التشغيل بالعقدة في الإدارة العمومية،
نموذج قطاع التربية الوطنية
يعد
قطاع التشغيل من القطاعات الأساسية التي تؤرق الفاعل العمومي، وتمثل سياسة التشغيل
بعدا مهما من أبعاد السياسات الاجتماعية والاقتصادية في عصرنا الحاضر، ولا غرو في
أن يكون هذا القطاع إحدى المجالات الرئيسة للفعل العمومي، التي تتم من خلالها
مقاربة نجاح أو فشل أي تدبير حكومي.
وتتعد
اصناف العاملين بإدارات الدولة المركزية واللامركزية من موظفين وأعوان نظاميين
متمرنين وأشخاص متعاقدين إضافة إلى أعوان مؤقتين[1]، وعرضيين ومياومين وأعوان
خاضعين لأحكام القانون الخاص[2]. وكلهم يندرجون في إطار
الموارد البشرية للإدارات العمومية، من أجل تأمين خدمات المرافق العمومية مركزيا
وجهويا وإقليميا، لكنهم يختلفون من حيث وضعهم ومركزهم القانوني إزاء الإدارة التي
توظفهم أو تشغلهم حسب نمط الذي تختاره تلك الإدارات في سياقات تاريخية تختلف
باختلاف التوجهات والرؤى الحكومية وسياساتها العمومية. وقبل الخوض في نظام التشغيل
بموجب العقود في قطاع التربية الوطنية (الفقرة الثانية) سنتعرض إلى الوضعية
القانونية للعاملين بالمؤسسات العمومية في الفقرة الأولى
الفقرة الأولى: الوضعية الإدارية
والقانونية للعاملين بالمؤسسات العمومية
تخضع
الوضعية القانونية للعاملين بالمؤسسات والمقاولات العمومية لمقتضيات الظهير الشريف
رقم 113-62-1[3]
بشأن النظام الأساسي لموظفي مختلف المقاولات، والمرسوم التطبيقي رقم 164-63-2 التي
تحدد بموجبه القواعد العامة المطبقة على مختلف المؤسسات، فمقتضيات الظهير السالف
الذكر رقم 113-62-1 بشأن
النظام الأساسي لموظفي مختلف المؤسسات، تنص على أن "...المؤسسات العمومية والمقاولات
التي تقدم رأس مالها الدولة أو جماعة عمومية وكذا سائر المقاولات المستفيدة من
احتكار أو امتياز تمنحه الدولة يتعين عليها وضع نظام أساسي للموظفين الذين
تستخدمهم بصفة مستمرة، ويوضع هذا النظام الأساسي استنادا إلى مرسوم يحدد القواعد
العامة ولاسيما في ميادين التعيين والرواتب والترقية والتأديب"[4].
وينبغي
"أن يعرض هذا النظام على تأشيرة وزير المالية والسلطة الحكومية المكلفة
بالوظيفة العمومية، ولا يطبق إلا بعد المصادقة عليه بموجب مرسوم يتخذ باقتراح من
الوزير المكلف بممارسة الوصاية أو عند عدمه من المكلف بالمراقبة المالية".
كما
تضم المقاولة العامة، سواء كانت عبارة عن شركة عمومية أو مؤسسة عمومية العديد من
المستخدمين تطبق عليهم أنظمة قانونية خاصة بهم، إذ يخضعون إما لنظام قانوني خاص،
أو لبرتوكول اتفاقي. وإذا كان إعداد الأنظمة الأساسية لعمال المقاولات العامة يخضع
للمراقبة القبلية من لدن وزير المالية حسب ما تنص عليه المادة 7 من القانون 69-00 [5].
أما
بالنسبة لبرتوكول الاتفاق، كأسلوب يتم اعتماده في إعداد النظام القانوني لبعض عمال
المقاولات العامة، فهو لا يطبق إلا على مجموعة ضئيلة من المقاولات العامة، وخاصة
تلك التي تتخذ شكل شركة مساهمة[6]، ويتم إعداد هذا البرتوكول
بتعاون المقاولة مع وزارة الاقتصاد والمالية باعتبارها السلطة الحكومية الوصية
عليها ويتضمن شروط التشغيل والترقية والأجور.
ووفقا
للفصل الثاني من المرسوم التطبيقي، فإن موظفي المؤسسات العمومية يتكونون من
"الأعوان الدائمين المتكونين من الأعوان النظاميين المتمرنين والرسميين
الخاضعين لنظام الأساسي للوظيفة العمومية، ومن جهة أخرى من موظفي الإدارات
العمومية الموضوعون في وضعية الإلحاق، وأعوان غير الدائمين "، وتم تصنيف
الأعوان الدائمين إلى أربعة أصناف وهي على الشكل التالي:
1. الأعوان المكلفون
بإنجاز أشغال التأسيس لمدة معينة أو بإنجاز إصلاحات كبرى لا يكفي عدد المستخدمين
العادي لتحقيقها.
2. الأعوان المعينون لمواجهة
تزايد شغل مؤقت أو موسمي.
3. الأعوان المعينون بصفة
استثنائية ليخلفوا مؤقتا عونا دائما متغيبا.
وتستفيد هذه الأصناف الثلاثة من الشروط العامة للتشغيل
والأجور المطبقة على أعوان الدولة المياومين والمؤقتين، مع العلم أن هذه الأصناف
لم تعد الإدارات العمومية تعتمد على خدماتها، حيث تم إصدار مجموعة من المناشير
الحكومية تمنع توظيف هذه الأصناف من الأعوان. نظرا لأن هذه الإدارات أضحت تعتمد
على الشركات المناولة الخاصة من أجل القيام بمثل هذه الأعمال.
4. الأعوان المعينون
بعقد، فهذه الفئة لا يمكن في أية حالة من الأحوال أن تستفيد من حالة أكثر فائدة من
حالة عون دائم يتوفر على نفس الشروط المتعلقة بالإجازات والشهادات.
وعموما
فإن المؤسسات العمومية تعد شكلا من أشكال اللامركزية الإدارية، تتمتع بالشخصية المعنوية
والاستقلال المالي والإداري وتخضع لوصاية السلطة الحكومية المعنية. ويمكنها هذا
الاستقلال من الحصول على موارد بشرية لتحقيق الغاية من إنشائها، وقد تخضع هذه
الموارد البشرية لأنظمة مختلفة حسب طبيعة العلاقة التي تربطها بالمرفق العام، وقد
تخضع لمقتضيات النظام الأساسي للوظيفة العمومية في حالة الوضعية النظامية أو تكون
في وضعية تعاقدية وتخضع لقانون الشغل ويكون المبدأ السائد هو أن العقد هو شريعة
المتعاقدين[7].
الفقرة الثانية: التشغيل بموجب عقود
في قطاع التربية الوطنية
يخضع
التشغيل بتقنية التعاقد من طرف الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين في المغرب
لنصوص قانونية وتنظيمية تؤطر الإجراءات والتدابير التي تتخذها هاته الإدارة وهي
بصدد تشغيل أعوان بموجب عقود، وقد اختارت السلطة الإدارية لوزارة التربية الوطنية
منذ سنة 2016 تطبيق هذا النمط لتشغيل أساتذة بموجب عقود للقيام بمهام التدريس داخل
الفصول الدراسية.
وبرجوع
إلى القرار المشترك لوزير التربية الوطنية والتكوين المهني ووزير الاقتصاد
والمالية رقم 7259 بتاريخ 7 أكتوبر 2016 الذي كان المرجع الأساسي لتشغيل الأساتذة
بالأكاديميات والذي تم تعديله وتتميمه في دجنبر 2017، وهو قرار غير منشور. ومن ضمن
الحيثيات التي اعتمادها هذا القرار في أسس بنائه القانوني الظهير الشريف رقم[8] 195-03-1 والذي ينص ضمن
مقتضياته على المتابعة المنتظمة لتسيير الهيئات الخاضعة للمراقبة المالية، والسهر
على صحة عملياتها الاقتصادية والمالية. ولا يشير هذا القانون في مواده إلى أن وزير
المالية يملك صلاحية إصدار قرار يتم بموجبه تشغيل مدرسين بالأكاديميات الجهوية
للتربية والتكوين. كما أن الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 216-77-1 الصادر بتاريخ
20 شوال 1397(4 اكتوبر 1977) في شأن إحداث نظام جماعي لمنح رواتب التقاعد كحيثية
ثانية ضمن حيثيات القرار المشترك، والذي جاء ضمن مقتضياته "يطبق وجوبا على
المستخدمين المتعاقدين الجاري عليهم الحق العام والمستخدمين المؤقتين
والمياومين العرضيين العاملين مع الدولة
والجماعات المحلية،[9]
...".فهذا القانون يحدد الفئات التي يطبق عليها النظام الجماعي لمنح رواتب
التقاعد، وأعطى وزير المالية بالشراكة مع وزير الوظيفة العمومية صلاحية تحديد شروط
الانخراط في هذا النظام، ولم يمنحه صلاحيات وضع شروط التوظيف في المؤسسات العامة.
أما
القانون رقم 00-07 المتعلق بإحداث الأكاديميات كحيثية ثالثة في إنشاء القرار
المشترك لا يتضمن ضمن مقتضياته أي نص يسمح لوزير التربية الوطنية ووزير المالية أن
يصدرا قرارا مشتركا يتم بموجبه تشغيل المدرسين بقطاع التربية الوطنية. وبالمقابل
نجد أن المادة 11 من القانون 00-07 تنص بشكل واضح على أن التوظيف من طرف
الأكاديميات يتم طبقا لنظام أساسي خاص يحدد بمرسوم، وليس بقرار مشترك بين وزيرين.
ولا يوجد في النظام القانوني المحدث للأكاديميات ولا في مراسيمه التطبيقية ما يشير
إلى إمكانية التشغيل بموجب قرار مشترك بين وزير التربية الوطنية ووزير المالية،
وهنا يطرح الإشكال ماهي المرجعية القانونية المعتمدة لإصدار النظام القانوني للتشغيل
في الأكاديميات كمؤسسات عامة. كما أن المادة 10 من نفس القانون 00-07 جاءت لتؤكد
استمرارية خضوع الموظفين والأعوان المنتمين للهيئات التعليمية أو الإدارية أو
التقنية التابعة للقطاع العام لأحكام النظام الأساسي للوظيفة العمومية و لأحكام
أنظمتهم الأساسية الخاصة بعيدا عن أية إمكانية قانونية لتحويلهم من موظفين خاضعين
لنظام أساسي خاص بوزارة التربية الوطنية[10] إلى أطر تابعة لمؤسسة
عمومية، في حين نصت المادة 11 كما أشرنا إلى ذلك أعلاه على أن هيئة المستخدمين
الخاصة بالأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين تتكون من أعوان يتم توظيفهم من طرف
الأكاديمية نفسها طبقا لنظام خاص بهم يحدد بمرسوم وهو ما تمت مخالفته حيت تم إصدار
النظام الأساسي الخاص بأطر أكاديمية الرباط سلا القنيطرة في شكل مقرر مشترك موقع
بين وزيري التربية الوطنية بصفته رئيس المجلس الإداري لأكاديمية الرباط سلا
القنيطرة ووزير الاقتصاد والمالية الذي وضع التأشيرة عليه.
ومن
جهة أخرى، خالف النظام الأساسي الخاص بأطر الأكاديميات الذي صادقت عليه المجالس
الإدارية للأكاديميات مقتضيات المرسوم رقم 164-63-2 الذي بموجبه تحدد القواعد
العامة المطبقة على مختلف المؤسسات العمومية ولا سيما ما يتعلق بنظام المكافآت. أن
انفراد الدولة باعتماد عقود تجمع بين أحكام الوظيفة العمومية وقانون الشغل في مجال
التربية والتعليم في غياب أي إطار قانون يسمح به، وإصدار قرار مشترك بين وزيرين أفقد
المسطرة المشروعية ووسم التجربة بالفشل في صيغتها الأول التي تم خلالها إسناد
لمديري الأكاديميات مهمة إبرام العقود، وفي صيغتها الثانية التي تم الاعتماد فيها
على أسلوب أخر في التعاقد على نظام جديد ليس له أي سند قانوني تحت مسمى
"النظام الأساس الخاص بأطر الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين" والذي
أثار مجموعة من الملاحظات منها:
× اعتماد هذا النظام من
طرف المجالس الإدارية للأكاديميات على الرغم من أن القانون لا يخولها هذه
الصلاحية، وغير مدرج ضمن اختصاصاتها وإصداره بصيغة موحدة في 12 نسخة ل 12 مؤسسة.
× عدم خضوع هذا النظام
لمسطرتي المصادقة والنشر المعتمدة عادة في النصوص التنظيمية، والاكتفاء بنشره على
الموقع الإلكتروني للوزارة دون الإشارة إلى طبيعته هل هو قرار أم مقرر في الوقت
الذي ينص القانون المحدث للأكاديميات على وجوب صدوره بمرسوم.
× اعتماد أسلوب في
الصياغة يجعل منه عقدا في صيغة نظام أساسي، مع ملاحظة نوع من الارتباك في صياغة
مواده ونذكر على سبيل المثال لا الحصر المادة 10 التي تؤسس لبعض حقوق المتعاقد في
مجالات يخضع حق الاستفادة منها لنصوص منظمة لهذه المجالات. فقد تم تسطير هذه
الحقوق دون الإشارة ضمن حيثيات هذا النظام للنصوص المنظمة لها. ويبقى التساؤل فيما
إذا كانت مقتضيات هذه الأنظمة تسمح بانخراط هذه الفئة. ونشير في هذا إلى الانخراط
في نظام التغطية الصحية الإجبارية، وكذا الانخراط في نظام التغطية الصحية المسيرة
من طرف التعاضدية العامة للتربية الوطنية دون غيره من الأنظمة مما يعتبر قيدا
لحرية المنخرط في الاختيار. ونفس الملاحظة بالنسبة للمادة 11 الخاصة بالالتزامات
التي لم ترد مفصلة بنفس الكيفية في أي نص من النصوص المتعلقة بالموظف النظامي. ولا
سيما النظام الأساسي لموظفي الوزارة، والمدرج ضمن حيثيات هذا النظام.
× المادة 17: الخاصة
بساعات العمل الأسبوعية، والتي تشير إلى نصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها
العمل، في حين أنه لا يوجد أي نص تشريعي أو تنظيمي في هذا الشأن. والأمثلة كثيرة
في هذا الشأن
وخلاصة
القول يمكن القول بأن السلطات الإدارية التربوية لم تكن موفقة في تطبيقها لآلية
التشغيل بالتعاقد في قطاع التربية الوطنية لتغطية الخصاص الحاصل في مناصب هيئة
التدريس، بفعل عدم ملاءمة هذا النمط من التشغيل لطبيعة المهام التعليمية والتربوية
التي تقتضي توفير مناخ سليم يضمن الاستقرار والاستمرارية بين الأساتذة وتلاميذ
للتشجيع على التحصيل الجيد والمنتج ومن أجل إضفاء بعد استراتيجي على قطاع حيوي مثل
قطاع التربية والتكوين. مما يؤكد أن تبني وزارة التربية الوطنية لآلية التشغيل
بالعقدة سنة 2016 عوض التوظيف في مناصب مالية دائمة لم يكن خيارا نابعا من قناعات
سياسية واستراتيجية واضحة. وهو ما يظهر من الألفاظ المستعملة في غير محلها وهي
بصدد وضع ترسانة قانونية وتنظيمية لتأطير وتنزيل آلية التعاقد على المستوى الجهوي،
مما أبان عن ضعف في الانسجام على مستوى نسق منظومة التشغيل مقارنة بمنظومة التوظيف[11] بسبب وقع استعمال المفاهيم
المتعددة وذات الحمولات المختلفة في صياغة النصوص القانونية والتنظيمية، من جهة في
علاقاتها بالدوريات والمذكرات الوزارية والمراسلات الجهوية، ومن جهة أخرى في الدفع
الإدارية والتدبيرية المستعملة من طرف الأكاديميات في تسمية الأساتذة المتعاقدين
بموظفي الأكاديميات تارة وأطر الأكاديمية من المدرسين تارة أخرى.
[1] - الموقع الالكتروني مجلة المغرب القانون موقع متخصص تم الإطلاع
عليه يوم 11/04/2020 مساء
[2] - نفس المرجع
[3] - الظهير الشريف الصادر
في 16 من صفر 1382(19 يوليو 1962) في شأن النظام الأساسي لمستخدمي مختلف المنشآت
[4] الفصل الأول من الظهير الشريف رقم 113-62-1
[5] -القانون المتعلق بالمراقبة المالية للدولة على
المنشأت العامة وهيئات أخرى.
[6] - مليكة الصروخ : القانوني للمقاولات العامة
الوطنية والدولية دراسة مقارنة ، الطبعة الأولى سنة 1991 ص 156
[7] - الموقع الالكتروني https://www.hespress.com/opinions/381842.html
تم الاطلاع عليه 16/4/2020
[8] - الظهير الشريف الصادر في 16 رمضان 1424(11
نوفمبر 2003) بتنفيذ القانون رقم 69-00 المشار اليه أعلاه
[9] - الفصل الثاني من الظهير الشريف رقم 216-77-1
بمثابة قانون الصادر في 4 اكتوبر 1977
[10] - المرسوم رقم 854-02-2 الصادر في 10 فبراير
2003 بشأن النظام الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية كما تم تغييره وتتميمه
[11] - تستعمل الحكومة وإداراتها لفظ التوظيف بموجب عقود بالعربية emploi في بعض المراسيم والقرارات التنظيمية وفي مذكراتها الفردية بدل عبارة التشغيل recrutement بموجب عقود التي اسس لها الفصل 6 من النظام الاساسي العام للوظيفة العمومية منذ سنة 1958. في حين يستعمل لفظ التشغيل بمعنى embauche في علاقات العمل في القطاع الخاص