دروس القانون دروس القانون
recent

آخر المقالات

recent
جاري التحميل ...

سنوية الميزانية ووحدتها وشموليتها

 

سنوية الميزانية ووحدتها وشموليتها

إن إعداد الميزانية العامة للدولة وصياغتها في وثيقة واحدة يعتبر عملاً يكتسي طبيعة إدارية وتقنية. من هذا المنطلق، أسند المشرع ممارسة هده المسؤولية للجهاز التنفيذي لكونه يعتبر الجهاز القادر على القيام بهده المهمة بالنظر إلى الوسائل المادية والبشرية والتقنية التي يمتلكها. كما أن الجهاز التنفيذي يعتبر المسؤول أيضا عن تحقيق التوازنات الاقتصادية والمالية والاجتماعية. غير أن القيام بهده المهمة، تستوجب احترام مجموعة من القواعد التي تخضع لها الميزانية والمتعلقة  بسنويتها ووحدتها وشموليتها. وهي قواعد تطرح بشأنها مجموعة من التساؤلات. منها ما هو مرتبط بماهيتها ومضمونها؟ منها ماهو مرتبط بالأهداف والمرامي؟ منها ما هو مرتبط بالأساس القانوني؟ ومنها ما هو مرتبط بالاستثناءات التي ترد على هده المبادئ؟

أولا:ماهية مبدأ سنوية الميزانية وأهميته وأساسه القانوني:

إن المقصود بسنوية الميزانية ، هو كونها توضع لسنة واحدة، يأذن خلالها البرلمان للحكومة باستخلاص الإيرادات وصرف الاعتمادات المقررة في الميزانية التي صادق عليها. هكذا، فالحكومة ليس بإمكانها اتخاذ تدابير من هذا القبيل، خارج المدة المحددة، أي بعد مرور السنة المالية.

1- أهمية  مبدأ سنوية الميزانية :

إن إقرار مبدأ سنوية الميزانية له أهمية خاصة تنبع من كونه يساعد على ممارسة الرقابة وتقويتها بشكل مستمر ومنظم على أعمال الحكومة من قبل البرلمان الذي بإمكانه إلزام هده الأخيرة من خلال هذا المبدأ على طلب الترخيص من أجل تحصيل الموارد وفتح الاعتمادات. إن هذا المبدأ يجد أساسه إذن في مبررات سياسية ، اعتبارا لأهميته في ضمان دوام رقابة البرلمان على أعمال السلطة التنفيذية التي تجد نفسها مضطرة إلى الرجوع إليه والحصول على موافقته بصفة دورية كل سنة. بل هو ضمانة أساسية ضد ما قد يصدر عن السلطة التنفيذية من ممارسات منافية لأخلاقيات المرفق العام من قبيل التبذير وسوء التدبير وعدم المسؤولية وغياب الشفافية وغيرها.

من جهة أخرى، فهذا المبدأ يستند إلى مبررات مالية، على اعتبار أن إقراره والعمل به معناه تغطية الفصول الأربعة من السنة والتي تتباين فيها الموارد المالية حسب القطاعات والأنشطة. ونخص بالذكر، القطاع الفلاحي الذي يشكل مصدرا أساسيا من مصادر التمويل بالنسبة للمغرب. هكذا، فالسنة تعتبر وحدة زمنية قياسية ليس فقط بالنسبة لهذا القطاع، بل بالنسبة لكل الأنشطة الاقتصادية والمالية والاجتماعية وغيرها. كما تعتبر السنة فترة معقولة للتنبؤ بحصيلة الدولة من الإيرادات وحاجاتها إلى النفقات، بالنظر للصعوبات المتعلقة بعملية التنبؤ بالنسبة لفترة زمنية أكثر في ظل التقلبات الاقتصادية التي قد تؤثر سلباً أو إيجاباً على الأسعار و الإيرادات. إذ أن فترة السنة تبدو أكثر ملاءمة من حيث صلاحيتها لوضع تقديرات الميزانية وضعاً دقيقاً وسليما فهي تمثل دورة كاملة. بالإضافة إلى ذلك، توجد اعتبارات تقنية ومسطرية، بالنظر إلى أن إعداد الميزانية واعتمادها يتطلب جهودا كبيرة مشتركة وعملا مضنيا من قبل الجهازين التنفيذي والتشريعي، الأمر الذي يصعب تكراره لأكثر من مرة خلال السنة الواحدة .

2- الأساس القانوني لسنوية الميزانية

كما هو الشأن بالنسبة للعديد من التشريعات المالية المقارنة، فقد تم أيضا إقرار سنوية الميزانية في التشريع المالي المغربي. غير أنه إذا كان هناك اتفاق بين جميع الدول على اتخاذ   السنة إطارا لتدبير ميزانية الدولة، فهناك اختلاف فيما يخص توقيت السنة المالية في التشريع المالي المغربي، فباستثناء بعض الفترات التي تم خلالها اعتماد توقيت لا يتطابق مع السنة الميلادية[1]، فإن التوقيت المعتمد يمتد من فاتح يناير إلى غاية 31 دجنبر من كل سنة. خلال مرحلة ما قبل دستور 1962، تم تعريف السنة المالية من خلال الظهائر الخاصة بتنظيم المحاسبة العمومية. فحسب الظهير الشريف رقم 1.58.041 بشأن ضبط المحاسبة العمومية للمملكة المغربية، المعدل بظهير شريف رقم 1.59.425. الصادر سنة 1960[2]، فإن السنة المالية فيما يرجع لمداخيل الخزينة أو المصالح التي تكلف بها تبتدئ من فاتح يناير وتنتهي في 31 دجنبر من السنة التي تجرى فيها.

أما في صلب دستور  1962 والدساتير الموالية، فقد تم تعريف السنة المالية بطريقة غير مباشرة من خلال تنصيص الفصل 49 على أنه في حالة عدم تصويت  البرلمان على الميزانية في 31 دجنبر، يمكن للحكومة فتح الاعتمادات الضرورية لضمان حسن سير المرافق العامة ولممارسة مهامها". وهو ما يمكن أن  يستشف منه أن السنة المالية تبتدئ في فاتح يناير[3]. وهو المقتضى الذي تم تعديله بواسطة الاستفتاء المنظم سنة 1995 والذي من خلاله تم تحديد السنة المالية بين فاتح يوليو و 30 يونيو من كل سنة. وقد صدر في هذا الإطار، القانون التنظيمي رقم 95.29 ليحدد السنة المالية بين فاتح يونيو و31 يوليو من نفس السنة. وهو نفس التعريف الذي أكد عليه القانون التنظيمي رقم 7.98 الصادر في 26 نونبر 1998. غير أن العودة للسنة المدنية كإطار زمني لقانون المالية تمت من خلال صدور القانون التنظيمي رقم 14-00 بتاريخ 19 أبريل 2000 المعدل للقانون التنظيمي 7.98. وقد جاء في المادة  6 من هذا القانون أن السنة المالية تبتدئ في فاتح يناير وتنتهي في 31 دجنبر من نفس السنة، كما هو الشأن بالنسبة للمادة الثالثة من القانون التنظيمي الجديد الخاص بقانون المالية. أما دستور 2011، فينص على أنه" إذا لم يتم في نهاية السنة المالية التصويت على قانون المالية أو لم يصدر الأمر بتنفيذه،...." دون أن يحدد الشهر،  تاركا أمر تحديد السنة المالية للقانون التنظيمي للمالية الذي لا يمكن أن تكون مقتضياته إلا مطابقة للدستور.

أما في التشريعات المالية المقارنة، فهناك دول فضلت أن تطابق بين السنة المالية والسنة المدنية مثل المغرب والجزائر وتونس وفرنسا. وهناك دول أخرى تتداخل فيها السنة المالية للدولة مع سنتين زمنيتين مختلفتين كاستراليا وبريطانيا، حيث تبدأ السنة المالية في فاتح شهر أبريل وتنتهي بنهاية شهر مارس من السنة التالية، وتمثل هذه السنة الفترة الزمنية التي يتم إعداد مختلف التقارير المحاسبية والمالية والاقتصادية عنها. وفي الولايات المتحدة الأمريكية تبدأ السنة المالية في فاتح أكتوبر وتنتهي في 30 شتنبر.

 كما سبقت الإشارة، فمبدأ سنوية الميزانية له أهمية خاصة في مجال تبسيط آلية الرقابة والتقييم والتتبع من قبل المؤسسة التشريعية، غير أن هده الأهمية لا تخفي وجود بعض الاستثناءات التي تنص عليها المقتضيات الدستورية ومقتضيات القانون التنظيمي، بالأخص بعد الإصلاح الذي خضع له هذا الأخير.

3- الاستثناءات الواردة على مبدأ سنوية الميزانية

بالنظر إلى تعدد أنشطة و أشكال تدخل الدولة وتنوعها، أصبح من الصعب احترام قاعدة سنوية الميزانية. لذلك، تضمن الدستور والقانون التنظيمي بعض الاستثناءات التي لا تؤثر بشكل جوهري على المبدأ. في هذا الإطار نص الفصل 75 من الوثيقة الدستورية الجديدة على ما يلي:

"....يصوت البرلمان مرة واحدة على نفقات التجهيز التي يتطلبها، في مجال التنمية، إنجاز المخططات التنموية الاستراتيجية، والبرامج متعددة السنوات، التي تعدها الحكومة وتطلع عليها البرلمان، وعندما يوافق على تلك النفقات، ويستمر مفعول الموافقة تلقائيا على النفقات طيلة مدة هذه المخططات والبرامج، وللحكومة وحدها الصلاحية لتقديم مشاريع قوانين ترمي إلى تغيير ما تمت الموافقة عليه في الإطار المذكور...."

في نفس السياق، تم وضع مقتضيات القانون التنظيمي الجديد وصياغتها لملائمتها مع المقتضيات الدستورية، فنصت المادة 5 على أنه" يتم إعداد قانون المالية للسنة استنادا إلى برمجة ميزانياتية لثلاث سنوات. وتحين هذه البرمجة كل سنة لملاءمتها مع تطور الظرفية المالية والاقتصادية والاجتماعية للبلاد. تهدف هذه البرمجة على الخصوص إلى تحديد تطور مجموع موارد وتكاليف الدولة على مدى ثلاث سنوات اعتمادا على فرضيات اقتصادية ومالية واقعية ومبررة. يحدد مضمون هذه البرمجة وكيفيات إعدادها بنص تنظيمي".

على هذا الأساس، تضمنت المادة 7 من الفصل الأول و الفصل 6 استثناءات على مبدأ سنوية الميزانية. فالمادة السابعة تنص على أنه" يمكن أن تلزم التوازن المالي للسنوات المالية اللاحقة أحكام معاهدات التجارة والاتفاقيات أو الاتفاقات التي تترتب عليها تكاليف تلزم مالية الدولة وتلك المتعلقة بالضمانات التي تمنحها الدولة وبتدبير شؤون الدين العمومي وكذا الدين العمري وبالترخيصات في الالتزام مقدما التي يجب فتح الاعتمادات المخصصة لها خلال السنة المالية الموالية ، وكذا باعتمادات الالتزام وبالبرامج المتعددة السنوات".

انطلاقا من المقتضيات السالفة الذكر، يمكن تقديم الاستثناءات الواردة على مبدأ سنوية الميزانية كما يلي:

1-اعتمادات الالتزام المفتوحة برسم السنوات الموالية للسنة المالية مضافة للالتزامات بالأداء المسجلة برسم هده السنة الأخيرة. هده الاعتمادات تشمل نفقات الاستثمار، على اعتبار أن من أهم خصائص ميزانية الاستثمار كونها تهم عدة سنوات ومرتبطة بمخططات التنمية وتنفيذ المشاريع التي تمتد لفترة قد تطول وقد تقصر.

وقد نصت المادة 17 على كون نفقات الاستثمار "توجه بالأساس لإنجاز المخططات التنموية الاستراتيجية والبرامج متعددة السنوات بغية الحفاظ على الثروات الوطنية أو إعادة تكوينها أو تنميتها. لا يمكن أن تشتمل نفقات الاستثمار على نفقات الموظفين أو نفقات المعدات المرتبطة بتسيير المرافق العمومية" وهي النفقات التي تدخل في إطار نفقات التسيير. هده الأخيرة وعلى عكس نفقات الاستثمار تكتسي طابعا سنويا طبقا للمادة  16 من القانون التنظيمي الجديد والتي تنص على  كون الاعتمادات المفتوحة برسم نفقات التسيير اعتمادات سنوية ولا يمكن أن تمنح ترخيصات بالالتزام مقدما بالنسبة لنفقات التسيير من الميزانية العامة.

2-الاعتمادات المنقولة: لقد نصت المادة 18 على أنه "تشتمل الاعتمادات المتعلقة بنفقات الاستثمار على اعتمادات الأداء واعتمادات الالتزام التي تشكل الحد الأعلى للنفقات المأذون للآمرين بالصرف الالتزام بها لتنفيذ الاستثمارات المقررة.
تشكل اعتمادات الأداء المضافة إليها عند الاقتضاء ، المبالغ المدفوعة من مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة المشار إليها في المادة 22 ومن الحسابات المرصدة لأمور خصوصية المشار إليها في المادة 27 وأموال المساعدة المنصوص عليها في المادة 34 والاعتمادات المرحلة المنصوص عليها في المادة 63 ، أدناه ، الحد الأعلى للنفقات الممكن الأمر بصرفها خلال السنة المالية
.
تحدد اعتمادات الالتزام ، على الخصوص ، بناء على توقعات المخططات والبرامج المنصوص عليها في المادة 17 من القانون التنظيمي للمالية.

وقد نصت المادة 63 المشار إليها أعلاه على أنه"لايجوز أن ترحل الاعتمادات المفتوحة في الميزانية العامة برسم سنة مالية إلى السنة الموالية.
غير أن اعتمادات الأداء المفتوحة برسم نفقات الاستثمار بالميزانية العامة وأرصدة الالتزام ، المؤشر عليها والتي لم يصدر الأمر بصرفها ، ترحل ، ما لم ينص قانون المالية للسنة على خلاف ذلك ، في حدود سقف ثلاثين في المائة (%30) من اعتمادات الأداء المفتوحة بميزانية الاستثمار لكل قطاع وزاري أو مؤسسة برسم السنة المالية
. تحدد إجراءات الترحيل بنص تنظيمي. يمكن تخفيض السقف المشار إليه أعلاه بموجب قانون المالية. تضاف الاعتمادات المرحلة إلى اعتمادات الأداء المفتوحة بموجب قانون المالية للسنة.

3-الاتفاقيات المالية والتجارية:

المقصود بها تلك الاتفاقيات المالية والتجارية التي لها انعكاس مالي يمتد لأكثر من سنة. وهي اتفاقيات يمكن أن تؤثر سلبا أو إيجابا على الإيرادات والنفقات الخاصة بالدولة.

فيما يخص الإيرادات، يمكن الإشارة إلى تلك الاتفاقيات المبرمة مع الاتحاد الأوروبي أو اتفاقيات التبادل الحر المبرمة مع عدد من الدول والتي نصت على التخفيض التدريجي للحقوق الجمركية.

على مستوى  النفقات، هناك اتفاقيات مبرمة مع المنعشين الوطنيين والأجانب في إطار سياسة تشجيع الاستثمار والتي تتحمل الدولة على أساسها التزامات مالية من أجل تمويل بعض المشاريع الاستثمارية.

4-الضمانات الممنوحة من طرف الدولة والتي تشكل تكاليف محتملة في حالة عجز المستفيدين على الوفاء بالتزاماتهم. يتعلق الأمر مثلا بالضمانات التي تمنحها الدولة للجماعات الترابية والمؤسسات العمومية من أجل تحصيل القروض. غير أنه ومنذ القانون المالي 1997-1998، تم فتح اعتمادات خاصة في إطار الفصل الخاص بالتكاليف العامة لتغطية مثل هده النفقات. وتم التقليص من دور الدولة في هذا المجال من خلال تقوية دور الصندوق المركزي للضمان ووظيفته وموارده.

5-الدين العمومي: تلجأ الدولة إلى الاقتراض من خلال إبرام اتفاقيات مع الحكومات أو مؤسسات التمويل الدولية. وهي بالتالي تصبح ملزمة بأداء ما بذمتها من رأسمال ومصاريف وفوائد حسب جدولة زمنية، قد تطول وقد تقصر، حسب الاتفاق المبرم، وهو ما يمكن أن يؤثر على توازن المالية العمومية.

6-نفقات الدين الدائم وأجور التقاعد والتي تظل مرتبطة بالمعدل العمري للمعنيين بالأمر أو أولي الحقوق.

ثانيا: ماهية مبدأ وحدة الميزانية وأهميته وأساسه القانوني:

1-وحدة الميزانية كمبدأ

المقصود بهذا المبدأ وجود ميزانية واحدة في الدولة، تتم صياغتها في وثيقة واحدة تضم جميع الإيرادات والنفقات العمومية المتوقعة. وقد تم وضع هده القاعدة وإقرارها من لدن المشرع لاعتبارات سياسية ومالية. من الناحية السياسية، فالعمل بهذه القاعدة تجعل مهمة البرلمان في اعتماد الميزانية والمصادقة عليها ومراقبة تنفيذها تتميز باليسر وعدم التعقيد، عكس  الحالة التي تعرف تعدد الميزانيات والوثائق، حيث تصبح مهمة البرلمان صعبة ومعقدة. فتضمين الميزانية في وثيقة واحدة، تمكن المؤسسة التشريعية من تكوين رؤية شاملة وواضحة ومبسطة  لمجموع الإيرادات والنفقات التي تشكل مالية الدولة، مما يسهل التعرف على حجمها ومراقبتها، والوقوف على المركز المالي للدولة ومعرفة نسبة العجز، أو الفائض بسهولة.

في نفس السياق، ومن الناحية المالية، فوجود الميزانية في وثيقة واحدة يساعد على معرفة المركز المالي للدولة بالوضوح والدقة اللازمة. وهو ما يتم من خلال المقارنة بين الإيرادات والنفقات وبالتالي تحديد حجم العجز أو الفائض في ميزانية الدولة وكيفية علاجه ، بينما يتعذر ذلك إذا كانت ميزانية الدولة موزعة على وثائق متفرقة أو ميزانيات متعددة.

من جهة أخرى، فمبدأ وحدة الميزانية، يستوجب اعتماد معايير موحدة في عملية تحديد النفقات العمومية وتقييمها. بحيث لا يجوز اعتماد بعض النفقات وإقرارها لمجرد أنها ستمول من مصادر مالية مخصصة.

من الناحية القانونية فوحدة الميزانية تجد أساسها في المادة الأولى من القانون التنظيمي للمالية من خلال تنصيصها على أنه"يحدد قانون المالية ، بالنسبة لكل سنة مالية ، طبيعة ومبلغ وتخصيص مجموع موارد وتكاليف الدولة...."  كما أن المادة 3 من نفس القانون تنص على أنه"يتوقع قانون المالية للسنة ، لكل سنة مالية ، مجموع موارد وتكاليف الدولة ، ويقيمها وينص عليها ويأذن بها ، وذلك استنادا إلى البرمجة الميزانياتية المنصوص عليها في المادة 5 من نفس القانون. أما المادة 10، فتقضي بكون قوانين المالية تقدم بشكل صادق مجموع موارد وتكاليف الدولة. وقد تعرض الفصلان 11 و12 بشكل مرتب للموارد والنفقات الخاصة بالدولة.

2-استثناءات وحدة الميزانية

إن المبدأ القائم على وحدة الميزانية أصبح من الصعب الالتزام به في ظل الدولة المتدخلة والمسؤولة عن تدبير عدد من القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والمطالبة بتلبية الحاجيات المتزايدة والمتنوعة للمرتفقين. على هذا الأساس، تم إقرار بعض الإستثناءات التي ترد على هذه القاعدة ومنها ما يتعلق بالحسابات الخصوصية للخزينة والميزانيات الخاصة بمصالح الدولة المسيرة بشكل مستقل والتي سنتناول مدلولها في إطار معالجة موضوع بنية الميزانية . كما أن إقرار وحدة الميزانية لم يحل دون قيام الدولة في إطار نهجها لسياسة اللامركزية بتمكين عدد من الأشخاص المعنوية العامة الترابية من ممارسة اختصاصات واسعة وتمتيعها بالاستقلال المالي والإداري. فالحسابات الخاصة بكل المؤسسات التي تجسد اللامركزية الترابية لا يتم إدماجها في إطار القوانين المالية السنوية، وإن كانت مرتبطة بها، بل لها ميزانيات مستقلة عن ميزانية الدولة.

إن مبدأ الوحدة يرتبط بقاعدة آخرى قائمة على شمولية النفقات والإيرادات والتي تشكل إحدى أهم القواعد الأخرى التي تقوم عليها ميزانية الدولة.

ثالثا:ماهية مبدأ شمولية الميزانية وأساسه القانوني واستثناءاته

1- شمولية الميزانية كمبدأ

هو مبدأ لا يختلف عن مبدأ الوحدة من حيث الأهداف، ولكنه يتسم ببعض الخصوصيات تجعله متميزا عنه. فكلا المبدأين يهدفان إلى جعل جميع النفقات والإيرادات العمومية في وثيقة واحدة تسمى ميزانية الدولة. غير أن مبدأ الشمولية يهدف إلى عدم جعل جزء معين من الإيرادات يخصص لجزء آخر معين  من النفقات  أي عدم المقاصة بين النفقات والإيرادات وعدم تخصيص مورد معين لمقابلة استخدامات محددة.

هده القاعدة الهامة تجد أساسها القانوني في الفقرة الأولى من المادة الثامنة من القانون التنظيمي التي تنص على أنه"  يباشر قبض مبلغ الحصائل بكامله دون مقاصة بين المداخيل والنفقات. ويرصد مجموع المداخيل لتنفيذ مجموع النفقات" مع التأكيد في الفقرة الثانية من نفس المادة على أنه"تدرج جميع المداخيل وجميع النفقات في الميزانية العامة....".  كما ينص الفصل 21 من المرسوم الملكي رقم 330.66 الصادر في 21 أبريل 1967 المتعلق بسن نظام عام للمحاسبة العمومية على أن يدرج مبلغ المحصولات بكامله في المداخيل دون مقاصة بين المداخيل والنفقات. وينص الفصل 53 من نفس المرسوم على أن تبين جميع عمليات الخزينة حسب كل نوع وبدون مقاصة بينها. بناء على ما سبق، ومن الناحية المحاسبية لابد من قيد جميع الايرادات أيا كان مصدرها دون أن تخصم منها المصاريف التي تطلبها الحصول عليها (مثل ما يتعلق بأجور وتعويضات الموظفين المكلفين باستخلاصها ونفقات النقل الخ...). يتعلق الأمر إذن بتسجيل حسابات الميزانية وفق طريقة الناتج الاجمالي وليس وفق طريقة الناتج الصافي.

يستمد مبدأ شمولية الميزانية أهميته كما هو الشأن بالنسبة للمبادئ الأخرى، من اعتبارات مالية و سياسية. فهو مبدأ يساهم في الحد من الإسراف في الإنفاق العام لأن دمج جميع النفقات والإيرادات في ميزانية الدولة يساعد على ممارسة الرقابة القبلية والبعدية بشكل فعال وناجع. كما أن إقرار هده القاعدة يعتبر تأكيدا وترسيخا لحق واختصاص ممثلي الأمة في مراقبة جميع الإيرادات و النفقات العمومية دون استثناء بالنظر إلى كون البرلمان هو المختص لإجازتها واعتمادها. فمن مزايا هذا المبدأ كونه يتيح للأجهزة المسؤولة عن الرقابة المالية (سواء كانت ذات طبيعة إدارية أو سياسية أو قضائية) الاطلاع على تفاصيل الميزانية العامة في شموليتها والحد من الاسراف والتبذير.

2-استثناءات شمولية الميزانية

بالنظر إلى تطور وظائف الدولة وتعدد أنشطتها وتعقد مهامها وجسامة مسؤوليتها، فقد ارتئ المشرع التنصيص على بعض الاستثناءات التي ترد على مبدأ شمولية الميزانية لملائمته مع تلك المتغيرات والتطورات. يتعلق الأمر بتلك الاستثناءات التي تجد أساسها القانوني في مقتضيات القانون التنظيمي للمالية. إذ تنص المادة الثامنة من  هذا القانون على أنه"يمكن رصد بعض المداخيل لبعض النفقات في إطار ميزانيات مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة أو الحسابات الخصوصية للخزينة أو في إطار إجراءات محاسبية خاصة" كما هو منصوص عليها في المادتين 34 و35 من نفس القانون[4].

فيما يتعلق بمصالح الدولة المسيرة بشكل مستقل، فالأمر يخص تلك المرافق التي لا تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري، غير أنه يمكنها الاحتفاظ ببعض مداخيلها التي تحصل عليها من خلال الخدمات التي تؤديها وذلك قصد تغطية بعض نفقاتها.

أما الحسابات الخصوصية للخزينة التي تحدد في إطارها بعض العمليات الخاصة بالإيرادات والنفقات التي تتم خارج الميزانية العامة للدولة ومن طرف مصالح هده الأخيرة التي لا تتمتع بالشخصية المعنوية أو الاستقلال المالي، فأغلبيتها تمول من الضرائب والرسوم أو الدعم المباشر من ميزانية الدولة.

من جهة أخرى، لابد من الإشارة إلى بعض المساهمات الخاصة بتمويل النفقات المرتبطة بالمنفعة العامة التي تتعلق بمقتضى محاسباتي خاص يطلق عليه صندوق المساعدات الذي يتشكل من مجموع المبالغ التي يتم تحصيلها لذى الأشخاص المعنوية أو الطبيعية الوطنية والأجنبية من أجل المساهمة في تمويل المشاريع أو العمليات الخصوصية. يتعلق الأمر، مثلا بتلك المساعدات والهبات التي تقدم للدولة المغربية في إطار التعاون الدولي مع الاتحاد الأوروبي أو تلك التي تقدمها دول الخليج العربي.

كما أن هناك استثناءات أخرى ترد على مبدأ شمولية الميزانية تشمل ما يتعلق بالاقتطاعات من الإيرادات الضريبية المباشرة وغير المباشرة والتي تخصص للجهات والجماعات الترابية الأخرى أو تلك الموارد الناجمة عن عمليات خوصصة المؤسسات الاقتصادية العامة والتي يتم تحويلها لصندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.



[1]  - أنظر في هذا الإطار: عسو منصور، نفس المرجع،ص 32 و33.

[2] - أنظر الجريدة الرسمية عدد 2478 بتاريخ 22/04/1960 الصفحة  1346.

[3]- صدرت قبل هذا القانون قوانين تنظيمية أخرى في 9 نونبر 1963 و18 شتنبر  1972.

 

[4]  - تنص المادة 34 على ما يلي:"تدرج مباشرة في المداخيل بالميزانية العامة أو بميزانيات مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة أو بالحسابات الخصوصية للخزينة حسب الحالة أموال المساعدة المدفوعة من قبل أشخاص اعتباريين غير الدولة أو ذاتيين للمساهمة مع أموال الدولة في نفقات ذات مصلحة عامة وكذا حصيلة الهبات والوصايا. ويمكن أن يفتح اعتماد بنفس المبلغ إضافة إلى الاعتمادات الممنوحة بموجب قانون المالية.
لا يمكن في أي حال من الأحوال أن يكون مصدر أموال المساعدة من موارد ضريبية
.
غير أنه إذا تعذر أن تدفع سلفا حصيلة الهبة الممنوحة إلى الميزانية العامة أو إلى ميزانيات مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة أو إلى الحسابات الخصوصية للخزينة لتيسير الالتزام بالنفقة المتعلقة بها ، جاز فتح الاعتمادات اللازمة للالتزام بهذه النفقة وأدائها إضافة إلى الاعتمادات الممنوحة بموجب قانون المالية
. يجب أن تكون عمليات رصد أموال المساعدة وإجراءات استعمالها مطابقة لما هو متفق عليه مع الطرف الدافع أو الواهب.
ويدرج المتبقى من أموال المساعدة في المداخيل بالميزانية العامة
. كما تنص المادة 35 على أنه يمكن أن يتم فتح اعتمادات من جديد بشأن المداخيل المتأتية من استرجاع الدولة لمبالغ مؤداة بوجه غير قانوني أو بصفة مؤقتة من اعتمادات مالية وفق الشروط وحسب الكيفيات المحددة بنص تنظيمي.

 

عن الكاتب

agadirnews

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

دروس القانون