أرسطو:غاية السياسة تحقيق الخير الأقصى
يتصور أرسطو أن كل الكائنات لها غاية مرتبطة بطبيعتها ’ فلا شيء خلق في الحياة عبثا . و غالبا ما تعتبر تلك الغاية خيرا من نوع معين . و إذا كان السلوك البشري غائيا ’ فإن كل بحث أو علم ’ إنما يهدف إلى غاية ما هي بدورها خير . و من تم يعرف الخير بأنه الغاية التي يرمي إليها كل شيء آخر . و لما كانت الأنشطة الإنسانية و الفنون و العلم كثيرة فإن نتجة ذلك ’هي تنوع و التعدد تلك الغايات . فعلم الطب يروم حفظ الصحة ’ و علم الملاحة يهدف إلى بناء السفن ’ و الفنون العسكرية تتوخى تحقيق النصر في الحرب. و يسعى علم الاقتصاد إلى مراكمة الثروة . و هكذا نجد أنفسنا أمام غايات مختلفة يندرج بعضها تحت بعضن بحيث تكون بعض الغايات وسائل لبلوغ غايات أعلى، لكن أرسطو ينبه إلى أن سلسلة الغايات لا يمكن أن تسير الى ما لا نهاية، فلابد أن يكون هناك حد لتلك الغايات، بمعنى أن تكون هناك غاية تطلب لذاتها، بحيث تكون كل الغايات الأخرى مطلوبة للوصول إليها، هذه الغاية الوحيدة أو لسامية هي "الخير الأقصى" أو " الخير المطلق"
هذه الرؤية الأرسطية إلى السياسة ترتبط ارتباطا وثيقا بتصوره للماهية والوجود وبنزعته الغائية، فكل الكائنات تحمل ماهيتها في ثناياها، هذه الماهية تنجلي تدريجيا إذا ما سامحت لها الظروف، إن الماهية محايثة للوجود التاريخي، ولا يمكن فصل هذا الوجود عن وجود أخر مفكر فيه عقليا، فكل الموجودات الواقعية تخفي ماهيتها في كنهها، فالإنسان والمجتمع والدولة كائنات تحمل ماهيتها في ذاتها، لذا ينبغي البحث عن تلك الماهيات من خلال التأمل والملاحظة والتجربة، ثم إن وجود الكائنات هو وجود أصيل خلاف لما يعتبره السوفسطائيون وجودا عارضا، يعتبر هؤلاء أنه لا وجود لذات أصيلة، وأن الفيلسوف لا يملك إلا وصف الأشياء، كالقول إن الإنسان طبيب أو نجار، لكن أرسطو يعتبر تلك الأوصاف عارضة، فالإنسان يكون إنسانا قبل أن يكون طبيبا أو نجارا، فهذه الأوصاف لاتحدد ماهية الإنسان على أن كل الكائنات ترمي الى غاية فهي تنشأ وتتطور لترقى إلى حياة أفضل، تأسيسا على هذا لا تتجلى ماهية الإنسان باعتباره حيوانا سياسيا إلا في إطار المجتمع السياسي، كما أن السياسة تبحث عن الخير باعتباره أسمى غاية، فالأشياء الجميلة والخيرة هي موضوع السياسة.