محدودية الرقابة السياسية على المالية الترابية
تمارس عمليات المالية المحلية تأثيرا واضحا على الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والمحلي للأفراد والجماعات مما يوجب تفعيل دورهم الرقابي على مالية الجماعات الترابية لجعل إدارة واستعمال الأموال العمومية تخدم
حاجاتهم.
تتجلى الرقابة السياسية بشقيها الداخلية والخارجية في الرقابة على الأجهزة ، وتلك الممارسة على النشاط المالي
للجماعات الترابية. و فضلا عن الرقابة التي يقوم بها المجلس التداولي تنضاف رقابة جمعيات المجتمع المدني ورقابة الرأي
العام الوطني والمحلي، ورقابة الأحزاب على منتخبيها، وكذا رقابة المواطنين والناخبين، ووسائل الإعلام المختلفة.
نظرا لمحدودية هذه الرقابة لم تتطرق لها الدراسات إلا باختصار شديد كما أن القوانين التنظيمية لم تحدد بدقة كيفية
ممارستها مقارنة بالرقابة الإدارية والقضائية التي تطرقت لها مواد القوانين التنظيمية بكثير من التفصيل.
سنقارب محدودية الرقابة السياسية من خلال مدخلين:
محدودية الرقابة السياسية على ضوء القوانين التنظيمية
محدودية الرقابة السياسية على ضوء الممارسة السياسية الفعلية.
I .محدودية الرقابة السياسية على ضوء القوانين التنظيمية
1 .العرائض المقدمة من قبل المواطنات والمواطنين والجمعيات
نظم الباب السادس من القانون 113/14شروط تقديم العرائض من قبل المواطنات والمواطنين والجمعيات يكون
الهدف منها مطالبة المجلس بإدراج نقطة تدخل في صلاحياته من جدول أعماله. وتتجلى محدودية هذا الإجراء أنه
في حالة قبول العريضة، تسجل في جدول أعمال المجلس في الدورة العادية الموالية وتحال إلى اللجنة أو اللجان الدائمة
المنتخبة لدراستها قبل عرضها على المجلس للتداول في شأنها. يخبر رئيس المجلس وكيل أو الممثل القانوني للجمعية،
حسب الحالة، بقبول العريضة. في حالة عدم قبول العريضة من قبل مكتب المجلس، يتعين على الرئيس تبليغ الوكيل والممثل
القانوني للجمعية، حسب الحالة، بقرار الرفض معللا داخل أجل ثلاثة أشهر ابتداء من تاريخ تو صله بالعريضة.
2 .المحدودية التي تفرضها الأجال القانونية.
تحد الأجال القانونية للتداول من تفعيل الدور الرقابي لأعضاء المجلس حيث تحدده المادة34 من القانون
113/14 في 15 يوما وكل تمديد يتم بقرار من الرئيس أو من الأغلبية المطلقة أو بطلب من العامل أو من ينوب
عنه وهذا ما نصت عليه المواد 35 -36 -37 من نفس القانون.
يجب أن تعتمد الميزانية في تاريخ أقصاه 15 نوفمبر. المادة 185 فق3.
ويتعين على الأمر بالصرف أن يوجه إلى عامل العمالة أو الإقليم في تاريخ أقصاه 10ديسمبر الميزانية المعتمدة
أو غير المعتمدة مرفقة بمحاضر مداولات المجلس. المادة 187 فق2.
الاجال المقررة في هاتين المادتين و المواد 188،189 ،191 ،192 ،193.محددة مما يجبر المجلس على
احترامها في التداول حول الميزانية و اعتمادها، و إلا وضع عامل العمالة أو الإقليم ميزانية للتسيير على أساس آخر
ميزانية مؤشر عليها مع مراعاة تطور تكاليف وموارد الجماعة، وذلك داخل أجل أقصاه 31 ديسمبر.
تجدر الإشارة إلى أن ترك الاجال مفتوحة كما كان سابقا يشل حركية العمل داخل الجماعات ويعرقل السير العادي
بها؛ وإذا لم يتم التصويت والمصادقة على الميزانية قبل بداية السنة المالية فإن ذلك يؤدي إلى شل حركية الأمرين بالصرف
و يمنعهم من حيث المبدأ من إصدار الأوامر بتحصيل المداخيل وأداء النفقات طالما لم يؤذن بها وتقرر بموجب وثيقة
الميزانية و لذلك أوصى جل المشاركين في الملتقيات الجهوية حول تعديل الميثاق الجماعي بضرورة عقلنة آجال
التصويت والمصادقة والعمل على إيجاد حلول قانونية لهذا المشكل.وإن التعديلات التي تضمنها القانون 08-45 في هذا
الباب لتعتبر استجابة لهذا المطلب حتى أصبحت مسطرة إعداد الميزانيات والتصويت والمصادقة عليها خاضعة لأجال دقيقة يؤدي عدم احترامها إلى خرق مبدأ الشرعية.
3 .محدودية التداول داخل المجالس
يقتصر التداول بشأن النقط الواردة في جدول الأعمال فقط مع احقية المجلس رفض إدراج أي نقطة في جدول
الاعمال ما لم يقدم طلب بشأنها من قبل نصف الأعضاء ينضاف تعرض العامل على تداول ما لايدخل في صلاحيات المجلس مع إمكانية اللجوء إلى القضاء الاداري وهذا ما نظمته المواد38 -39 -40 من القانون 113/14.
4 .عدم حضور العموم لجلسات المجلس.
تكون جلسات مجلس الجماعة مفتوحة للعموم ويتم تعليق جدول أعمال الدورة وتواريخ انعقادها بمقر الجماعة ....
المادة 48 من القانون 113/14 .لكن المواطنين غير مهتمين برقابة الأعمال المالية للجماعة ولا يحضرون الجلسات التداولية
ولا حتى اللقاءات التواصلية التي ينظمها المجلس الجماعي مما يحد من فعالية الرقابة السياسية.
5 .عدم تحميل الرئيس المسؤولية السياسية
نظمت المواد من 70 إلى 76 من القانون 113/14 آليات مطالبة الرئيس بالاستقالة إضافة إلى مسؤولية المجلس
والرئيس إذا كانت مصالح الجماعة مهددة أو عند رفض المجلس القيام بالأعمال المنوطة به.
وحددت المواد التدابير التي
تقوم بها سلطة الوصاية والحالة هذه بما فيها إحالة الأمر إلى المحكمة الإدارية . وكما هو ملاحظ في جميع مواد القانون لاترد آليات وإجراءات المراقبة السياسية سوى في تحديد نسب الأعضاء و الإحالة على المحكمة الإدارية. وحسب نظرنا لأن الشأن السياسي من اختصاص النخب التي يتوجب عليها تطوير ممارساتها.
6 .تجاوز رئيس الجماعة لاختصاصاته
يفصل مجلس الجماعة بمداوالته في القضايا التي تدخل في اختصاص الجماعة ويمارس الصلاحيات الموكولة إليه
بموجب أحكام هذا القانون التنظيمي113/ 14 الذي فصلها في المادتين 92و93 .كما فصلت المواد من94 إلى 112
اختصاصات الرئيس الذي يقوم بتنفيذ مداولات المجلس ومقرراته، ويتخذ جميع التدابير اللازمة لذلك، لكن عمليا نجد الرئيس
يمارس جميع الصلاحيات مما يجعل رقابة المجلس محدودة جدا.
7 .لجنة التقصي )المادة 215)
تكوين لجان التقصي يكون بطلب نصف عدد الأعضاء وهي نسبة مهمة يصعب تكوينها من قبل الأقلية المعارضة
كما تنتهي مهمتها بإيداع تقرير يناقشه المجلس ويقرر في شأن توجيه نسخة منه إلى المجلس الجهوي للحسابات، ونظرا
لتركيبة المجالس وهيمنة الرئيس و الأغلبية المساندة له لا يتصور أن توجه نسخة من تقارير التقصي إلى المحاكم المالية.
8 .الحساب الاداري ألغي في القوانين الجديدة و تم تعويضه بالتدقيق المحاسباتي و المالي.
*الملاحظة العامة :
لايمكن للرقابة السياسية أن تتجاوز الرقابة الادارية والقضائية في حين يمكن للرقابة الادارية ألا تأخذ برأي القضاء المالي
.
II .محدودية الرقابة السياسية على ضوء الممارسة السياسية الفعلية
دراسة مشروع الميزانية من طرف المجلس المنتخب لا تكون إلا شكلية لكون هذه الدراسة لاتؤدي في أغلب
الحالات إلى إدخال تعديلات جوهرية على مشروع الميزانية و تبقى محدودة جدا :
- لغياب تأهيل و تجربة العديد من أعضاء المجالس الجماعية و عدم تمكنهم من دراسة الميزانية بكيفية دقيقة بالنظر لطابعها
التقني و المحاسبي.
- الأغلبية المساندة للرئيس تدعو إلى المصادقة على المشروع دون تعديل أو تغيير إلا بموافقة الرئيس وبالمقابل ترفض
الإقتراحات و التعديلات التي تقدم من طرف الأقلية المعارضة والتي تجعل من المراقبة السياسية عائقا لعرقلة اعتماد
وتنفيذ الميزانية.
- تعرف المجالس المحلية تفرقة وصراع يحول دون تكوين جهاز سياسي فعال و مؤهل لممارسة دوره الرقابي ينضاف
إلى ذلك الغياب الشبه التام للمحاسبة على أساس البرنامج السياسي الانتخابي
.إن من بين الأسباب الذاتية الأساسية للشدة والصرامة الرقابية في شقها الإداري ، تدني المستوى السياسي والتعليمي
لمعظم النخب المحلية، وهو كذلك السبب الرئيسي لضعف الرقابة السياسية الداخلية على الجماعات الترابية. فالمنتخب
المحلي في المغرب، و لأاسباب واعتبارات ذاتية وموضوعية كثيرة ومتنوعة، ظل دائما ضعيف المستوى السياسي والتعليمي
وحتى الأخلاقي . و لا شك أن ذلك راجع بالأساس إلى مسألة خلق النخب في المغرب، فالسبل التي تؤدي إلى ولوج عالم
النخبة السياسية في المملكة معروفة.
إن ضعف الفعالية وغياب النجاعة في الرقابة السياسية على الجماعات الترابية بالمغرب
-بشقيها الداخلية والخارجية- مرتبط بعوامل ومعطيات كثيرة ومتعددة يصعب جردها والتحكم فيها بسهولة وتحتاج إلى كثير
من البحث.