النظام الجبائي المغربي و خصائصه
النظام الجبائي المغربي و خصائصه
تعتبر الضريبة تلك المساهمة النقدية التي
تحصل من أشخاص ذاتيين و معنويين بصورة إجبارية، نهاية و بدون مقابل، و ذلك قصد
تمكين الدولة من تمويل النفقات العمومية.
و للضريبة خصائص تتمثل في أنها إجبارية أي يمكن استخلاصها
طوعا أو جبرا عن طريق القوة العمومية، نهائية أي أنها لا تسترد بعد أدائها
باستثناء بعض الحالات، مجانية أي أنها تؤدى بدون مقابل خلافا لبعض الرسوم المؤداة
مقابل خدمة كالرسم على السكن، نقدية أي أن طبيعة الاقتطاع أو المساهمة يجب أن تكون
نقدية خلافا لما كانت عليه خلال القرنين 17 و 18 حيث كان الأداء عينيا، عمومية أي
أن الضريبة لا تستخلص من الملزمين إلا لفائدة الدولة أو أحد أشخاص القانون العام.
أما وظائف
الضريبة في وقتنا المعاصر فهي ثلاثة تتمثل في: الوظيفية التمويلية و التي
تتضح من خلال الحرص على توفير عائدات مالية كافية لخزينة الدولة و البحث عن
مردودية جبائية عالية من شأنها تمكين الدولة من تنفيذ برامجها التنموية، الوظيفة
الاجتماعية حيث أن الأداء الضريبي يرمي الى تصحيح الفوارق الاجتماعية من خلال
إعادة توزيع الثروة أو عن طريق فرض الضريبة على الثروة في إطار ما يقتضيه واجب
التضامن بين الأفراد، الوظيفة الاقتصادية فالضريبة وسيلة لتحقيق إقلاع اقتصادي في
مجالات معينة كما أنها تساهم في الحفاظ على استقرار بعض الأنشطة المهنية حيث أن
التخفيف من الضغط الضريبي يعد مؤشرا على الرغبة في انعاش اقتصاد قوي، في حين أن
ارتفاع نسبة التضريب قد يكون له انعكاسات وخيمة على الاقتصاد.
يرتكز النظام الضريبي على مبادئ نذكر منها المشروعية
الضريبية حيث لا ضريبة إلا بنص و هو ما يفسر الاختصاص الحصري للبرلمان في التشريع
الضريبي حسب الفصل 71 الذي جاء فيه "أن القانون يختص في التشريع في النظام الضريبي، ووعاء الضرائب، ومقدارها وطرق تحصيلها". و يتم ذلك من خلال القوانين المالية المعدة
من طرف الحكومة سنويا.
كما يرتكز النظام الضريبي على مبدأ المساواة أمام
الضريبة و هو مبدأ دستوري أكد عليه دستور 2011 إذ ينظم هذا المبدأ قاعدة عمومية
النص الضريبي من خلال مساواة جميع الملزمين المخاطبين بأحكام تحمل الأعباء كل حسب
قدرته الخاصة في المساهمة و هو ما يحيلنا على مبدأ أخر يتصل بالعدالة الضريبية و
مدى توزيع عبئها بين جميع الملزمين بحسب القدرات التكليفية لكل ملزم.
لقد شهد النظام الضريبي المغربي تطورا على مدى القرن
العشرين تحث ضغط قيود الميزانية فقد كان في البداية مبني على مبدأ الرضا و التضامن
و تحفيز الاقتصاد، و كنتيجة للأزمة التي عرفها المغرب نهاية السبعينات و التزاما
بتعليمات المؤسسات المالية الدولية قرر المغرب نهج سياسة التقويم الهيكلي سنة 1984
بهدف إصلاح شامل للنظام الضريبي من أجل تحديثه و تبسيطه و بالتالي أدى إلى استحداث
ضرائب حلت محل ضرائب فرعية و هكذا تم إحداث الضريبة العامة على الدخل سنة 1990 و
الضريبة على الشركات سنة 1988 و الضريبة على القيمة المضافة سنة 1986 حسب مقتضيات القانون الإطار 3.83 المتعلق
بالإصلاح الجبائي. كما عرف المغرب خلال التسعينات وضع ميثاق للاستثمار سنة 1996 و
الذي حل محل مختلف المدونات القطاعية التي كانت تغطي سابقا أهم الأنشطة الاقتصادية
في البلاد. بالإضافة الى مدونة تحصيل الدين العمومي الصادرة سنة 2000 التي جاءت بمجموعة من المبادئ
و القواعد في مجال تبسيط المساطر الإدارية المتعلقة بتحصيل الديون العمومية و كذا
مجموعة من الضمانات الهامة المعترف بها للمدينين للخزينة العامة.
أما نظام الجبايات المحلية فقد عرف بدوره إصلاحات مهمة تمثلت
في القانون 30.89 الذي حدد بموجبه نظام الضرائب المستحقة للجماعات المحلية و
هيأتها تلاه سنة 2008 القانون رقم 47.06 المتعلق بالجبايات المحلية و القانون
39.07 المتعلق بسن أحكام انتقالية فيما يتعلق ببعض الرسوم و الحقوق و المساهمات و
الأتاوى المستحقة لفائدة الجماعات المحلية.
إن تنظيم المناظرة الوطنية الأولى للجبايات سنة 1999
كانت مناسبة للتوصل الى تشخيص تشاوري مشترك بشأن النظام الجبائي و رسم خريطة طريق
تهدف إلى تحديث أكبر لهذا النظام حيث أعقبتها مجموعة من الإصلاحات التي شهدها
النظام الجبائي منها إصلاح رسوم التسجيل سنة 2004، صياغة كتاب المساطر الجبائية
سنة 2005، صياغة كتاب الوعاء و التحصيل سنة 2006 و مدونة الضراب سنة 2007.
إن إشكالية العدالة الضريبية من بين الإشكالات الهامة
التي كانت محطة أنظار الفاعلــين و ذلك من خلال تنظيم مناظرات وطنية للجبايات
أولها سنة 1999، و الثانية سنة 2013 و أخرها سنة 2019 شكلت فضاءا تشاوريا و تشاركيا لإصلاح النظام الضريبي. و إلى جانب هذه
المناظرات هناك تقارير المؤسسات الدستورية المتمثلة في المجلس الاعلى للحسابات
كمؤسسة دستورية تضطلع بدور المساهمة الفعالة في عقلنة تدبير الاموال العامة و
تمارس كليا وظيفتها كمؤسسة عليا للرقابة مستقلة بذات الوقت عن السلطة التشريعية و
السلطة التنفيذية. و المجلس الإقتصادي و الاجتماعي و البيئي كهيئة استشارية في
جميع القضايا ذات الطابع الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي حيث يعد المجلس أراء و
تقارير و دراسات بطلب من الحكومة أو مجلس النواب أو مجلس المستشارين (إحالة) أو
بمبادرة منه (إحالة ذاتية).
و
إذا كانت العدالة الضريبية صفة تميز الضريبة و تتجمع عن طريق عدد من الوسائل التي
تؤثر في الضريبة فتجعل الفرد يقبل دفعها عن طيب خاطر نسبيا، و الفرد لا يرتضي دفع
الضريبة مختارا إلا إذا أيقن أنه يساهم في تغطية النفقات العامة للدولة حسب دخله و
على غرار باقي أفراد البلد بالقدر نفسه الذي يؤثر به على دخل غيره، و العدالة
الضريبية ترتبط بمبدأ القدرة على الدفع. و تجدر الإشارة إلى أنه ينبغي التفريق بين
العدالة كهدف ضريبي و بين مفهوم العدالة كركن من أركان الضريبة ، فالعدالة كركن
يقصد بها مساهمة الأفراد في أداء الضريبة بتناسب مع قدرتهم المالية في تحمل أعباء
و نفقات الدولة دون محاباة أو تفضيل، أما العدالة كهدف من أهداف الضريبة فتعني
إعادة توزيع الدخل و الثروة و منع تكتل الثروات بيد فئة معينة من المجتمع و ذلك من
خلال فرض الضرائب على الثروات أو تطبيق التصاعد بالضرائب.
فالضريبة
يجب أن تكون عادلة يشترك في تأديتها كل
المواطنين حسب قدرة كل واحد منهم و ذلك ما أكده الدستور المغربي في فصليه 39 و 40.
و
هكذا يتضح أن أهم توصيات المناظرة الوطنية الثالثة التي أختار المنظمون لها عنوان
الانصاف الضريبي دليل على الإشكال الحقيقي و الهدف المبتغى من الإصلاح الضريبي و
نذكر من بين هذه التوصيات التي تهم العدالة الضريبية:
-
احترام الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية الأساسية للملزمين.
-
الحرص على ملائمة قواعد القانون الجبائي مع القواعد العامة للقانون.
-
ترسيخ مبدأ المساواة أمام الضريبة و بها.
-
الإنصاف الضريبي (تكريس مبدأ الدخل العام،
توسيع نطاق الضريبة على القيمة المضافة لتشمل جميع الأنشطة الاقتصادية من خلال
تحويل تلك الموجودة خارج نطاق التضريب إلى إعفاءات أو إخضاعها لسعر صفر إن اقتضت
الضرورة ذلك، وتوحيد قواعد الوعاء، وتوحيد وملاءمة المعالجة الجبائية لزائد القيمة
العقارية).
- واجب الشفافية والحق في المعلومة.
- الأمن القانوني للملزم (تأطير السلطة
التقديرية للإدارة، تعزيز استقلالية هيئات الطعن، وضع إطار قانوني و تنظيمي
لمراجعة الأثمان العقارية....)
- ضمان توازن الحقوق بين الملزم
والإدارة.
- تطابق القواعد المحاسبية والضريبية.
- تجميع جميع الضرائب والرسوم في نفس
المدونة.
- ترشيد التحفيزات الضريبية.
- إعادة توزيع فعالة عبر الضريبة.
- تقوية التماسك الاجتماعي.
- المراجعة العامة للجبايات المحلية.
- مراجعة الأسعار والطرق الجزافية
لتحديد الضرائب.
- إدماج القطاع غير المهيكل.
- توحيد وملائمة قواعد الوعاء (الأسس،
المعدلات، الإسقاطات والخصوم).
- مقاربات جديدة من أجل انخراط أكبر في
الضريبة.
- سيولة العمليات بين الأنظمة
المعلوماتية للإدارات.
- مكافحة الفساد.
- إحداث مجلس وطني للاقتطاعات الضريبية.
هذا من جهة توصيات المناظرات لإصلاح
الاختلالات التي يعرفها النظام الجبائي في مجال العدالة الضريبية حيث تتضح لنا الاختلالات
بشكل اكبر من خلال الأرقام التي قدمها المجلس الأعلى للحسابات في تقريره السنوي
لسنة 2018 حيث تجلت ملاحظاته في الارتفاع الكبير للدين العمومي المتعلق بالضريبة
على القيمة المضافة المقيد في حساب المؤسسات و المقاولات العمومية على شكل مستحقات
على الدولة بمبلغ 4,6 مليار درهم خلال سنة 2017، لينتقل مجموع الدين العمومي الى
32,2 مليار درهم عوض 27,6 مليار درهم المسجلة سابقا. ليلخص تقرير المجلس الأعلى
للحسابات أن مجموع ديون الدولة تجاه المؤسسات و المقاولات العمومية و القطاع الخاص
برسم سنة 2017 ما مجموعه 51,8 مليار درهم.
و لاحظ المجلس أيضا تمركز جل
المداخيل الجبائية حول عدد محدود من الملزمين او فئات معينة منهم حيث تواجه
المداخيل المتأتية من بعض الضرائب خطر اقتصارها على عدد محدود من الملزمين كما هو
الشأن بالنسبة للضريبة على الشركات حيث تم تسديد نصف مداخيل الضريبة على الشركات
خلال سنة 2017 من قبل 74 ملزم فقط أي ما يعادل أقل من 2 في الألف من الخاضعين لهذه
الضريبة، كما أن نسبة 75%
من مداخيل
نفس الضريبة تم تسديدها من قبل 654 ملزم فقط و 80%
من قبل 1069 ملزم ، في حين يبلغ عدد الوحدات الخاضعة للضريبة على الشركات و التي
قامت بإيداع تصريح واحد على الأقل خلال الأربع سنوات الأخيرة حوالي 338579 وحدة.
و لاحظ نفس
المجلس في نفس التقرير تزايد النفقات الجبائية حيث ارتفع الأثر المالي للتدابير
الضريبية الاستثنائية المحصاة برسم سنة 2017 إلى ما قدره 33,4 مليار درهم أي
بزيادة ناهزت 1 مليار درهم مقارنة بسنة 2016 حيث استأثر القطاع العقاري لوحدة ب25%
من
النفقات الجبائية و ترتفع هذه النسبة الى 48%
عند إضافة قطاعي الاحتياط الاجتماعي و الفلاحي.
و قد اتفق
المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي على نفس ملاحظات المجلس الأعلى للحسابات و
أثار نقطا أخرى تهم العدالة الضريبية من بينها أن المراقبة تهم فقط القطاع المهيكل
في حين أن المشتغلون في القطاع غير المهيكل كونهم غير مرئييين يجعلهم في مأمن من
كل عقوبة، كما أن نظام العقوبات الجاري به العمل لا يشجع على التسوية التلقائية
للوضعيات فالتأخير في التصريح و الأداء بيوم واحد يترتب عليه تطبيق غرامة مالية
مجموعها 30% في حين لا يترتب على كل شهر إضافي من التأخير
سوى زيادة قدرها 0.5% .
إن النظام
الضريبي المحلي يفتقر للانسجام و الفعالية كونه يتألف من عدد كبير من الرسوم و
الاقتطاعات إلا أنه لا يمثل سوى جزء من مداخيل الجماعات الترابية، و يأتي نصف
مداخيل الجماعات المحلية من الضريبة على القيمة المضافة التي يتم دفع نسبة 30%
منها الى
الجماعات غير أن معايير التوزيع لا تشجع الجماعات التي تبذل جهودا لمواكبة المستثمرين
و خلق مقاولات في مجالها الترابي.
و قد أوصى
المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي بوضع نظام جبائي مندمج يتناول الاقتطاعات
الضريبية و الاقتطاعات الاجتماعية في شموليتها و يراعي مستلزماتهما المتعلقة
بإعادة التوزيع و التضامن، مع إرساء ميثاق ضريبي قوامه الثقة يشجع على الانخراط في
المنظومة الجبائية و يرسخ وضوحها و سهولة الولوج إليها و قبولها من لدن الجميع و
ذلك من خلال توسيع الوعاء الضريبي و تطبيق ضريبة منخفضة و جزافية على الأنشطة ذات
الدخل المحدود، مع دعم القدرة الشرائية للطبقة المتوسطة، كما اقترح المجلس مأسسة
تقاسم توسيع الوعاء الضريبي وفق قاعدة الثلث، و التشجيع على الخروج من هيمنة اقتصاد
الريع مع استكمال الترسانة القانونية المنظمة للمجال الضريبي بسن ضريبة على الذمة
المالية (الثروة)، و ترسيخ غايات و أدوار كل نوع
من أنواع الضرائب وفق منهجية الوضوح و التجانس العام و الاندماج بين عناصر
النظام الجبائي، مع إرساء حكامة واضحة المعالم و مسؤولة عبر مأسسة الإطارات و
الفاعلين و أدوارهم.
و قد شكل
هذا التقرير أحد المراجع الرئيسية للمناظرة الوطنية الثالثة للجبايات سنة 2019
و قد جاء قانون المالية 2020 بعد المناظرة الثالثة فهل
هناك رغبة حقيقية في تنزيل توصيات هذه المناظرة في قانون المالية، فمن خلال كلمة
وزير المالية أمام البرلمان أكد فيها أن عزم الدولة على اتخاذ مجموعة من التدابير
الرامية لتخفيف الضغط الضريبي على
المقاولات، وخاصة تخفيض السعر الهامشي للضريبة على الشركات الصناعية من 31 إلى 28
في المئة برسم رقم معاملاتها المحلي، مع استثناء تلك التي تحقق أرباحا تتجاوز أو
تعادل 100 مليون درهم.
ويتعلق الأمر أيضا، بالتخفيض التدريجي للسعر الحالي للحد
الأدنى للضريبة من 0.75 إلى 0.50 في المئة، مع تطبيق معدل 0,75 في المئة للمقاولات
التي توجد في وضعية عجز مزمن، عندما يظل الناتج الجاري المصرح به من طرف المقاولة،
خارج فترة الإعفاء المنصوص عليها في المدونة العامة للضرائب، سلبيا لمدة سنتين
ماليتين متتاليتين.
وفيما يتعلق بتحسين علاقة الثقة مع دافعي الضرائب
فإن قانون المالية ينص على إحداث، بصفة
استثنائية، آلية للتسوية الطوعية للوضعية الجبائية للأشخاص الذاتيين، بهدف إعفاء
دافعي الضرائب من المراقبة الجبائية القائمة على تقييم الدخل انطلاقا من مؤشرات
النفقات، مقابل خصم 5 في المئة من السيولات المودعة لدى مؤسسات القروض البنكية.
كما أكد وزير
المالية بأن قانون المالية يطمح إلى تدشين عهد جديد للثقة مع دافعي الضرائب عبر التوسيع من مجال تطبيق طلبات الاستشارة الجبائية
القبلية، بهدف ضمان أمن قانوني للمستثمرين واستقرار للعقيدة الجبائية.
و إذ أتفق مبدئيا مع كل ما تضمنته تقارير المؤسسات
الدستورية و كذا توصيات المناظرات الوطنية لكونهما أهل اختصاص إلا أن التساؤل
المطروح هو لماذا رغم كل هذه الحلول المقترحة لا يتم تنزيلها على ارض الواقع من خلال قوانين
المالية.
و هذا السؤال يحيلنا الى سؤال ثاني هل هناك إرادة و شجاعة سياسية لتنزيل توصيات المناظرة
كاملة أم سننتظر مناظرة رابعة لنعلق أملنا لأجل إصلاح شامل
للنظام الجبائي يحقق العدالة المنشودة.