الدولة، او المدخل المؤسسي، يقوم على الإعتقاد بأن برنامج عمل الحكومية يتم صياغته عن طريق التنافس لعدة مصالح متباينة داخل مؤسسات الدولة. ونجد ان هناك اربع مداخل لمركزية الدولة.
1- السببية : ما هو مصدر المشكل المشاهد ؟
2- الحدة : هل يتعلق الأمر حقيقة بمشكل ها، يستحق ان يأخذ بعين الإعتبار على مستوى الأجندة ؟
3- الجماعات المعنية : ماهي الجماعات التي تتأثر بالمشكلة ؟
4- الحلول : ماهي الحلول التي من المحتمل تحريكها او تعبئتها ؟ هناك نكون امام ثلاث ابعاد أساسية: هل الحلول متاحة فعلا ؟ هل الحلول مقبولة إجتماعيا ؟
الفرع الثالث : وضع مقترحات لسياسات عمومية
بمجرد ما تفتح نافذة الفرصة، ويتم إدراج المشكلة في أجندة الحكومة، ننتقل في مسار صنع السياسات العمومية إلى مرحلة مهمة لأنها رمز لإعتراف المسؤولين بوجودها، وإعطاء نوع من الوعد الأولي، او إلتزام الحكومة بنية العمل على إيجاد حل لها، وبالتالي إنتقال المسؤولية عن حل المشكلة، من نطاق النشاط الشعبي الغير الرسمي إلى نطاق العمل الحكومي الرسمي.
ينبغى الإشارة الا ان الخطوات التي تتخذ بشأن المشكلة العامة في إطار العمل الحكومي الرسمي يتطلب، النظر الى ثلاثة عناصر أساسية؛ طبيعة عملية إعداد مقترحات السياسات العمومية، التعرف على الذين يشتركون في إعداد مقترحات السياسات العمومية، إجراءات صنع السياسات العمومية.
أولا : طبيعة عملية إعداد مقترحات السياسات العمومية
إن نجاح المعنيين بالمشكلة العامة وإثارة إنتباه الحكومة والمجتمع بوجودها وبروز حاجة ملحة للتعامل معها وقيام الحكومة بوضعها في أجندتها، لا يعني بالضرورة وجود إتفاق في الرأي على طبيعة المشكلة، أبعادها، وأثارها السلبية، التي يعاني منها مجموعة من الأفراد او الجماعات المجتمعية.
ونشير إلى أن عملية إعداد مقترحات السياسات العمومية، تتمثل في تلك الإجراءات والخطوات السياسية والغير السياسية التي تتخذها الحكومة بغرض الوصول إلى إتفاق على تعريف المشكلة، والتعرف على بدائل حلها واسس المفاضلة بينها، تمهيدا لإختيار البديل الذي يقترح إقراره في شكل سياسات عمومية ملزمة تنطوي على حل مرض للمشكلة.
يتضح مما سبق ان وضع المقترحات للسياسات العمومية، يحضر فيها الجانب السياسي بشكل كبير، مما يعني اننا يمكن ان نصفها بكونها عملية سياسية تخضع في أليات تدبيرها لموازين القوى السائدة ولقدرة الجهات او الجهة على التعارف وإقناع الحكومة بجدوى وأهمية الاخذ بوجهة نظرها كمدخل أساسي ايجاد الحل الملائم والمرغوب فيه للمشكلة القائمة.
ثانيا : المشاركون في وضع مقترحات السياسات العمومية.
بالرغم من ان صنع السياسات العمومية نشاطا تمارسه الحكومة بكونها المسؤولة عن إيجاد حل للمشكلة القائمة، فإن ذلك لا يتم بمعزل عن دور أجهزة وجماعات وأفراد خارج الحكومة. ويمكن تقسيم ذلك إلى فئتين أساسيتين وهما :
الفئة الأولى : تتعلق بالمؤسستين الرئيسيتين في الدولة. والتي يخول لهما بناءا على المقتضيات القانونية المعمول بها في الدولة صلاحيات واختصاصات صنع السياسات العمومية وهي تتمثل أساسا.
إن مدخل مركزية الدولة، او المدخل المؤسسي، يقوم على الإعتقاد بأن برنامج عمل الحكومية يتم صياغته عن طريق التنافس لعدة مصالح متباينة داخل مؤسسات الدولة. ونجد ان هناك اربع مداخل لمركزية الدولة.
1- السببية : ما هو مصدر المشكل المشاهد ؟
2- الحدة : هل يتعلق الأمر حقيقة بمشكل ها، يستحق ان يأخذ بعين الإعتبار على مستوى الأجندة ؟
3- الجماعات المعنية : ماهي الجماعات التي تتأثر بالمشكلة ؟
4- الحلول : ماهي الحلول التي من المحتمل تحريكها او تعبئتها ؟ هناك نكون امام ثلاث ابعاد أساسية: هل الحلول متاحة فعلا ؟ هل الحلول مقبولة إجتماعيا ؟
الفرع الثالث : وضع مقترحات لسياسات عمومية
بمجرد ما تفتح نافذة الفرصة، ويتم إدراج المشكلة في أجندة الحكومة، ننتقل في مسار صنع السياسات العمومية إلى مرحلة مهمة لأنها رمز لإعتراف المسؤولين بوجودها، وإعطاء نوع من الوعد الأولي، او إلتزام الحكومة بنية العمل على إيجاد حل لها، وبالتالي إنتقال المسؤولية عن حل المشكلة، من نطاق النشاط الشعبي الغير الرسمي إلى نطاق العمل الحكومي الرسمي.
ينبغى الإشارة الا ان الخطوات التي تتخذ بشأن المشكلة العامة في إطار العمل الحكومي الرسمي يتطلب، النظر الى ثلاثة عناصر أساسية؛ طبيعة عملية إعداد مقترحات السياسات العمومية، التعرف على الذين يشتركون في إعداد مقترحات السياسات العمومية، إجراءات صنع السياسات العمومية.
أولا : طبيعة عملية إعداد مقترحات السياسات العمومية
إن نجاح المعنيين بالمشكلة العامة وإثارة إنتباه الحكومة والمجتمع بوجودها وبروز حاجة ملحة للتعامل معها وقيام الحكومة بوضعها في أجندتها، لا يعني بالضرورة وجود إتفاق في الرأي على طبيعة المشكلة، أبعادها، وأثارها السلبية، التي يعاني منها مجموعة من الأفراد او الجماعات المجتمعية.
ونشير إلى أن عملية إعداد مقترحات السياسات العمومية، تتمثل في تلك الإجراءات والخطوات السياسية والغير السياسية التي تتخذها الحكومة بغرض الوصول إلى إتفاق على تعريف المشكلة، والتعرف على بدائل حلها واسس المفاضلة بينها، تمهيدا لإختيار البديل الذي يقترح إقراره في شكل سياسات عمومية ملزمة تنطوي على حل مرض للمشكلة.
يتضح مما سبق ان وضع المقترحات للسياسات العمومية، يحضر فيها الجانب السياسي بشكل كبير، مما يعني اننا يمكن ان نصفها بكونها عملية سياسية تخضع في أليات تدبيرها لموازين القوى السائدة ولقدرة الجهات او الجهة على التعارف وإقناع الحكومة بجدوى وأهمية الاخذ بوجهة نظرها كمدخل أساسي ايجاد الحل الملائم والمرغوب فيه للمشكلة القائمة.
ثانيا : المشاركون في وضع مقترحات السياسات العمومية.
بالرغم من ان صنع السياسات العمومية نشاطا تمارسه الحكومة بكونها المسؤولة عن إيجاد حل للمشكلة القائمة، فإن ذلك لا يتم بمعزل عن دور أجهزة وجماعات وأفراد خارج الحكومة. ويمكن تقسيم ذلك إلى فئتين أساسيتين وهما :
الفئة الأولى : تتعلق بالمؤسستين الرئيسيتين في الدولة. والتي يخول لهما بناءا على المقتضيات القانونية المعمول بها في الدولة صلاحيات واختصاصات صنع السياسات العمومية وهي تتمثل أساسا.
• السلطة التنفيذية : ويأتي في مقدمتها مجلس الوزراء ومجلس الحكومة بإعتبارهما المسؤولون دستوريا على صنع السياسات العمومية والإشراف عليها.
• السلطة التشريعية : وهي التي تقوم بالدور المركزي على مستوى صنع السياسات العمومية، من خلال ما يصدر عنها من تشريعات تمثل الإطار القانون لإعمال السياسات العمومية وإضفاء طابع العمومية عليها. ويزودها بعنصر الإلزامية.
• السلطة التشريعية : وهي التي تقوم بالدور المركزي على مستوى صنع السياسات العمومية، من خلال ما يصدر عنها من تشريعات تمثل الإطار القانون لإعمال السياسات العمومية وإضفاء طابع العمومية عليها. ويزودها بعنصر الإلزامية.
الفئة الثانية : تتمثل في عدد من المشاركين في وضع مقترحات للسياسات العمومية، وهي مجموعة غير حكومية يصعب حصرها وتحديد أفرادها ومنظماتها. وقد يأتي في طليعة هذه الفئة جماعات الضغظ، التي تتكون أساس بغرض الإهتمام بمشكلة معينة وإقتراح حلول لها. بالإضافة إليهم، تقوم الجمعيات المهنية بدور أساسي في صنع السياسات التي تقع في نطاق تخصصاتها ( هيئات المهندسين والأطباء الاساتذة الطلبة ) وهذا ما ينص عليه الفصل 12 من الدستور المغربي الذي نص على الديموقراطية التشاركية.
غير انه ينبغي التنبه إلا ان هذا التقسيم لا يؤدي بالضرورة الى ان الأفراد والجماعات على مستوى الفئتين الحكومية والغير الحكومية، يعملون بمعزل عن بعضهم البعض، بل غالبا ما توجد قنوات للتفاعل المستمر بينهم.
غير انه ينبغي التنبه إلا ان هذا التقسيم لا يؤدي بالضرورة الى ان الأفراد والجماعات على مستوى الفئتين الحكومية والغير الحكومية، يعملون بمعزل عن بعضهم البعض، بل غالبا ما توجد قنوات للتفاعل المستمر بينهم.
ثالثا : إجراءات وضع مقترحات السياسات العمومية
يمكن القول ان الإطار العام لإجراءات وضع المقترحات للسياسات العمومية تتشابه نوعا ما مع الخطوات العلمية لإتخاذ القرارات، وتتضمن هذه الإجراءات في الغالب :
يمكن القول ان الإطار العام لإجراءات وضع المقترحات للسياسات العمومية تتشابه نوعا ما مع الخطوات العلمية لإتخاذ القرارات، وتتضمن هذه الإجراءات في الغالب :
- تشخيص المشكلة وتعريفها بأكبر قدر من الدقة
- تحديد الغاية او الهدف المطلوب تحقيقه
- جمع المعلومات والبيانات حول المشكلة والتشاور مع الأطراف المعنيين وتشكيل لجان التحقيق والتحري واستشارة الخبراء.
- صياغة السياسات البديلة ومحاولة التعرف على الإحتمالات المتوقعة بشأن كل بديل من البدائل المتاحة.
- تقييم مدى فعالية كل بديل على مواجهة المشكلة بإعتماد معايير موضوعية.
- حسم الإختيار بين البدائل بإختيار أحدها مراعاة لكونه في حالة إقراره يوفر إمكانية تحقيق الأهداف بأكبر قدر من النجاعة.
- تحديد الغاية او الهدف المطلوب تحقيقه
- جمع المعلومات والبيانات حول المشكلة والتشاور مع الأطراف المعنيين وتشكيل لجان التحقيق والتحري واستشارة الخبراء.
- صياغة السياسات البديلة ومحاولة التعرف على الإحتمالات المتوقعة بشأن كل بديل من البدائل المتاحة.
- تقييم مدى فعالية كل بديل على مواجهة المشكلة بإعتماد معايير موضوعية.
- حسم الإختيار بين البدائل بإختيار أحدها مراعاة لكونه في حالة إقراره يوفر إمكانية تحقيق الأهداف بأكبر قدر من النجاعة.