حقوق العامل وحمايته في الإسلام

 

حقوق العامل وحمايته في الإسلام

الإسلام دين العمل و المثابرة. ونصوصه كلها تحض على العمل وتنهى عن الكسل والتوكل غير المشروع. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم  : ''لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما ترزق الطير تغدو خماصة وتروح بطانة ". فالطيور مثال رائع للعمل الجاد الذي لا يعرف الكل فهي تضل تبحث عن رزقها منذ بزوغ الشمس إلى مغيبها وبذلك فان التوكل في الحديث هو الذي يقارن العمل لا إن يترك العمل بدعوى التوكل وهو شيء يأباه الإسلام ويرفضه.

والعمل الشريف أساس الحياة ولذلك يؤكد عليه الإسلام. وهو يقوي النفوس ويشحذ العزائم ويحجز الفقر والعوز والدناءة النفسية القاتلة لكرامة الأمم والشعوب.

وما يكسبه الإنسان بالعمل لايستفيد منه وحده وإلا كان صاحب أثرة محظورة. والمسلم ملزم بنفع غيره والوفاء لعلمه فلا يخدع ولا يغش وعليه أن يثن عمله ويخلص فيه. وفي الحديث الشريف :  ليس الإيمان بتمني ولكن ماوقر في القلب وصدقه العمل.

وفي القران الكريم :" وقل اعملوه فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون". والله سبحانه يحاسب المقصر عن تقصيره ويرفع درجات العاملين كما يقول سبحانه : "ولكل درجات مما علموا وليوفينهم أعمالهم وهم لا يظلمون" .

ولا يتحقق الاستخلاف في الارض الذي وعد الله به المؤمنين الصادقين إلا بالعمل والجهد وتحمل مشقة الحياة وما تتطلبه من بذل وعطاء ففي القران الكريم.  "وعد الله الذين من قبلهم وليمكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبذلهم من بعد خوفهم اونا" . فان تدخلوا عن العمل فلا مطمع لهم في الاستخلاف ولا في القوة ولا في المكانة اللائقة لأنهم بتركهم للعمل قد نبذوا ما يجعلهم خلفاء في الارض وأمناء على ما استخلفوا فيه.

وإخطار الفقر ومشكلاته الاجتماعية المعقدة تأتي في معظمها من ترك العمل المؤدي إلى التسكع والفسوق والإجرام ونحو ذلك من المضار الاجتماعية الكثيرة.

وإذا ما تعذر العمل على القادر عليه لسبب من الأسباب فان الدولة المسلمة تتحمل واجباتها كما يتحملها معها الموسرون بزكاتهم ومعوناتهم حتى يور العسر ويعود اليسر والرجاء.

وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من الفقر فقال : "كاد الفقر إن يكون كفرا". وقال الإمام علي بن أبي طالب : "لو تمثل لي الفقر رجلا لقتلته". وقال أبو ذر الغفاري "إذا ذهب الفقر بلدا قال له الكفر خذني معك".

والإسلام يجعل العمل والكسب عبادة وجهادا في سبيل الله ويرفع من شان العاملين ويأمر بإنصافهم. ويقول صلى الله عليه وسلم :" إن الله يحب المؤمن المحترف". ويقول :" من أسمى كالا من عمل يده أمسى مغفورا له ".

ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم  يد عامل ورمت من كثرة العمل فقال : " هذه يد يحبها الله ورسوله". والدولة المسلمة مطالبة بإصلاح مجتمعها وتهيئ أسباب العمل للقادرين عليه ومنحهم حقوقهم السياسية في إطار الإسلام كما يجب عليها أن توفر لهم ضرورات الحياة وتمنع قيام طبقة المترفين. وكان الخليفة عمر بن الخطاب يخشى إن يجوع إنسان شاة الحيوان في أطراف دولته العريضة فيتحمل مسؤولية ذلك إمام الله.

وروي عن أبي هريرة إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن مات وعليه دين ولم يترك وفاء_ فعلينا قضاؤه ومن ترك مالا فهو لورثته". وهذاتشريع في غاية الرفعة والسمو والمسؤولية. ومما يعطي التوازن للمجتمع ويحفظه من التردي في المكارة مقاله النبي ص لمعاد : "خذ من أغنيائهم ورد في فقرائهم".

وإذا لم تف الضرائب الحكومية بما يتطلبه العمل وتوفير ضرورات الجماعة فان الإسلام يقرر واجبات إسلامية أخرى على الأغنياء لايمكن التغاضي عنها في مجتمع إسلامي ينشد العدالة الاجتماعية.

إن حقوق العامل مضمونة في الإسلام إلى ابعد الحدود. وحمايته مؤكدة وثابتة ودائمة فظلمه بأي نوع من أنواع الظلم محرم تحريما جازما قاطعا. فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم  إن يوفى العامل أجره قبل إن يجف عرقه وان لا يحمل فوق طاقته وان لا يتغاضى عن حقوقهم في الأجر والمحافظة عليه وتيسير مجال العمل له.

وقد ندد القران بالظلم والظالمين في عدة آيات بينان لأنه لا تقوم دوله بالظلم والعدوان. ولن تستقر إلا بالعدل والإحسان والاطمئنان فإذا تعثرت عدالتها وسلط الظلم على الطبقة العاملة الفقيرة تعجل خراب الدولة وانهيار سلطانها.

كما إن الدولة المقسمة إلى طبقات لن تعمر طويلا لما ينشا فيها من حقد الطبقة العاملة الفقيرة المظلومة فتتربص الدوائر بحكامها وتضع العراقيل في طريقهم مما يتسبب في الفتن والاضطرابات التي ينعدم معها الاستقرار ويسوء الإنتاج ففي الحديث القدسي " ياعبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظلموا" . يحرم الظلم من أصله لما يجر في طياته من العداوات والمفاسد والمس بالحقوق الإنسانية المقدسة في الإسلام.

لقد تصارع الإسلام مع الظلم والظلمة الذين يهضمون حقوق الناس وصور ظلمهم أبشع تصوير وحذرهم وانذرهم ومن الآيات الواردة في هذا السبيل قوله تعالى " ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا". وقوله " وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون".

وقوله "وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا " .

فالظلم مؤذن بالخراب و سعادة الإنسانية لن تتحقق مع القوة و الاستغلال و الله سبحانه يمهل الظالمين ولا يمهلهم حتى ينزل بهر من الآفات ما يحطمهم و بفوضى بنيانهم . وفي حديث أبي موسى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ان الله الله ليملي للظالم حتى إذا أخده لم يفله ".

والمسلم مطوق بمقاومة الظلم الاجتماعي ويتحمل مسؤوليته إذا لم يقاوم الظلمة والمستغلين وفي القرأن الكريم نجد قوله تعالى "ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض"

ويتصور الظلم في جانب السلطة كما يتصور في جانب إفراد الرعية و الإسلام يوجب مقاومته في الجانبين . وإذا امتزج ظلم السلطة و ظلم أصحاب المال وتحالف وتآزرا ضاعت حقوق الاكترية واستعبدت الجماهير استعبادا بشعا لا يقره الإسلام بحال من الأحوال .

ويذكر المارودي في الإحكام السلطانية إن والي المظالم لا يستكمل مجلسه الا بحضور خمسة أصناف الحماة و الأعوان لجذب القوي و تقويم الجريء والفقهاء للرجوع إليهم عند الإشكال و القضاة و الحكام لاستعلام اثبت عندهم و الشهود يشهدهم والكتاب ليثبتوا ما يجري بين الخصوم .

ان حقوق الإنسان الثابتة في الإسلام تنتفي مع وجود الظلم الاجتماعي وإهدار حقوق العامل وعدم حمايته من الإضرار ومنعه من حقوقه العادلة في التشغيل و الوقوف دون إشراكه في الإرباح التي أصبحت الرأسمالية تسيطر عليها ولاحق لها في سيطرتها ولا يسمح لها بها شرعا بعدان أعلن الإسلام حقوق العمال ورعاها قبل ان تظهر مواثيق حقوق الإنسان على الصعيد الدولي لتثبت للإنسان حقوقه بعد قرون مضت على إثبات الإسلام لها بدون تمييز بين إنسان و أخر بسبب عنصره أو جنسه أو لونه أو دينه أو مواطنه .

وقد غدت حقوق الإنسان تكون جزءا من قواعد القانون الدولي و تقر ما اقره الإسلام قبلها من حرية التفكير و العمل والضمير و العقيدة والرأي و التعبير عن كل ما يمس الحقوق المدنية والسياسية والمذهبية وهي حقوق توجب الحق والعدل في العمل والأجر والأمن الاجتماعي وتحرر الإنسان من الجوع والمرض والجهل والفقر فيما نصت عليه من حقوق اقتصادية و اجتماعية وثقافية.

فالمسلمون في صدر الإسلام لم يشعر واحد منهم بالظلم الاجتماعي ولا ضاع له حق في العمل ولا جاع لع بطن بالفقر ثم انكفأ المسلمون الى عصور الظلم والقهر والتصدع والاستبداد والاستبعاد حيث افتقدوا مكانتهم بإضاعتهم لتعاليم دينهم وتوجيهاته وسيرة الرسول ص و خلفائه الراشدين في الحكم والسياسة والعدل والمساواة .

وأين المسلمون وحكمتهم من قولة الخليفة عمر المدوية مع التاريخ متى استبعدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ؟.

فقد ضمن الإسلام حقوق الإنسان وطبقها النبي وخلفاؤه قبل إن تظهر فكرة هذه الحقوق سنة 1215 في انجلترا حيث اعتبرت هذه الوثيقة الانجليزية كأقدم وثيقة لحقوق الإنسان . ثم ظهرت وثيقة أخرى سنة 1628 . وأعقبتها أخرى سنة 1689 . وجاءت الثورة الأمريكية بوثيقتها في حقوق الإنسان عند إعلان الاستقلال سنة 1776 . وأعقبت بإعلان الدستور الفيدرالي للولايات المتحدة سنة 1787 . ثم جاءت الثورة الفرنسية سنة 1789 لتوطد هذه الحقوق أيضا بالإعلان عنها في نفس السنة وتبع ذلك إعلان الدستور الفرنسي سنة 1791. ومن مجموع هذه الوثائق والدساتير أخذت تتكون مواثيق حقوق الإنسان وبالإعلان العالمي المشهور الصادر عن الأمم المتحدة سنة 1948 بعد قرون من التجارب والتطاول والتسلط والاستعباد. مع إن الشريعة الإسلامية احتوت هذه الحقوق الإنسانية منذ ظاهر والإسلام وحفظ للإنسان كرامته وشخصيته ومكانته وحريته ومنحه حق العمل وفرض له ما يسد حاجته في المأكل والملبس والمسكن من غير تمييز بين إنسان وإنسان بأي ميزة كانت .

 إن العدل الإسلامي يوجب المسرات في الحقوق والواجبات ويتوجه بالعزم وإصرار للطبقة العاملة ليمنحها حقوقها ويحميها ويرفع عنها الضيم ويزيل عنها تحديد الرأسمالية البشعة .

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم  "الناس سواسية كالمشط لا فضل لعربي على أعجمي انما الفضل بالتقوى" .

ولا اعتقد أن اي مذهب من المذاهب الاقتصادية في صلب القانون كما فعل الاسلام لا بالقول فقط بل وبالعمل في حكومة الرسول صلى الله عليه وسلم وفي حكومات خلفائه الراشدين ففي القران الكريم" انما المؤمنون اخوة فاصلحوا بين اخويكم "  فهم إخوة في السراء والضراء والغنى والفقر وفي كل شان من الشؤون مما يعطي الحق لكل فرد كيفما كان مقامه الاجتماعي إن يستمتع بالعدل والمساواة في القوانين الحكومية مما يعبر عنه علماء الإسلام بحقوق الرعية الواجب خفضها بدقة وشمول من جانب أولياء الأمر أو من جانب أصحاب الأموال.

ويذهب الإسلام إلى ابعد من ذالك من حيث لا يفرق في الحقوق و الواجبات بين المسلم والذمي والمعاهد بمعنى إن من يعيش في دولة الإسلام يجب إن يتمتع بحقوقه كاملة غير منقوصة وان لا يلحقه ضرر أو اضطهاد في نفسه وعمله وماله وعقيدته وعرضه لكون الشريعة الإسلامية تساوي بين جميع المتساكنين بصفتهم الإنسانية قبل كل شيء

ويقول سبحانه في كتابه "ولقد كرمنا بني ادم" والتكريم يوجب حفص  الحقوق وعدم الاعتداء على النفوس والأموال والأعراض والأملاك والأفكار  وإقرار ما يرفع من شأن العاملين وحمايتهم من كل ضام  أو مكروه ومنحهم ما يجعلهم مواطنين شرفاء والإسلام لا يفرق في الحقوق والعدل والأحكام بين الرجل والمرأة فيمنح الجنسين معا حقوقهما بالتساوي ويصونها بشريعته السمجاء

إن الإسلام الذي يعطي الناس العدل ويمكنهم من حقوقهم يرفض التقاعس عن العمل والاتكالية إذ من الظلم  أن يعطي للمتقاعس حقا عن تقاعسه ويشجعه ليعيش عالة على المجتمع إلا إذا وجد مانع شارعي يحول بين الشخص والعمل كحالة مرض أو عجز أو انعدام العمل فحينئذ تتحمل الدولة المسلمة مسؤوليتها كما يتحملها معها بقية  المواطنين

والمواطن الذي يمتنع عن أداء الواجبات المطوق بها ويرفض تحمل مسؤوليته يجبر على أداء مايجب عليه أداؤه ويعاقب ويعزز ويحبس إذا نعذر الحق منه إلى إن يؤذه لكن اذا أصابه عسر فنظرة إلى ميسرة

ومن واجبات الدولة المسلمة في حفظ حقوق الإنسان حفظها للأموال من الضياع ومراقبتها الشديدة لئلا يأكل الناس أموالهم بينهم بالباطل أو بالربا أو القمار أو الغش والتدليس

والدولة أن تحجر على المسرفين والمبذرين لان أموالهم ليست لهم وحدهم وإنما فيها حق الله وجماعة المسلمين، إن الإسلام يوجب حفظ حقوق الإنسان ومراعاة الطبقة الفقيرة والكادحة والإحسان إليها وانتشالها من فقرها وحفظ التوازن والتوسط المؤكد في الإسلام

والقران يعتبر الإحسان فرضا لله فقد قال سبحانه في سورة البقرة" من الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعف له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط " وذلك ليحبب للمسلمين الانفاق في وجوه البر والإحسان.

إن العمل في الإسلام هو صاحب القيمة العظمى  وبه يزيد الإنتاج والنمو وبلا عمل تسوء الأوضاع وتتدهور الأحوال والمال في الإسلام وسيلة لا غاية فاذا أصبح غاية كما هو الشأن في الأنظمة الراسمالية أصيب الأجراء بالنكسات وضاعت حقوقهم وتعثرت مجتمعاتهم والاسلام يوجب إعطاء العمال أجور عملهم المرضية وإشراكهم في الأرباح لان أجورهم بالنسبة لأرباح الشركات التي يعملون بها تافهة ولا تفي بأغراضهم وقد فال النبي صلى الله عليه وسلم   "لاضرر ولا ضرار"

فالاقتصاد لا يزدهر إلا بالسواعد وضمان العيش الكريم لأصحابها ولم يفتأ رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم  يحض على العمل والإخلاص  فيه ويأمر المشغلين بدفع أجور عمالهم بدون مماطلة ولا التواء

ويعتبر الإسلام كل عامل في قطاع من قطاعات يقوم بفرض الكفاية  عن الآخرين وإلا أثم الكل عند تقصير الجميع ويقول النبي صلى الله عليه وسلم " أفضل الكسب ما كان من عمل اليد" وقال" ما أكل ابن ادم طعاما خيرا من عمل يده" وان نبي الله داود كان يأكل من عمل يده وقال "ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة وذكر من بين الثلاثة رجلا استأجر أجيرا فلم يوفه أجره وقال" من ولي لنا عملا وليس له منزل فليتخذ منزلا أو ليست له امرأة فليتزوج أو ليست له دابة فليتخذ دابة"

والواجب على الدولة المسلمة أن تتدخل عند الإساءة للعمال لإنصافهم وكذالك بالنسبة للموظفين بل وبالنسبة لكل من يتقاضى أجرا على عمله حتى يأخذ كل من يتقاضى أجرا ما يغنيه عن المذلة والخنوع ويوفي له بكفايته ليسعد في نفسه وأهله وليسعد معه مجتمعه ولا يمكن أن تتحقق هذه السعادة التي يريدها الإسلام للأجراء إلا إذا اخذوا ما يكفيهم ويعطيهم الاستقرار النفسي والعائلي والاجتماعي، والإسلام بتعاليمه هذه يحارب الطبقية المالية والحسبية والاجتماعية عموما تلافينا لأي ظلم أو استحواذ بالخيرات وفي محاربة ذلك مرضاة لله ورسوله والمومنين حتى لا يبقى بينهم مشتك أو متذمر أو مسلوب الحق أو محروم أو من يشتغل فوق طاقته وقدوته

والعمل المخلص بنية صادقة عبادة والموفي للعامل حقه عابد وفي ذلك من فضل الإسلام ما يتفوق ويعلو والله سبحانه يرضى عن عبده إذا عمل عملا فأتقنه ولم يغش فيه ولم يخن ولم يدلس ولم يتوان وفي الحديث " إن الله يحب من العامل إذا عمل عملا أن يحسنه وفي رواية أن يتقنه

انه لا يمكن وجود اقتصاد سليم ونظام مالي مفيد إلا إذا روعيت حقوق الأجراء و أنصفو بالرضى والحسنى ليتفانوا في عملهم دون تردد أو تراخي أو تهرب وبنفوس متفتحة وقلوب مطمئنة على أنفسهم وأبنائهم وأهلهم ومستقبلهم فان لم يكونوا مطمئنين ووقعت الإساءة اليهم أو نزل بهم البخس في حقوقهم تعثرت الشؤون الاقتصادية والمالية وتخلخل المجتمع واضطربت الأحوال المعيشية وتعثرت مسيرة البناء.

وللعامل في الإسلام حق في الثروة التي يعمل فيها أو يستخرجها بعرقه وجهده أو يهيئها بعضله وقوته لأنه يستحق الانتفاع بعمله من غير منة من احد.

وإذا امتلكت الدولة الثروات وجب عليها هي أيضا أن تمنح العاملين نفس الحقوق وكذلك الأمر بالنسبة للشركات وبذلك فان للعمال حقا في الأرباح سواء عملوا فيما يمتلكه أفراد أو شركات أو الدولة ولو أبى ذالك الرأسمال وأمتنع أصحابه المتجبرون.

فالعامل المجد يمتلك بعمله وجهده حقوقا في رأس المال تخول له اخذ نصيبيه في الاستثمار.

والإسلام لا يسمح بتملك المصادر الطبيعية واستغلال العمال في إنتاجها على خلاف ما تملكه الرأسمالية حين تمتلك مصادر الثروة وتستغل العاملين في انتاجاتها تماشيا مع ما تسميه بمبدأ الحرية الاقتصادية لان ذالك يؤدي إلى استغلال الطبقة العاملة ويزيل للدولة المسلمة حقا من حقوقها في تملك الثروة الطبيعية مما لا يقره الإسلام ولا يسمح به وهو الدين الذي يعطي للإنسان حقه في نشاطه وممارسته لأعمال الاستثمار والانتفاع.

كما يتخالف الاسلام مع الشيوعية في تسلط حكوماتها المطلق على الثروة، وتمنع الإنسان من أي تملك حتى ولو كان مفيدا ومقبولا فيفقد الإنسان بهذا النظام إنسانيته وحقوقه المشروعة في الملكية وفي العمل ويصبح مسخرا للدولة فاقدا لحريته ومشيئته ولما يمكن أن يجلبه لنفسه من ربح بعمله.

إن الإسلام يركز على حقوق العمال ولا مناص من التخلص من هذه الحقوق.

 وما هي قيمة الإنسان إذا أصبح مجرد آلة في يد الرأسمالية أو الشيوعية يستعبد ويستنزف ثم  يساس ليقضي بقية حياته على المعاش والشدة والضيق بعد أن يبلغ سنا يستحق ببلوغها في الإسلام مزيدا من الاحترام والمعونة  والتقدير.

وإذا كانت خلافة الإنسان في الأرض تمنحه حرية التصرف وتزجره عن الظلم والإجحاف فان الإسلام يتمسك بهذه الخلافة السامية ويفسرها بتفصيل في الحكم والسياسة والمال والاقتصاد، وتفسيراته لا تقبل التجزئة وفيها كليات عامة على ضوئها تصاغ نظريات الإسلام ومذهبه في الملكية والتشغيل والإنتاج والتوزيع حتى يكيف المجتمع تكييفا إسلاميا في التعامل والنفسية والتصور واليقين بأن المال مال الله وهو عارية في يد خلفائه وأمنائه عليه ليتصرفوا بنقاء الخلافة وطهارتها وصفاء الأمانة وجمالها فتسقط الحجب وتتعرى المذاهب المستغلة وتعم الفائدة يقول سبحانه "امنوا بالله ورسوله وانفقوا  مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين امنوا منكم وانفقوا لهم اجر كبير"

إن الملكية بحسب النظرة الإسلامية بلوى يمتحن الله بها الإنسان ويحاسبه على ما قدمت يداه فليكن الملسم جديرا بخلافته ليوفي بربه فبما استخلفه فيه وأمنه عليه .

عبد الحي العمراني

المقال التالي المقال السابق
لا تعليقات
إضافة تعليق
رابط التعليق