إقرار مبدأ صدقية الميزانية وصعوبات تطبيقه في النظام المالي المغربي
إقرار مبدأ صدقية الميزانية وصعوبات تطبيقه في النظام المالي المغربي
تجاوبا مع
المطالب المتواترة
على الصعيدين
الحقوقي والبرلماني
وتماشيا مع
الاجتهادات القضائية
المغربية والمقارنة،سيجد
مبدأ الصدق
مكانا له
ضمن الترسانة
التشريعية المغربية،
من خلال
مواد تماثلت
صياغتها على
مستوى القانون التنظيمي
لقانون المالية
والقوانين التنظيمية
للجماعات الترابية
)الفقرة الأولى(.
لكن إقرار
وترسيخ مبدأ
الصدق على الصعيد
التشريعي، ستطرح
صعوبات جمة
على مستوى
تطبيقاته العملية
في النظام
المالي المغربي
)الفقرة الثانية(.
الفقرة الأولى:
التكريس القانوني
لمبدأ الصدق.
استجابة منه
للاجتهادات القضائية
الوطنية والمقارنة،
سيعمل المشرع
المغربي على
إقرار وترسيخ
مبدأ الصدق،ضمن
ترسانته القانونية،
من خلال
مواد تماثلت
صياغتها القوانين
التنظيمية ذات
الصلة، على
المستويين المركزي والترابي.
فقد عمل
المشرع المالي
على تكريس
قاعدة صدقية
التوقعات التي
تنبني عليها
قوانين المالية
القانون، في
القانون التنظيمي
رقم 130.13 لقانون المالية،
ضمن المادة
10 منه، التي
تنص على
أن: "تقدم قوانين
المالية بشكل
صادق مجموع
موارد وتكاليف
الدولة. ويتم
تقييم صدقية
الموارد والتكاليف
بناء على
المعطيات المتوفرة
أثناء إعدادها والتوقعات
التي يمكن
أن تنتج
عنها". فالمعطيات والمؤشرات
والفرضيات التي
توضع على
أساسها تقديرات
قانون مالية
السنة، يجب
أن تكون
صحيحة ومطابقة
للواقع، دون
زيادة أو
نقصان، وبعيدا
عن أي
تضليل أو
تغليط، بالنظر
إلى أن
المقدمات الكاذبة
والمدخلات الفاسدة،
لا يمكن
أن تنتج
عنها، إلا
نتائج كاذبة
ومخرجات فاسدة.
ولا تقتصر
قاعدة الصدقية
على توقعات
الميزانية التي
ترتبط بمرحلة
وضع هذه
الميزانية فحسب،
وإنما تشملكذلك
النفقات والحسابات
المرتبطة بمرحلة
تنفيذ الميزانية.
حيث تنص
الفقرة 4 من
المادة 31 من
القانون التنظيمي رقم
130.13 لقانون
المالية على
أنه: "يجب أن
تكون حسابات
الدولة مطابقة
للقانون وصادقة
وتعكس صورة حقيقية
لثروتها ولوضعيتها
المالية".
وقد عهد
المشرع المالي،
للمحاسبين العموميين
مهمة، "السهر على
احترام المبادئ
والقواعد المحاسبية
من خلال التأكد
على الخصوص
من احتام
صدقية التسجيلات
المحاسبية واحتام
المساطر وجودة
الحسابات العمومية".
كما أناط
ذات المشرع
بالمجلس الأعلى
للحسابات، مسؤولية
"التصديق
على مطابقة
حسابات الدولة
للقانون وصدقيتها".
وقبل إقرار
هذه القاعدة
البالغة الأهمية
في إطار
القانون التنظيمي
رقم 130.13 القانون المالية،
فقد اتخذ
المغرب، منذ
منتصف التسعينات
من القرن
الماضي، جملة
من المبادرات
المكرسة لمصداقية
وشفافية الميزانية
العامة،من قبيل:
-إدماج التكاليف
الإجمالية لبعض
العمليات التي
لم تكن
تدرج في
الميزانيات إلا
بصفة جزئية،
الأمر الذي
ينتج عنه
تقليص النفقات
الآنية وخلق
تحملات بالنسبة
للمستقبل في
شكل ديون
أو متأخرات.
وإدراج عناصر جديدة بالقانون
المالي، كانت
تبقى خارجة
عن نطاقه،
مثل سندات
الخزينة لمدة
خمس سنوات
التي كانت
تعتبر ضمن عمليات
الخزينة فقط،
وكذا ميزانيات
مرافق الدولة
المسيرة بصفة
مستقلة التي
لم تكن
ترتبط بالميزانية
العامة إلا
من خلال
رصيدها السالب
أو الموجب
.
وعلى المستوى الترابي: نصت
القوانين التنظيمية
للجماعات الترابية
على مقتضيات
مماثلة، فنصت
المادة 165 من القانون
التنظيمي للجهات
على أنه:
"تقدم
ميزانية الجهة
بشكل صادق
مجموع مواردها
وتكاليفها. ويتم
تقييم صدقية
هذه الموارد
والتكاليف بناء
على المعطيات
المتوفرة أثناء
إعدادها والتوقعات
التي يمكن
أن تنتج
عنها". ونفس المقتضيات،
أقرها القانون
التنويمي للعمالات
والاقاليم، الذي
نص في
مادته 144على
أنه: "تقدم ميزانية
العمالة أو
الاقليم بشكل
صادق مجموع
مواردها وتكاليفها.
ويتم تقييم
صدقية هذه
الموارد والتكاليف
بناء على
المعطيات المتوفرة
أثناء إعدادها
والتوقعات التي
يمكن أن
تنتج عنها".
وأقرها كذلك،
القانون التنظيمي
المتعلق بالجماعات،
حيث نص
في مادته
152 على
أنه: "تقدم ميزانية
الجماعة بشكل
صادق مجموع مواردها
وتكاليفها. ويتم
تقييم صدقية
هذه الموارد
والتكاليف بناء
على المعطيات
المتوفرة أثناء
إعدادها والتوقعات التي
يمكن أن
تنتج عنها".
وبذلك تكون
القوانين التنظيمية
الثلاثة المتعلقة
بالجماعات الترابية،
قد حذت
حذو القانون
التنظيمي لقانون
المالية في
الاعتداد بمبدأ
الصدق، بصياغة
متماثلة، تربط
هذا المبدأ
بمبدأي الشمول
والوحدة، وبالسياق
الاقتصادي والاجتماعي.
الفقرة الثانية: صعوبة أو أزمة التطبيق العملي لمبدأ الصدق.
رغم حداثة
إقراره وتكريسه
القانوني، سيجد
مبدأ الصدق،
صعوبات كثيرة
في تطبيقاته،
ترجع أساسا
إلى ضعف
أساسه الفقهي
وإلى غموض
مدلوله العملي
وإلى النسبية
التي تطبع
تطبيقاته العملية.
ما جعل
القضاء الدستوري
والمالي يعتمد
مقاربة مرنة
للدفع به._
فمن الناحية
الفقهية، تؤشر
الدراسات ذات
الصلة بتطور
المالية العامة
وارتباطها بتحول
أدوار ووظائف
الدولة، على
وجود نوع
من قلة
الاهتمام بمبدأ
الصدق مقارنة
بالاهتمام الذي
نالته المبادئ
المالية الأخرى
كالمشروعية والتوازن ضمن
هذه الدراسات.
كما تؤشر
على أن
الاهتمام الذي
قد يوليه
بعض الدارسون
لمبدأ الصدق،
تطغى عليه
النظرة الجزئية
والموسمية، إذ
لا يطفو
على السطح،
إلا لماما،
بمناسبة الدفوعات
التي تثار
بمناسبة إحالة
قوانين المالية
السنوية على
مجهر القضاء
الدستوري.
فبروز مبدأ
الصدق إلى
دائرة الاهتمام
العام، لم
يكن نتيجة
حضوره المكثف
في الأعمال
العلمية والأدبيات
الفقهية وإنما
نتيجة ضغط
مطالب المعارضة
السياسية اتجاه
العقلنة البرلمانية
التي ضيقت
هامش تدخل
البرلمان في
المجال المالي.
فلم يجد
البرلمان، أمام
وضعية التطويق
القانوني لإمكاناته
السياسية أثناء
مناقشة قوانين
المالية، إلا
الدفع بذريعة
الصدق في
المعطيات والأرقام
المقدمة، للطعن
أمام القضاء
الدستوري، هذا
الأخير الذي
تردد كثيرا
قبل أن
يعتد به
في قراراته.
كما أن
طغيان البعد
التقني في
تدخل القضاء
المالي، جعله
بمنأى عن
الاهتمامات الفقهية
أو النظرية،
مما سيضفينوعا
من الغموض
على مدلول
مبدأ الصدق
وعلى أبعاده
وطبيعة علاقته
بباقي مبادئ
الميزانية، جعله
يعيش أزمة عملية
حقيقية.
ففي سنة
1998 ، وبمناسبة
بثه في
دستورية مشروع
قانون مالية
لذات السنة،
أكد القضاء
الدستوري الفرنسي الطابع
النسبي لمبدأ
الصدق، حيث
لم يعتد
المجلس الدستوري
في قراره
بإثارة مسألة
الصدق، رغم
اعترافه بوجاهةالطعن
الذي تم
تقديمه تحت
ذريعة عدم
الصدق. وهو
ما حفز
الفقه القانوني
آنذاك، للحديث
عن قصور
ذريعة "عدم
الصدق"، للطعن
بمخالفة الدستور"
insincérité insuffisante ."
ومن جانب
آخر، ساهم
عمل القضاء
الإداري الفرنسي،
حينما لم
يدخل "الصدق" ضمن
خانة الحقوق
والحرياتالتي يكفلها
الدستور، في
تعميق أزمة
مبدأ الصدق،
وإخراجه من
دائرة الدفع
بعدم الدستورية.
ولا يعدو
أن يكون، إقصاء
مبدا الصدق
من دائرة
الدفع اللاحق
بعدم الدستورية
وعدم إدخاله
في خانة
الحقوق والحريات
التي يضمنها الدستور،
إلا تتويجا
لتوجه قضائي
تم بمقتضاه
إقصاء باقي
المبادئ المي
ا زنياتية
من الدفع
بعدم الدستورية،
حيث سبق لمجلس
الدولة الفرنسي
أن أخرج
مبدأ سنوية
الميزانية من
دائرة "الحقوق والحريات".
وهو التوجه
القضائي السائر على
باقي المبادئ
الميزانياتية، كالشمول،
الوحدة والتخصيص،
طالما تعتبر
هذه المبادئ
بمثابة وسائل
لخدمة البرلمانيين وليس
المواطن، فبالأحرى
المتقاضي، وعبارة
عن قواعد
تستهدف التدبير
الجيد للأموال
العمومية.
فبحجة عدم المساس بمبدأ الصدق، تغاضى المجلس الدستوري الفرنسي في عدة قرارات له سنة 1997 و 1998عن إثارة المساس بمبدأ شمول الميزانية بل أكثر من هذا، وفي قرار 442 - 2000 DC بشأن قانون مالية سنه ، برر المجلس غياب تقييم مبلغ موارد الاقتراض وعمليات الخزينة والذي يعتبر انتهاكا صريحا للقانون التنظيمي لقانون المالية
لثاني يناير
1959 بدعوى
أن هذا
الإغفال لا
يمس بمبدأ
الصدق.
إن هذا
التوجه القضائي،
تم تأكيده
من طرف
المجلس الدستوري
الفرنسي سنة
2012 ، عند
بثه في
الطعن الموجه لصدق
قانون مالية
2013 ، حيث
أكد المجلس
أن صدق
قانون المالية
للسنة، يقاس
بوجود نية
مبيته لخلط
المعالم الكبرى
للتوازن الذي
يحدده هذا
القانون ، وهو
المبدأ الذي
عمل المجلس
المذكور على
التذكير به
في قرار
له سنة
2015، أقر
من خلاله
بصدق قانون
المالية لسنة
2016 ، رغم
فرضية التضخم
المرتفعة التي
تم وضعها،
وذلك لعدم وجود
النية المذكورة.
وقد استمر
القضاء الدستوري
الفرنسي في
نفس التوجه
المتمثل في
الاستناد على
نية الحكومة
مراوغة نواب
الأمة أو
مغالطة التوازنات
التي تبنتها،
بمناسبة نوره
في الطعن
الموجه سنة
2018 من
طرف 60 ستين
نائبا فرنسيا بخصوص
عدم صدق
قانون المالية
الأصلي لسنة
2019 ، بدعوى
أن توقعاته
مبنية على
مرتكزات حديثة
العهد أوعلى
إجراءات لم
تعتمد بعد
أو على
إجراءات اقتصادية
مازالت لم
تجد طريقها
للتطبيق، ما
يخل بصدق
المشروع المقدم