مقومات و خصوصية النظام السياسي في المغرب على ضوء التجارب الدستورية الدولية
مقومات و خصوصية النظام السياسي في المغرب على ضوء التجارب الدستورية الدولية
لكل نظام سياسي مقومات ومبادئ تحكم مسيرته وتحدد إطاره، وترسم له أهدافه وغاياته، ووضوح هذه
المقومات والمبادئ يفسر كثيرا من غوامض المواقف، ويجيب عن كثير من التساؤلات، ويساعد الباحثين
والدارسين على حسن الاستنتاج ودقة التحليل وسلامة التوقع.
لهذا يعتبر النظام السياسي المغربي مزيجًا
بين التراث الإسلامي والتقاليد السلطانية والأعراف الديمقراطية الحديثة، تلعب فيه المؤسسة الملكية الدور
الأساسي والفاعل الرئيس، بفضل اختصاصاتها الدستورية الواسعة وترسانتها الرمزية الهائلة، وهو نظام
يمزج بين المضمر والمعلن والمقدس والمكتوب والعرفي والتقليدي والحديث.
من خلال المنطلقات النظرية السابقة
)تطبيقات الفصل بين السلط( ، سنحاول ملامسة ملامح طبيعة النظام السياسي المغربي. بهذا الخصوص، أثار دستور 2011 الذي جرى التصويت عليه بأغلبية فاقت 98 %
الكثير من القراءات، وذلك بحسب مواقع الفاعلين ومواقفهم السياسية، فهناك من اعتبره تقدما ملحوظا من
حيث البناء المؤسساتي للبلاد، وهناك من اعتبره دستورا ديمقراطيا يمكن أن يضع حدا فاصلا بين مرحلة
الاستبداد ومرحلة الدخول إلى الديمقراطية، وبالمقابل نظر إليه البعض الآخر على أنه تكريس لنفس
الثوابت الدستورية السابقة
.وعموما، فقد مثلت سنة
2011 ، دون أدنى شك، منعطفا تاريخيا فاصلا ونتاجا
لسنوات من العمل المتواصل المتمثل في مختلف الأوراش الإصلاحية والمبادرات التحديثية المتتالية في
سياق تاريخي دولي دقيق، وفي خضم الأحداث التي كان العالم العربي وما يزال مسرحا لها، ولقد توج
هذا الإصلاح بخطاب
9 مارس
2011 ليعلن الملك من خلاله عن مبادرته الداعية إلى إجراء تعديلات
دستورية عميقة وشاملة .
1 في المقومات الجديدة للنظام السياسي المغربي -
على خلاف الدساتير الخمسة التي اعتمدها المغرب، بدءا بدستور
7 دجنبر
1962 وانتهاء بدستور 13
شتنبر 1996 ، والتي يمكن اعتبارها دساتير أطرت فلسفة الحكم في إطار الملكية الأولى، وهي فلسفة
ترتكز على إقامة نظام ملكية تنفيذية، فإن دستور فاتح يوليوز 2011 ، وهو الدستور الذي يدشن بداية
لمرحلة ثانية، قد سعى إلى إقامة نظام ملكية متوازنة نسبيا، سواء على مستوى المبادئ أو المقومات
المعتمدة . لقد سعى دستور فاتح يوليوز
2011 إلى تجاوز المبادئ الثلاثة التي كانت معتمدة في الدساتير السابقة،
فهو، من جهة، اعتمد مبدأ توازن السلطات، حيث أقر لأول مرة السلطة القضائية وكرس استقلاليتها عن
السلطتين التشريعية والتنفيذية، بعدما كانت الدساتير السابقة تتأسس على مبدأ وحدة السلطة وتوزيع
الوظائف؛ ومن جهة ثانية، نظم كيفية التداول على تدبير الشأن الحكومي بعدما كانت الدساتير السابقة
غير واضحة في هذا الشأن، إذ كانت تترك للملك صلاحية تعيين الوزير الأول بصرف النظر عن انتمائه
إلى حزب سياسي من عدمه، فدستور فاتح يوليوز 2011 حدد قواعد التداول بحيث نص على أن الملك
يعين رئيس الحكومة من الحزب الذي يتصدر نتائج الانتخابات التشريعية طبقا لمقتضيات الفصل 47 من
الدستور الجديد؛ ومن جهة ثالثة، فإن هذا الأخير كرس مبدأ سمو الدستور بعدما كانت الدساتير السابقة
تسير في اتجاه تكريس مبدأ سمو المؤسسة الملكية .
ما هي أبرز اختصاصات كل من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ؟
السلطة التشريعية، أي البرلمان، يتكون من مجلسين، مجلس النواب، وينتخب أعضاؤه بالاقتراع العام -
المباشر لمدة خمس سنوات، ا ما مجلس المستشارين فينتخب أعضاؤه )ما بين 90 و 120 ( بالاقتراع
العام غير المباشر، لمدة ست سنوات، من ممثلين للجماعات الترابية )جهات، ومجالس جماعية، مجالس
عمالات وأقاليم(، والغرف المهنية، والمنظمات المهنية للمشغلين، وممثلي المأجورين . يمارس البرلمان السلطة التشريعية؛ ويصوت على القوانين، ويراقب عمل الحكومة، ويقيم السياسات
العمومية .والملاحظ أن دستور 2001 وسع، بصفة ملحوظة وواضحة، مجال القانون أي المجالات التي
يشرع فيها البرلمان : الحقوق والحريات الأساسية، نظام الأسرة والحالة المدنية، نظام الوسائط السمعية
البصرية والصحافة، العفو العام، الجنسية ووضعية الأجانب، تحديد الجرائم والعقوبات الجارية عليها،
التنظيم القضائي وإحداث أصناف جديدة من المحاكم، المسطرة المدنية والمسطرة الجنائية، النظام
الأساسي العام للوظيفة العمومية، نظام مصالح وقوات حفظ الأمن، نظام الجماعات الترابية ومبادئ
تحديد دوائرها الترابية، النظام الانتخابي للجماعات الترابية ومبادئ تقطيع الدوائر الانتخابية، النظام
الضريبي ووعاء الضرائب ومقدارها وطرق تحصيلها، النظام القانوني لإصدار العملة ونظام البنك
المركزي، نظام الجمارك، نظام الالتزامات المدنية والتجارية وقانون الشركات والتعاونيات، الحقوق
العينية وأنظمة الملكية العقارية العمومية والخاصة والجماعية، نظام النقل، علاقات الشغل والضمان__ الاجتماعي وحوادث الشغل والأمراض المهنية، نظام الأبناك وشركات التأمين والتعاضديات، التعمير
وإعداد التراب، تدبير البيئة وحماية الموارد الطبيعية والتنمية المستدامة، نظام المياه والغابات والصيد،
تحديد التوجهات والتنظيم العام لميادين التعليم والبحث العلمي والتكوين المهني، إحداث المؤسسات
العمومية وأشخاص القانون العام، تأميم المنشآت ونظام الخوصصة …
وللبرلمان كذلك صلاحية التصويت على قوانين تضع إطارا للأهداف الأساسية لنشاط الدولة في الميادين
الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية. كما يصدر قانون المالية بالتصويت من قبل البرلمان … أما السلطة التنفيذية فتتمثل في الحكومة المكونة من رئيس الحكومة والوزراء، ويمكن أن تضم كتابا للدولة . وتمارس الحكومة السلطة التنفيذية. وتعمل تحت سلطة رئيسها على تنفيذ البرنامج الحكومي وعلى
ضمان تنفيذ القوانين.
وتوضع الإدارة تحت تصرفها؛ كما تمار س الإشراف والوصاية على المؤسسات
والمقاولات العمومية . أما رئيس الحكومة فيمارس السلطة التنظيمية، ويقوم بالتعيين في الوظائف المدنية في الإدارات العمومية، وفي الوظائف السامية في المؤسسات والمقاولات العمومية. ويرأس مجلس الحكومة الذي
يتداول في جملة محددة من القضايا والنصوص:
السياسة العامة للدولة قبل عرضها على المجلس
الوزاري، السياسات العمومية، السياسات القطاعية، طلب الثقة من مجلس النواب قصد مواصلة الحكومة
تحمل مسؤوليتها، القضايا الراهنة المرتبطة بحقوق الإنسان وبالنظام العام، مشاريع القوانين ومن بينها
مشروع قانون المالية قبل إيداعها بمكتب مجلس النواب، مشاريع المراسيم التنظيمية، المعاهدات
والاتفاقيات الدولية قبل عرضها على المجلس الوزاري، تعيين الكتاب العامين ومديري الإدارات
المركزية بالإدارات العمومية ورؤساء الجامعات والعمداء ومديري المدارس والمؤسسات العليا …
أما السلطة القضائية فهي سلطة مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية.
ويضمن الملك استقلال
القضاء؛ ويسهر المجلس الأعلى للسلطة القضائية على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة، ولا سيما فيما
يخص استقلالهم وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهم وتأديبهم.
يرأس الملك المجلس الأعلى للسلطة القضائية، ويتألف من الرئيس الأول لمحكمة النقض، كرئيس
منتدب، ومن القضاة المعينين أو المنتخبين، حيث تضمن تمثيلية النساء القاضيات، وأيضا من الوسيط
ورئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالإضافة الى خمس شخصيات يعينها الملك، مشهود لها بالكفاءة
والتجرد والنزاهة، والعطاء المتميز في سبيل استقلال القضاء وسيادة القانون من بينهم عضو يقترحه
الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى .
2 الهندسة الدستورية المغربية وطبيعة النظام السياسي في ضوء دستور - 2011 :
إن المبادئ الثلاثة المشار إليها أعلاه تحدد، إلى حد بعيد، طبيعة النظام السياسي المغربي، حيث يمكن
مقاربته انطلاقا من معيارين:
معيار شكلي يجعل نظام الملكية في المغرب أقرب، في جوهره، إلى نظام
الجمهورية الخامسة الذي كرسه دستور
1958 في فرنسا والذي يتأسس على مقومين أساسيين: مركزية
رئيس الدولة من جهة، وتقليص صلاحيات المؤسسة البرلمانية من جهة أخرى؛ ومعيار موضوعي يأخذ
بعين الاعتبار خصوصية النسق السياسي المغربي وطبيعة موازين القوى القائمة بين مختلف الفاعلين
السياسيين. من هذا المنطلق، يرتكز النظام السياسي المغربي، حسب مقتضيات دستور فاتح يوليوز
2011 ،
على مقومين أساسيين: يتمثل الأول في كون المؤسسة الملكية ضامنة للتوازنات؛ ويتجلى
الثاني في تكريس مبدأ تراتبية السلطة في العلاقة بين المؤسسة الملكية ومؤسسة الحكومة__ بالنسبة إلى المقوم الأول فهو يتمثل في كون الملكية مؤسسة محورية ضابطة للتوازنات، وهذه التوازنات
تنقسم إلى توازنات ثقافية واجتماعية وتوازنات مؤسساتية وسياسية .
على صعيد التوازنات الثقافية والاجتماعية فهي تنصب على مجال الهوية والحقوق والحريات.
ففي ما
يتعلق بمجال الهوية، فإنه لأول مرة في الدستور المغربي يمكن الحديث عن هوية يتم التمييز فيها بين
مكوناتها وروافدها، حيث تتشكل مكونات هذه الهوية من المكون العربي الإسلامي والمكون الأمازيغي
والمكون الصحراوي الحساني .
أما روافد هذه الهوية فتشمل الرافد العبري والرافد الأورومتوسطي والرافد الأندلسي والرافد الإفريقي،
كما أن الدين الإسلامي يتبوأ مركز الصدارة في هذه الهوية، والإسلام المشار إليه هو الإسلام الذي
يتأسس على قيم الاعتدال والتسامح والانفتاح والحوار .
أما في ما يتعلق بمجال الحريات والحقوق الاساسية، فالمؤسسة الملكية هي الضامنة لها كما تنص على
ذلك مقتضيات الفصل
42 من الدستور الجديد .
أما بالنسبة إلى الصنف الثاني من التوازنات، فهي ذات طبيعة مؤسساتية وسياسية، وتتجلى من خلال
مظهرين: يرتبط المظهر الأول بتحييد كل القطاعات والمجالات الاستراتيجية، إذ إن هناك قطاعات لا
يمكن تسييسها، أي أنه لا يمكن وضعها رهن إشارة الحكومة، مثل المجالين الأمني والعسكري اللذين
يعتبران قطاعين استراتيجيين، لذلك ينبغي أن يكونا مجالين غير خاضعين للتحزيب؛ ويكمن المظهر
الثاني في الصلاحيات المخولة للملك في حالة الاستثناء حسب مقتضيات الفصل
59 من الدستور الجديد .
أما المقوم الثاني فيتجلى في تكريس مبدأ تراتبية السلطة في العلاقة بين المؤسسة الملكية ومؤسسة
الحكومة، وهنا لا يمكن الحديث عن اقتسام للسلطة بقدر ما يجوز الحديث عن تراتبية على صعيد
ممارستها، وهذه التراتبية تعبر عن نفسها من خلال مظاهر وآليات .
تتجلى مظاهر هذه التراتبية في تمتع
الملك بصلاحيات واسعة، سواء في الحالات العادية أو في الحالات الاستثنائية، فهو المسؤول عن
السياسة الدينية باعتباره أميرا للمؤمنين كما ينص على ذلك الفصل
41 من الدستور، وهو المسؤول عن
تدبير المجالات ذات الطبيعة الاستراتيجية، في حين تعمل الحكومة على تنفيذ القوانين وتطبيق برنامجها
الحكومي .
أما بالنسبة إلى آليات هذه التراتبية فتعبر عن نفسها من خلال طبيعة الصلاحيات المخولة لكل من
المجلس الوزاري، الذي يرأسه الملك والذي ينظر إجمالا في التوجهات الاستراتيجية لسياسية الدولة،
والمجلس الحكومي، الذي يرأسه رئيس الحكومة والذي ينظر في العديد من القضايا ويعرض أغلبها بعد
ذلك على نظر المجلس الوزاري .
إن الحديث عن تكريس مبدأ تراتبية السلطة في العلاقة بين المؤسسة الملكية ومؤسسة الحكومة لا
يتناقض مع مبدأ توازن السلطات، فعندما نتحدث عن مبدأ فصل السلطات وتوازنها يكون القصد من ذلك
الاحتفاظ بنوع من المسافة في علاقة السلطة التنفيذية بالسلطة التشريعية أو في علاقة السلطة التنفيذية
بالسلطة القضائية.
ومعلوم أن دستور فاتح يوليوز 2011 وضع حدودا فاصلة، إلى حد بعيد، بين هذه
السلطات الثلاث، أما الحديث عن مبدأ تراتبية السلطة بين المؤسسة الملكية ومؤسسة الحكومة فهو حديث
عن العلاقة الموجودة بين مكوني السلطة التنفيذية:
الملكية من جهة، والحكومة من جهة أخرى كيف تتداخل اختصاصات السلط وكيف يتم توازنها وتعاونها ؟
تتضمن الوثيقة الدستورية عدة آليات تنظم التداخل والتقاطع وتجسد التعاون والتوازن بين اختصاصات
السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، لعل أبرزها :
أولا نظرا لأن أعضاء البرلمان يستمدون نيابتهم من الأمة فإن رئيس الحكومة يعين من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها، كما تمارس الحكومة مهامها تحت مراقبة البرلمان.
وهكذا وبعد تعيين الحكومة، يتقدم رئيسها أمام مجلسي البرلمان مجتمعين، ويعرض الخطوط العريضة للبرنامج الذي يعتزم تطبيقه في مختلف مجالات النشاط الوطني، وبالأخص في
ميادين السياسة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية والخارجية.
ويكون البرنامج موضوع مناقشة
أمام كلا المجلسين يعقبها تصويت في مجلس النواب.
ولا تعتبر الحكومة منصبة إلا بعد حصولها على
ثقة مجلس النواب، المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم، لصالح برنامج
الحكومة .
وبعد تنصيب الحكومة ومباشرتها لعملها، يمكن لرئيسها أن يربط، لدى مجلس النواب، مواصلة الحكومة
تحمل مسؤوليتها بتصويت يمنح الثقة (Vote
de confiance) بشأن تصريح يدلي به في موضوع
السياسة العامة، أو بشأن نص يطلب الموافقة عليه.
وبإمكان مجلس النواب سحب الثقة من الحكومة أو
رفض النص بالأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم.
وبالطبع، يؤدي سحب الثقة إلى استقالة
الحكومة استقالة جماعية .وبإمكان مجلس النواب كدلك أن يعارض في مواصلة الحكومة تحمل
مسؤوليتها، بالتصويت على ملتمس للرقابة (Motion
de censure) إذا وقعه على الأقل خُمس
أعضائه .
ثانيا يعرض رئيس الحكومة أمام البرلمان الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة، إما بمبادرة منه، أو بطلب
من ثلث أعضاء مجلس النواب، أو من أغلبية أعضاء مجلس المستشارين .
ثالثا تعقد جلسة في كل أسبوع لأسئلة أعضاء مجلسي البرلمان و أجوبة الحكومة.
رابعا
يمكن للجان البرلمان في كلا المجلسين أن تطلب الاستماع إلى مسؤولي الإدارات والمؤسسات
والمقاولات العمومية، بحضور الوزراء التابعين لهم، وتحت مسؤوليتهم .
خامسا يمكن لرئيس الحكومة حل مجلس النواب، بعد استشارة الملك ورئيس المجلس، ورئيس المحكمة
الدستورية، بمرسوم يتخذ في مجلس وزاري.
ويقدم رئيس الحكومة أمام مجلس النواب تصريحا يتضمن،
بصفة خاصة، دوافع قرار الحل وأهدافه .
سادسا على الرغم من أن البرلمان هو المخول له مهمة التشريع، فإن لرئيس الحكومة ولأعضاء
البرلمان على السواء حق اقتراح النصوص القانونية.
أكثر من دلك يؤذن للحكومة أن تتخذ في ظرف
محدود من الزمن، ولغاية معينة، بمقتضى مراسيم تدابير يختص القانون عادة باتخاذها، ويجري العمل
بهذه المراسيم بمجرد نشرها.
غير أنه يجب عرضها على البرلمان بقصد المصادقة، عند انتهاء الأجل
الذي حدده قانون الإذن بإصدارها
. سابعا يمكن لرئيس الحكومة أن يطلب من رئيسي مجلسي النواب والمستشارين عقد اجتماعات مشتركة
للبرلمان، للاستماع إلى بيانات تتعلق بقضايا تكتسي طابعا وطنيا هاما؛ وتنعقد الاجتماعات المشتركة
برئاسة رئيس مجلس النواب
ثامنا
أعضاء الحكومة مسؤولون جنائيا أمام محاكم المملكة عما يرتكبون من جنايات وجنح أثناء
ممارستهم لمهامهم.
ويتمتع أعضاء البرلمان بحصانة وظيفية بحيث تمنع متابعتهم، البحث عنهم، أو
إلقاء القبض عليهم أو اعتقالهم أومحاكمتهم ولكن فقط بمناسبة إبدائهم لرأي أو قيامهم بتصويت خلال
مزاولتهم لمهامهم، ماعدا إذا كان الرأي المعبرعنه يجادل في النظام الملكي أو الدين الإسلامي، أو
يتضمن ما يخل بالاحترام الواجب للملك من
جهة أخرى، كثيرا ما يثار النقاش حول علاقة الملك بالحكومة ولفهم وتطوير هذا النقاش، يجب
استحضار بعض المفاتيح الدستورية والمؤسساتية والمنهجية؛ فدستوريا، يشكل الفصلان ال
42 وال 47
من وثيقة
2011 المفتاح أو الشفرة التي يمكن اعتمادها لتفكيك الخريطة الدستورية، خاصة أن الفصل
ال 42 يعطي صلاحيات كبيرة للملك باعتباره رئيسا للدولة.
أما الفصل ال 47 فهو يحدد العلاقة بين الملك
والحكومة في مستوياتها الإجرائية والتأديبية.
فعندما نعود إلى التاريخ الدستوري المغربي، نقف على
ثوابت العلاقة بين الملك والوزراء وتحوّلاتها
. ف اذا كان الخطاب المواكب لدستور 2011 قد قوّى من
موقع الوزير الأول الذي أصبح رئيسا للحكومة، وعلى تعزيز المسؤولية السياسية للحكومة أمام البرلمان،
فإن مضمون الدستور لم يذهب بعيدا في اتجاه ضمان استقلالية الوزراء تجاه المؤسسة الملكية.
إذ تنص
الفقرة الثالثة من الفصل
47 من الدستور على أن للملك بمبادرةٍ منه، بعد استشارة رئيس الحكومة، أن
يعفي عضواً أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم.
والواقع أن هذه الفقرة تجسّد بشكل واضح سمو
المؤسسة الملكية ومحوريتها وإشرافها على السلطة التنفيذية، وهو ما يبرز كذلك من خلال ترؤس الملك
المجلس الوزاري، وعبر العلاقة التراتبية والرئاسية التي تجمعه بالحكومة
. تتجلى الدلالات المباشرة لهذا
التنصيص في جعل الوزراء أفرادا تابعين للملك، إذ يحق له عزل أحدهم، أو مجموعة منهم، بمجرد
استشارة رئيس الحكومة ، وهذا يعني أن الوزراء مسؤولون أمام الملك، وأن له تقييما فيما يخص عملهم،
بصرف النظر عن رأي رئيس الحكومة فيهم.
إذا كان من شأن تقوية دستور
2011 لمؤسسة الحكومة، وتعزيز استقلاليتها، من حيث التأليف، عبر
دسترة المنهجية الديمقراطية، وعدم إمكانية إقالة الملك رئيسها، أو من حيث الصلاحيات، عبر منحها
جزءا من الاختصاصات، التي تمارسها عبر المجلس الحكومي، من دون العودة إلى المجلس الوزاري، أن
يقوي إمكانياتٍ تلمس الأبعاد
"البرلمانية" في الوثيقة الدستورية، والتي تبرز أساساً من خلال علاقة
الحكومة بالبرلمان و انبثاقها منه ومسؤوليتها أمامه، ففي المقابل، يظل الدستور المغربي حاملا بقُوة بعدهِ
"الرئاسي"، والمتمثل أساسا في علاقة الحكومة بالملك، وهي العلاقة التي تسمح، في النهاية، بجعل