ملاحظات المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي عن النظام الضريبي


كشف تقرير  المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي تحت عنوان "من أجل نظام جبائي يشكل دعامة أساسية لبناء النموذج التنموي الجديد" صادر سنة 2019  أن النظام الجبائي الحالي يعاني من المحدودية، و ذلك بسبب وجود إكراهات ذات طابع عرضاني وأخرى ذات طابع مؤسساتي، تفضي إلى أوجه القصور البنيوية التالية :
·      هيمنة اقتصاد الريع واللجوء بكثرة إلى منح الامتيازات من أجل تنمية الأنشطة الاقتصادية، مما يؤدي إلى انعدام النجاعة وضعف القيمة المضافة ويساهم بالتالي في استمرار التفاوتات الاجتماعية والمجالية؛
·       التركيز القوي الذي يطبع الاقتصاد، ويتجلى ذلك في العدد المحدود للمقاولات، والتي تُولد ثروة وطنية تتسم بدورها بالمحدودية. ورغم تسجيل المغرب لمعدل استثمار يعتبر من بين أعلى المعدلات في العالم )أكثر من 30 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي سنويا)، ورغم استمرار ضخ تلك الاستثمارات على مدة طويلة، إلا أن المملكة لازالت مصنفة ضمن البلدان متوسطة الدخل. ويذكر في هذا الصدد، أن 387 مقاولة وطنية يشكل رقم معاملاتها مجتمعة 50 في المائة من إجمالي رقم المعاملات المصرَّح به، في حين أنها لا تمثل سوى 0,16 في المائة من مجموع المقاولات المصرِّحة. كما تساهم 73 مقاولة بنسبة 50 في المائة من حجم الضريبة على الشركات، علماً أنها تشكل 0,06 في المائة من مجموع المقاولات المصرِّحة.
·      استمرار التفاوتات، في سياق يُنظر فيه إلى السياسات العمومية والخدمات التي توفرها الدولة على أنها ضعيفة و لا تستجيب للحاجيات و الانتظارات المشروعة للساكنة، مع استمرار  ارتفاع معدل البطالة في سياق أضحى مطبوعا بالرفض المتزايد للمواطنات والمواطنين للتفاوتات الصارخة، إذ باتوا يوظفون التكنولوجيات المتوفرة ويغتنمون سهولة الولوج إلى وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي من أجل ابتكار أشكال جديدة للتنظيم والتعبير عن رفضهم.[1]
·      عدم استقرار النظام الجبائي، وذلك جراء إدراج العديد من المقتضيات الضريبية في قوانين المالية المتعاقبة، وهو ما يُفقد المنظومة الجبائية وضوحها وانسجامها. ومما يزيد من حدة هذه الظاهرة، اعتماد مقتضيات ضريبية نتيجة ضغوطات أو مفاوضات ناشئة عن رغبة في الدفاع عن مصالح فئوية و/أو قطاعية ، وهي مصالح قد تكون مشروعة، غير أن مقاربتها لا تكون بالضرورة وفق منطق يرمي إلى تحقيق الالتقائية والانسجام مع مصالح باقي الفاعلين أو مع المصلحة العامة.
·      غياب كبير لروح المواطنة الضريبية وعدم قبول أداء الضريبة: لمَّا كان النظام الجبائي بالمغرب قائما أساسا على مبدأ الإقرار، فإن جزءاً مهما من الملزَمين لا يزالون لا يقدمون إقراراتهم الضريبية بصفة تلقائية، كما أن العلاقة بين إدارة الضرائب والملزَمين لا تزال في الغالب عالقة متوترة، وذلك رغم الجهود المهمة التي تم بذلها خلال السنوات الأخيرة من أجل تحسينها، لاسيما  في ما يتعلق بنزع الطابع المادي عن الإجراءات الضريبية وتوضيحها وتبسيطها.
·      الطابع المعقد للنظام الضريبي وضعف فعالية بعض الضرائب و الإقتطاعات، فتجاور الترسانة الضريبية الوطنية مع نظام للجبايات المحلية ينطوي بدوره على إشكاليات حادة، وذلك بسبب طابعه المعقد، وعدم انسجام مكوناته وقلة نجاعته وكذا ضعف حكامته.[2]
ولتجاوز هذا القصور، يقترح المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إرساء نظام جبائي جديد منسجم كل الانسجام مع السياسات العمومية الأخرى، وذلك من أجل خلق قيمة مضافة مع توفير فرص الشغل اللائق، وضمان الإدماج الاجتماعي وإضفاء الوضوح على المنظومة ككل. وبذلك، سيشكل هذا النظام الجبائي المنشود رافعة أساسية لبناء النموذج التنموي الجديد، والذي ينبغي أن يسمح بالأساس بما يلي :
·      ضمان شفافية وفعالية تطبيق القواعد على الجميع، في إطار من الإنصاف والمساواة؛
·       إعادة توجيه منظومة خلق القيمة المضافة نحو الاقتصاد المنتِج؛
·       تشجيع الابتكار؛
·      تقليص التفاوتات الاجتماعية والمجالية؛
·       تكثيف النسيج الاقتصادي وتحرير الطاقات الكامنة وتشجيع بروز جيل جديد من الفاعلين السوسيواقتصاديين.
ومن أجل رفع هذه التحديات، يقترح المجلس إرساء نظام جبائي شامل يتمحور حول جملة من الأبعاد الرئيسية والمتلازمة، وهي أبعاد تنبني على منطق من التكامل والانسجام القوي، يُيَسِّرُ تفعيل النظام المقترح وفق مقاربة إرادية وعقلانية.
إن هذا الإصلاح الموصى به، يرمي إلى خلق الالتقائية بين المصالح المشتركة لأكبر عدد ممكن من الفاعلين، ومن شأن هذا الإصلاح المساهمة بقوة في إرساء تنمية أكثر اطراداً وأكثر إدماجا وإنصافا، ترتكز على المبادئ الدستورية وعلى الإعمال الفعلي لدولة الحق والقانون. لذلك، يوصي المجلس بما يلي : [3]
1.    وضع نظام جبائي مندمج يتناول الاقتطاعات الضريبية والاقتطاعات الاجتماعية في شموليتها ويراعي مستلزماتهما المتعلقة بإعادة التوزيع والتضامن.
2.    إرساء ميثاق ضريبي قوامه الثقة و الذي سيشجع على الانخراط في المنظومة الجبائية المنشودة ويرسخ وضوحها وسهولة الولوج إليها وقبولها من لدن الجميع.
3.    مأسسة تقاسم "ثمار توسيع الوعاء الضريبي".
4.    التحفيز على الخروج من هيمنة اقتصاد الريع.
5.    استكمال الترسانة القانونية المنظِّمة للمجال الضريبي بسن إطار للضريبة على الذمة المالية (الثروة)  يكون أكثر عدلا وإنصافاً.
6.    ترسيخ غايات وأدوار كل نوع من أنواع الضرائب، وفق منهجية الوضوح والتجانس العام والاندماج بين عناصر النظام الجبائي.
7.    جعل الإصلاح محركاً للدفع بدينامية الجهوية المتقدمة.
8.    إرساء حكامـة واضحـة المعالـم ومسـؤولة.
9.    .إضفاء الطابع القانوني على إصلاح المنظومة الجبائية، عبر اعتماد قانون برمجة ضريبية، يضع أهدافا محددة ومدققة، ومرتبة حسب الأولويات، ومُخَطَّطٍ لها على المدى القصير والمتوسط والطويل.
و إذا كانت هذه مجمل ملاحظات و توصيات كل من المجلس الأعلى للحسابات و المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي بإعتبارهما مؤسستين دستوريتين مستقلتين لهما دور استشاري، فإن هناك طرف أخر متدخل في هذه المنظومة وهو الملزم، فكيف ينظر هذا الملزم الى المساطر الضريبية و إصلاحها.


[1]  تقرير المجلس الإقتصادي و الاجتماعي و البيئي، من أجل نظام جبائي يشكل دعامة أساسية لبناء النموذج التنموي الجديد"، 2019، الموقع الإلكتروني www.ces.ma.
[2] تقرير المجلس الإقتصادي و الاجتماعي و البيئي،نفس المرجع
[3]  تقرير المجلس الإقتصادي و الاجتماعي و البيئي، نفس المرجع



المقال التالي المقال السابق
لا تعليقات
إضافة تعليق
رابط التعليق