رقابة صفقات الجماعات الترابية
انطلاقا
من المادة 153 التي قامت بتحديد أجل التبليغ بالمصادقة وألزمت أن يكون هذا داخل
أجل خمسة وسبعون يوما ابتداءا من تاريخ فتح الأظرفة أو تاريخ التوقيع على الصفقة
من طرف نائلها إذا كانت هذه الصفقة تفاوضية غير أنه وبمقارنة بين المرسومين يتضح
أن مرسوم 2007 قد حدد الآجال داخل 30 يوما كأقصى
حد[1]،
وتنصب هذه الرقابة على جانبين أساسيين وهما:
1-
مراقبة
الشرعية
وتتجلى
هذه المراقبة في التأكد من أن الصفقة قامت باحترام جميع القواعد والنصوص القانونية
والتنظيمية التي تنظمها خاصة مرسوم الصفقات العمومية، وتهم أيضا الدفاتر النموذجية
للتعاقد، أي دفاتر الشروط الإدارية العامة ودفتر الشروط الإدارية المشتركة[2].
فمن
واجب الجماعة الترابية صاحبة الصفقة أن تضمن داخل ملفها الذي سيرسل للسلطة الوصية
للمصادقة كل الوثائق والمستندات التي تتطلب مسطرة الإبرام، بحيث تمارس هذه الأخيرة
رقابتها من خلال التأكد من أن المعطيات الواردة بالوثائق والمستندات المتعلقة
بالصفقة صحيحة وعملياتها الحسابية سليمة، وترى مدى تقيد الجماعة بمبادئ الشفافية
والمساواة والمنافسة المنظمة لعملية الإبرام، من أجل ضمان تدبير معقلن للطلبيات
العمومية[3]منذ
الإعلان عن الصفقة مرورا بعملية الإبرام وانتهاءا بإرساء الصفقة على نائلها[4]،
هذا بالإضافة من التحقق من كفاءة ومؤهلات المتعهد الذي أرسيت عليه الصفقة، وكذا
الضمانات التي قدمها من أجل انجازها[5].
2-
رقابة
الملائمة
إن مراقبة سلطات الوصاية لمراقبة الملائمة في الصفقات
الجماعات الترابية لابد أن يتم بناءا على احترام الخصائص الأساسية للإدارة
المحلية، كما يجب أن تتم مراقبة الملائمة استثنائيا نظرا لكون هذه المراقبة تفتقد
إلى وجود حدود واضحة يمكن أن تستند عليها، حيث أنه في حال تم ترك السلطات الوصية
على حريتها للتدخل بناءا على مراقبة الملائمة، فهنا ستكون أمام نظام مركزي نظرا
لكون هذه المراقبة توسع من هامش سلطات الوصاية، وهذا ما سيجعلها تنشط في ممارسة
هذه الرقابة التي تحد من الاستقلال المالي للجماعات المحلية وتحد مبادرتها في
تسيير وتدبير صفقاتها بدعوى أن التدخل المتشدد للسلطات الوصية بناء على آلية
المراقبة تفرضه بعض الإكراهات التي يمكن إجمالها في الآتي[6]:
- الجماعة المحلية خاصة القروية منها لا تتوفر على
الموارد البشرية الكفئة والمؤهلة لتأمين التسير الجيد لصفقاتها، وهو ما يجعل مصالح
سلطات الوصاية تتدخل من أجل ضمان نجاعة هذا التسيير.
-
إن جل الجماعات المحلية لا تتحكم في مواردها بشكل جيد رغم الإعانات المقدمة من طرف
الدولة في هذا المجال[7].
وعليه يتضح أن العمليات والمشاريع المتعلقة بالتجهيز
تمول من طرف الدولة وهذا ما يعطي لهذه الأخيرة نظرا لكونها مجسدة في سلطات الوصاية
الحق في مراقبة مدى برمجة وتنفيذ هذه المشاريع على المستوى المحلي، الشيء الذي جعل
مجموعة من الباحثين[8]يتوصلون
إلى إشكالات قد تعيق هذه المراقبة
هنها التأكد من مطابقة المشاريع المزمع
إنجازها من طرف الجماعات الترابية مع السياسة العامة للدولة بحث لا يمكن للوزارة
الوصية أن تلم بكافة المشاريع المنجزة على صعيد كل جماعة على حدة لكون هذه
الجماعات هي أدرى بجدوى وأهمية مشاريعها ومدى تأهلها لتحقيق التنمية المحلية.
وانطلاقا من هذا قام المشرع من خلال القوانين التنظيمية
للجماعات الترابية بالتدخل ونقل مهمة المصادقة إلى رؤساء مجالس الجماعات[9]
مع الإبقاء على الرقابة البعدية وتركها لصالح وزارة الداخلية.
رقابة المفتشية العامة للإدارة
الترابية
إن الدور الرقابي للسلطات الوصاية لا ينحصر في مجال
المصادقة فقط و إنما يتعداه إلى رقابة لاحقة كما سبقت الإشارة تقوم بها المفتشية
العامة للإدارة الترابية[10]
هذه الأخيرة التي تتميز بحداثة تكوينها والدور المحوري الذي تلعبه في المجال
الرقابي وذلك تفعيلا للفصل 120 من المرسوم المتعلق بسن نظام محاسبة الجماعات
المحلية وهيئاتها[11]
التي تنص على أنه " تجرى المراقبة على تصرفات الأمرين بالصرف ووزير الداخلية
والسلطات والأعوان المفوض إليهم من وزير الداخلية والسلطات والأعوان المفوض إليهم
من طرفه في هذا الصدد، وهيئات لجان المراقبة المختصة وكذا وزير المالية".
أضحت المفتشية العامة للإدارة الترابية منذ إحداثها
جهازا مختصا بإجراء الرقابة الإدارية اللاحقة على الجماعات الترابية، إذ أن موقعها
داخل وزارة الداخلية وارتباطها العضوي والمباشر لوزير الداخلية[12]
أعطاها الحق في لعب دور رقابة فعالة وناجعة.
وانطلاقا من هذا فهذه الهيئة تقوم على تنظيم مرن يختلف
مع تنظيم المفتشيات الأخرى داخل باقي الوزارات، هذا التنظيم الذي يعتمد على أسلوب
مرن ومحكم في ذات الوقت يتجلى في إنجاح مهام التفتيش من خلال إسناد المفتش العام
إدارة المصالح داخل المفتشية وتنسيق عملها[13].
تتكون هذه الهيئات من ثلاث أجهزة يتم تعيينها من طرف
وزير الداخلية وهي:
-
المفتشين رؤساء البعتاث.
-
مفتشين من الدرجة الممتازة.
-
المفتش العام للإدارة الترابية، وهو منصب سامي[14]
1-مهام المفتشية العامة للإدارة الترابية:
تنحصر المهام الرقابية لهذه المفتشية في المقتضيات التي
وردت في المرسوم المنظم لاختصاصات وتنظيم وزارة الداخلية[15]
الذي تنص على أنه" تناط بالمفتشية العامة للإدارة الترابية، مهمة القيام بناء
على تعليمات الوزير بأعمال التفتيش في الأقاليم والعمالات والدوائر والقيادات، كما
يعهد إليها بالقيام ضمن نفس الشروط بأعمال التفتيش في الجماعات المحلية، وهي
الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات وتجمعاتها وتقسيماتها".
لكن طبيعة هذه المهام لم يحددها هذا المرسوم وإنما ترك
الأمر للمرسوم المنظم لها، و تتجلى في المراقبة والتحقق من التسيير الإداري
والتقني والمحاسبي للمصالح التابعة لوزارة الداخلية والجماعات المحلية وهيئاتها،
على أن تراعي في ذلك الاختصاصات المخولة للمفتشيات التابعة لوزارات الأخرى[16].
وعلى هذا الأساس يظهر أن تدخل هذه المفتشية جاء بشكل عام
فيما يتعلق بتسير الإداري والمالي ولا يتعدى عملها نطاق المصالح التابعة لوزارة
الداخلية بما فيها الجماعات الترابية.
2-اختصاصات المفتشية العامة للإدارة الترابية
-
تزاول هذه المفتشية مهام تتعلق بعمليات المراقبة
والتحقيق والتفتيش بناءا على رسائل يوقعها وزير الداخلية والتي تمكنهم حسب المادة
7 من المرسوم المنظم لها من:
-
الاطلاع على كافة الوثائق: هذه الوثائق التي تتضمن
الكشوفات والجداول الإحصائية كتلك المتعلقة بإبرام الصفقات الجماعية.
-
القيام بالأبحاث والتحريات الضرورية: هنا تقف هذه
المفتشية على صحة الوفاء بالالتزامات التعاقدية، وحقيقة الأعمال والمشاريع
المنجزة.
-
إعداد خلاصات الأبحاث والتقارير الأولية: وهنا تختم
عملياتها التفتيشية والمراقبة، كونها تعد خلاصات تقارير والأبحاث وتوجها إلى رؤساء
الجماعات مع منحهم مدة لا بأس بها للرد والتعليق على كل ما أثير ضدهم من ملاحظات
من طرف لجان التفتيش وبعد التوصل بالأجوبة تنجز تقارير نهائية وقد تكون ميدانية إذ
تتطلب الأمر ذلك.
لكن في نظر بعض الباحثين[17]
أن عمل هذه المفتشية معاب بحيث يكون تدخلها بشكل موسمي وظرفي خاصة و أن تشكيل لجان
التقصي يكون بعد توصل وزارة الداخلية بخروقات أو اختلالات على مستوى بعض الجماعات الترابية، مما يفقد هذه
المفتشية الحق في المبادرة لممارسة الصلاحيات المخولة لها مما ينتج عنه عدم
الاستقلالية في عملها عن الوزارة التابعة لها، ولا تتدخل إلا بعد إخبارها من طرف
الوزارة المختصة هذا ما يؤثر سلبا على بعض الأجهزة واللجان التي لها ارتباط بمجال
رقابة صفقات الجماعات الترابية.
رقابة لجنة الصفقات
تعتبر اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية أعلى جهاز يهتم
بالصفقات العمومية بحيث تسهر على حسن تطبيق جميع النصوص المتعلقة بالصفقات
العمومية والنظر في الاختلالات التي قد تنشأ أثناء تنفيذ الطلبيات العمومية، كما
أنها تساهم في اقتراح حلول عندما يتعلق الأمر بالنزعات المترتبة عن تنفيذ هذه
الطلبيات، زيادة على دورها الاستشاري فيما يخص الدراسات التقنية والقانونية والاقتصادية
والمالية حيث تضع إمكانياتها رهن إشارة مختلف الإدارات لفحص محتوى الملفات
المتعلقة بالصفقات فهي تضطلع أيضا بوظيفة الرقابة الشاملة على جميع أنواع الصفقات[18].
أولا-تشكيل لجنة الصفقات
قام المشرع بوضع قوانين تحكم تشكيل وتكوين هذه اللجنة
الوطنية للطلبيات العمومية، بحيث جعلها داخل إطار قانوني ينبني في غالبيته على
قطاعات حيوية تسهر على تسير عملها وتأطير أشغالها، فهي حسب مرسوم 1975 الذي ينص
على إصلاحها تتكون من[19]
-
الرئيس ونائبه.
-
ممثل لوزير الأشغال العمومية والمواصلات.
-
ممثل عن السلطة الحكومية المكلفة بالتخطيط.
-
ممثل لوزير المالية.
-
ممثل للوزير المكلف بالسكنى والتعمير.
-
ممثل لوزير الفلاحة والصيد البحري.
-
ممثل للوزير المكلف بالتجارة والصناعة.
-
الخازن العام للمملكة.
-
رئيس مصلحة التشريع بالأمانة العامة للحكومة.
يجوز لرئيس اللجنة حسب المرسوم السابق ذكره أن يستدعي أي
موظف أو خبير أو تقني للنظر في مسألة معينة يرى مشاركته فيها مفيدة للجنة، وله
الحق في تعيين مقررين يتم اختيارهم من بين الموظفين المزاولين لعملهم أو متعاقدين،
وله نفس الحق حتى إذا تعلق الأمر بمشاريع الإنفاقات أو مشاريع الصفقات وغيرها من
الأمور بحيث يمكن له استدعاء مندوب السلطة المتعاقدة للحضور في أشغال اللجنة
والاستماع إليه بصفة استشارية[20].
لكن ومع الإصلاح الجديد لهذه اللجنة التي أصبحت تسمى
باللجنة الوطنية للطلبيات العمومية هذا الإصلاح الذي هم حتى تنظيمها بحيث أصبحت
تظم الجنة الوطنية الأجهزة التالية:
-
رئاسة اللجنة.
-
الجهاز التداولي.
-
الوحدات الإدارية والتقنية[21].
هذا مع ضرورة حضور بعض القطاعات الوزارية كممثل عن وزارة
المالية، ووزارة التجهيز والنقل، وممثل عن وزارة الداخلية.
تمارس هذه
اللجنة صلاحيات في مجال الصفقات العمومية تتم على شكل تقديم استشارات في مختلف
المشاريع والمنازعات المتعلقة بها وتهم على وجه الخصوص شفافية مساطر إبرام الصفقات
المحلية ومدى ملائمة الأثمنة للواقع، كما أنها تتدخل لحل النزاعات التي يمكن أن
تحدث بين مصلحة الالتزام بالنفقات والمصالح الإدارية المتعاقدة حول تفسير وشرح بعض
المقتضيات القانونية والتنظيمية الخاصة بالصفقات[22].
تمارس اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية صلاحيات في مجال
المراقبة الاقتصادية وذلك من خلال التفتيش على مستوى الشركات والمقاولات وذلك
لتحديد سعر تكلفة الصفقات المبرمة من قبل
الجماعات المحلية[23].
أولا- مهام واختصاصات الجنة الوطنية
للطلبيات العمومية
تعمل هذه اللجنة على ممارسة عدة مهام واختصاصات لعل
أبرزها ما يلي:
1- مهام اللجنة:
إنه بالرجوع إلى المرسوم الجديد المنظم للجنة الوطنية
للطلبيات العمومية فإنه وحسب المادة 3 منه تمارس هذه اللجنة مجموعة من المهام وهي:
أ-مهمة
الاستشارة والمساعدة:
تعمل هذه اللجنة على دراسة وفحص كل مسألة عرضت
عليها في مجال الطلبيات العمومية، من طرف مصالح الدولة والمؤسسات العمومية وأي شخص
اعتباري من أشخاص القانون العام وتتم هذه المهام في:
-
إعداد أو إبداء رأيها حسب الحالة في كل مشروع نص تشريعي
أو تنظيمي يتعلق بالطلبيات العمومية.
-
إبداء رأيها بطلب من الإدارات العمومية في كل مسألة ذات
صبغة قانونية أو مسطرة تتعلق بتحضير طلبية عمومية أو إبرامها أو تنفيذها أو وقف
تنفيذها أو تسديد ثمنها.
-
مساعدة مصالح الدولة على المستوى القانوني، بناء على طلب
منها، فيما يتعلق بإعداد الوثائق المتعلقة بالطلبيات العمومية.
-
إعداد طبقا للتنظيم الجاري به العمل، الوثائق النموذجية
المتعلقة بالطلبيات العمومية والسهر على تحيينها وتوحيد معاييرها ونشرها.
-
إعداد مشاريع التوجيهات وعرضها على رئيس الحكومة لاتخاذ
قرار بشأنها قبل تعميمها على الإدارات العمومية، وتتضمن هذه التوجيهات التعليمات
والمناهج الواجب اتباعها، قصد تحسين تدبير الطلبيات العمومية وترشيدها، كما تتضمن
القواعد المتعلقة بالممارسات الجيدة في هذا المجال.
-
اقتراح على رئيس الحكومة الإجراءات، كيفما كان نوعها،
ولاسيما ذات الصبغة القانونية، التي تمكن من احترام مبادئ وقواعد الأخلاق والحكامة
الجيدة في مجال الطلبيات العمومية الخاصة بحرية الولوج إلى الطلبية العمومية وكذا
ضمان حقوق المتنافسين، والشفافية في اختيارات الإدارة العمومية فيما يخص إسناد
الطلبية العمومية[24].
ب- دراسة الشكايات:
تقوم هذه اللجنة بمهمة دراسة الشكايات الواردة عليها من
طرف كل شخص ذاتي أو اعتباري من أشخاص القانون الخاص يشارك في طلبية عمومية إما
بصفة متنافس أو نائل للصفقة أو صاحب الصفقة وتنصب هذه الدراسات على:
-
دراسة شكايات المتنافسين المتعلقة بإبرام طلبية عمومية.
-
إبداء رأيها القانوني فيما يتعلق بالنزاعات بين أصحاب
الطلبيات العمومية والإدارات العمومية بشأن النصوص المنظمة للطلبيات المذكورة[25].
بالإضافة إلى هذه المهام تقوم اللجنة بتنسيق أعمال
التكوين الأولى والمستمر في مجال الطلبيات العمومية وتوحيد البرامج أو برامج
التكوين لفائدة موظفي المصالح المكلفة بتدبير الطلبيات العمومية بالإدارات
العمومية[26].
بالإضافة إلى هذه المهام التي تقوم من خلالها هذه اللجنة
بإبداء رأيها فإنه يمكن القول أن لها اختصاصات ومهام الموكلة إلى كتابتها الدائمة.
2- اختصاصات اللجان
الدائمة:
كانت تسمى هذه اللجان بالكتابة الدائمة هذه الأخيرة التي
كانت تمارس اختصاصات تهم الجانب الإحصائي لجميع الصفقات، وذلك بمساعدة بطاقات
تنجزها الإدارة المكلفة وتوجهها إلى كتابة دائمة عن طريق مراقب الالتزامات
بالنفقات وعملية الإحصاء بحيث تستطيع الكتابة بواسطة هذه البطاقات تتبع كل الصفقات
وحجمها وإجراءاتها ومدى نفعها للاقتصاد الوطني وتكلفتها والمقارنة بين تلك الصفقات
المبرمة وتدوين أسماء المقاولات التي تكلفت بإنجازها، وتقوم الكتابة أيضا بإنجاز
الوثائق المتعلقة بالصفقات وإعطاء المعلومات عنها لمختلف الإدارات والمصالح[27]،
ولازالت تقوم بهذا الدور وذلك بهدف تتبع تطور الصفقات العمومية ومعرفة مدى تأثيرها
على مختلف القطاعات الاقتصاد الوطني، كما أنها تعمل على تحليل كل المعطيات
المتعلقة بهذه الصفقات. فالأمر لم يختلف مع صدور المرسوم الجديد المنظم للجنة
الوطنية للطلبيات العمومية، فإنه وحسب الفقرة الرابعة من المادة 14 يقوم رئيس
اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية أو من ينوب عنه بترأس هذه اللجنة، و يقوم بحضور
أعمالها بالإضافة إلى الرئيس هناك أعضاء تعينهم اللجنة الوطنية من بين أعضائها،
بالإضافة إلى ثلاثة ممثلين عن وزارة الاقتصاد والمالية يعينهم رئيس الحكومة
باقتراح من السلطة الحكومية المكلفة بالمالية.
فهذه
اللجان تقوم بإبداء رأيها بحسب الحالة عندما يتعلق الأمر بالنصوص التشريعية
والتنظيمية المتعلقة بالشراكة بين القطاعين العام والخاص والتدبير المفوض، وحول كل
مسألة ذات طابع قانوني أو مسطري يتعلق بإعداد أو إبرام أو تنفيذ عقود الشراكة بين
القطاعين العام والخاص، والحرص على نشر الآراء المتعلقة بالمسائل التي تحال على
هذه اللجنة في مجال الشراكة بين القطاعين العام والخاص[28].
وعليه
يجوز القول أن هذه اللجنة تم إحداثها بغية إجراء مراقبة إضافية على تحضير وتنفيذ
الصفقات، لإبداء رأيها في القرارات ذات الطبيعة القانونية والتنظيمية المتعلقة
بالصفقات، والمساهمة في حل كل الخلافات المثارة بشأنها، حيث أنها تضطلع بدور
استشاري يمكنها من إبداء رأيها في عدة قضايا، ليس هذا فحسب فهذه اللجنة تقوم أيضا
بإعداد التعليمات والتقدم بالإقترحات و القيام بدراسات التي تهم الصفقات العمومية.
وتجدر
الإشارة إلى أن دور لجنة الصفقات في مراقبة إبرام وتتبع تنفيذ الصفقات أصبح أكثر
فعالية وقوة مقارنة ما كان عليه الوضع في السابق، كما أنها أصبحت تقوم بدور هام
يتجلى في تقويم مساطر إبرام الصفقات، وتلافي الخلافات والنزاعات بين أطرافها[29].
الرقابة الخارجية على صفقات الجماعات
الترابية
تعتبر
الصفقات العمومية هي تلك الوسيلة التي من خلالها يمكن للإدارة تحقيق مشاريعها على
أرض الواقع، الشيء الذي جعل المشرع يحيطها برقابة خارجية إلى جانب الرقابة
الداخلية لكي تتجاوز النواقص التي قد تعتري هذه الأخيرة.
فالمشرع
قام بإضافة هذه الرقابة من أجل ضمان تدبير جيد للصفقات الجماعات الترابية بشكل
خاص، فالرقابة الخارجية هي تلك التي تمارسها أجهزة خارجية عن الإدارة الترابية،
فهي تمارس من طرف هيئات تسهر على حسن
تدبيرها والتي تتمثل في أجهزة قضائية قادرة على تصحيح كل النواقص التي تعاني منها
الرقابة الداخلية، فهذه الأجهزة تتمتع بسلطات من شأنها ضمان سلامة تنفيذ هذه
الصفقات والتي يمكن اللجوء إليها في حال ظهرت أي مشكلة حالت دون تنفيذ تلك
الصفقات.
و
نجد إلى جانب رقابة تلك الأجهزة القضائية، رقابة أخرى تمارسها وزارة الداخلية والتي
من شأنها حسن تدبير الصفقات العمومية.
رقابة وزارة الداخلية على تدبير صفقات الجماعات الترابية
تكتسي صفقات
الجماعات الترابية أهمية بالغة وذلك نظرا لما تلعبه في تحقيق التنمية خاصة على
المستوى المحلي، ولهذا أولى لها المشرع عناية تامة وفوض أمر رقابة حسن تدبيرها
لوزارة الداخلية هذه الأخيرة التي تشكل للجماعات الترابية السلطة الوصية والساهرة
على حسن سيرها.
رقابة المفتشية العامة للمالية
تأسست المفتشية
العامة للمالية بظهير رقم 1.59.269في 14 أبريل سنة 1960، وهي تخضع مباشرة لوزير
المالية[30]،
تتمتع بعدة اختصاصات رقابية تمارسها اتجاه الآمرين بالصرف حسب الظهير المنظم لها
بحيث تتأكد من صحة العمليات المسجلة في حسابات الآمرين بالصرف بما في ذلك عمليات
المداخيل وعمليات النفقات، وتمتد هذه الرقابة لكي تشمل المحاسبين العموميين،
ومصالح الصندوق والمحاسبة والنقود والمواد بحيث تتحقق من التسيير الذي يقوم به
هؤلاء المحاسبين[31].
إن المفتشية
العامة للمالية تعتبر إحدى الهيئات المركزية التابعة مباشرة للوزير المكلف
بالمالية[32]،
ويعهد لهذه المفتشية مهمة الرقابة على أعمال الإدارات العمومية خاصة البعدية،
والسهر على تتبع كيفية صرفها للمال العام.
إن المشرع منذ أن
قام بإحداث هذه المفتشية سنة 1960 حرص على اعتبارها هيئة عليا للتفتيش[33]،وعليه
فهذه المفتشية تتألف من
-
مفتش عام
للمالية: يخضع هذا الأخير للوزير المالية وبالتالي فهو يعتبر منصب سامي.
-
مفتشي المالية.
-
المفتشين رؤساء
البعثات.
-
مفتشي للمالية من
الدرجة الممتازة[34].
خلافا لما عليه
الأمر بالنسبة للمفتشيات التابعة للوزارات الأخرى،فإن هذه المفتشية تتمتع بسلطات واسعة في مجال الرقابة على
الميزانية وحماية الأموال العمومية التي يكمن أن تمتد لتشمل حتى تدبير صفقات
الجماعات الترابية، لكون هذه الأخيرة تمثل جزءا من الإنفاق العام على الصعيد
المحلي، وعليه فإن مهام واختصاصات المفتشية العامة تتجلى في:
أولا-
مهام واختصاصات المفتشية العامة للمالية
تتمتع هيئة
التفتيش العامة للمالية باختصاصات واسعة، تشمل سلطات التفتيش والمراقبة على مجموع
المصالح العمومية، وكافة المتصرفين في الأموال العامة، ويمتد تدخلها إلى كل
الإدارات الدولة، والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية، وكل الهيئات المستفيدة
من الدعم المالي العمومي.
1- اختصاصات المفتشية العامة للمالية:
تضطلع هذه المفتشية
بمجموعة من الاختصاصات لعل أبرزها ما يلي:
-
إجراء تحقيقات
بخصوص مصالح الصندوق والمحاسبة والنقود والمواد التي يتكلفون بها المحاسبون
العموميون.
-
التحقق من
التسيير الذي يقوم به هؤلاء المحاسبون العموميون والمراقبون.
-
مراقبة تسيير
الآمرين بالصرف بصفة عامة ومستخدمي الدولة والجماعات الترابية، وعلى هذا الأساس
تمارس هذه الهيئة الرقابة على تدبير صفقات الجماعات الترابية، خاصة ما يهم التحقق
من أن هذه العمليات المرتبطة بتنفيذ هذه الصفقات صحيحة وسليمة قانونيا لاسيما منها
أوامر الأداء التي يصدرها المشتري الجماعي، من أجل صرف المستحقات المالية التي
لازالت في ذمة الجماعة اتجاه المقاولين أو الموردين أو الخدماتين.
2- مهام المفتشية العامة للمالية:
يمكن القول أن
المهام المنوطة لهذه الهيئة تتميز بأنها ليست دائمة ولا تلقائية، نظرا لكونها تحدد
في إطار برنامج سنوي يعده المفتش العام تحت إشراف وزير المالية[35]،
يشمل بعض وليس كل المصالح الإدارية والمؤسسات العمومية التي اختارها المفتش العام
بناء على معايير محاسبية ومالية، ووفقا لإفادات صادرة عن المصالح التي تقوم بمهام
مراقبة التدبير المالي والمحاسبي[36].
إذن هذه الهيئة
تمارس مهمة الرقابة على صفقات الجماعات الترابية باعتبارها من ضمن الهيئات التابعة
لها وذلك من خلال:
-
البحث
والتقصي: والذي يقوم به المفتشون في عين
المكان من أجل التأكد من صحة الالتزامات، وحقيقة الأعمال و المشاريع الموازية لها
والتي تم انجازها[37].
-
المراقبة من خلال
الوثائق: والتي تنحصر في مختلف الكشوفات والجداول الإحصائية المتعلقة بالصفقات
الجماعية، وتكتسي هذه المراقبة أهمية ومكانة بالغة نظرا لكونها تتم بواسطة جهاز
يتوفر على أطر عالية، بالإضافة إلى أن زيارتها تكون بشكل مفاجئ تهدف من ورائها
الوقوف على القضايا في عين المكان وفحص الحقائق بالاطلاع على الوثائق الأصلية[38].
-
التدقيق
والتفتيش: لكي تقوم هذه المفتشية بدورها على أحسن وجه خول المشرع لها كامل
الصلاحية لإجراء جميع الأبحاث والتحقيقات الضرورية، ومطالبة المصالح المعنية
بإجراء تدقيق وتفتيش لجميع الإيضاحات اللازمة، بحيث لا يمكن بإي حال من الأحوال
عرقلة مهمة هذه الهيئة أو الاحتجاج في مواجهتها بالسر المهني[39].
-
الاطلاع على جميع
المستندات والوثائق الضرورية لممارسة مهامها في أحسن الظروف[40]
وعليه فإن رقابة المفتشية العامة للمالية تعد
رقابة:
-
وقائية: بغية
تحسين أساليب وطرق التدبير وذلك الملاحظات والإثباتات التي تدون في تقارير التفتيش
وكذا الاقتراحات التي تهدف إلى تفادي الأخطاء المرتبطة بالتدبير.
-
زجرية: بحيث تهم
عملية إرسال كل تقرير يتضمن إحدى المخالفات في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية
والشؤون المالية إلى المجلس الأعلى للحسابات أو إلى القضاء في حالة وجود مخالفات
خطيرة[41].
وعليه يتضح أن
المفتشية العامة للمالية تكتسي أهمية بالغة خاصة عندما يتعلق الأمر بالرقابة التي
تمارسها، بحيث تبقى من الناحية القانونية شاملة لمختلف جوانب التدبير المالي، إلا
أنها تواجه عدة عوائق لعل أبرزها ضعف الموارد البشرية التي تتوفر عليها هذه
الهيئة،خاصة مع تزايد مهامها منذ سنة 1985 والتي تدخل ضمن اختصاصاتها الرقابية،
بحيث أصبحت هذه الهيئة مطالبة تفعيلا للاتفاقيات المبرمة بين الحكومة وبعض
المؤسسات الدولية المانحة بإجراء عمليات للإفتحاص والتدقيق المالي والمحاسبي وكذا
التدقيق الاستراتيجي لكل المشاريع الممولة من طرف هذه المؤسسات لفائدة الدولة
المغربية[42].
ثانيا-
التقنيات الرقابية للمفتشية العامة للمالية
إن المفتشية
العامة للمالية باعتبارها جهاز رقابي على المال العام كما هو شأن باقي الأجهزة
الرقابية الأخرى، ترتكز على مجموعة من الضوابط والتقنيات التي من خلالها تمارس
مهامها، وذلك باعتماد النصوص القانونية التي تنظم مجال اشتغالها، و انطلاقا من هذه
فهذه الهيئة تمارس مهمتها الرقابية من خلال مجموعة من القواعد تتمثل في:
1- قاعدة اختيار المصالح الإدارية:
تطبق هذه القاعدة
على المصالح التي ستخضع للتفتيش والمتمثلة في جميع المرافق العمومية التي تتصرف في
المال العام، فالمشرع أعطى لهذه الهيئة صلاحيات ومهام واسعة لكي تفعل رقابتها
بالشكل المطلوب، فحسب الفصل الثاني من الظهير المنظم لهذه المفتشية يمكن لوزير
المالية إدراج أي جماعة ضمن برنامج تدخل هذه الهيئة.
2- قاعدة المفاجئة:
إن هذه القاعدة
تعتبر ركن أساسي من أجل ضمان الفعالية في المراقبة التي تمارسها المفتشية العامة
للمالية، بحيث تبسط رقابتها باعتماد أسلوب المفاجئة بمعنى أنها لا تعطي الفرصة
لتقويم الاختلالات وتصحيحها أو تزوير الحقائق.
لذلك ينبغي على
هذه الهيئة ، نظرا لكونها جهاز يمارس رقابة خارجية على الجماعات الترابية التي يراد
تفتيشها وفحص تدبيرها المالي، الحرص على قاعدة المفاجئة والتدخل دون سبق إعلام[43].
وما يجب التأكيد
عليه هو أن معرفة مضامين وتفاصيل مأمورية التفتيش تبقى لرئيس بعثة التفتيش
والمفتشون أعضاء البعثة[44]،
وكعملية أخيرة يقوم المفتش المالي بتحرير تقرير يضمن فيه كافة الملاحظات والمخالفات
التي اكتشفها يعطي للجهة الخاضعة للرقابة حق الرد في التقرير المضاد.
3- قاعدة التقرير المضاد:
يقوم المفتش
المالي عند نهاية عملية التفتيش والرقابة بتحرير تقرير يتضمن كافة الملاحظات
والاختلالات التي وقف عليها، تم يرسله للجماعة التي أخضعت للرقابة من أجل تمكينها
من حق الرد من طرف الأشخاص المعنيون بهذه المخالفات والملاحظات التي تخضع لها
التقارير المنجزة من طرف هيئة التفتيش العام كقاعدة عامة [45].
وحسب الفصل 6 من
الظهير المنظم لهذه المفتشية فهذه العملية تقتضي تضمين كافة الملاحظات المدعمة وإن
اقتضى الحال المستندات الثبوتية وتوجه عن طريق السلطة الوصية بشكل مباشر إلى
الجماعة أو الموظف الذي أجري عليهم التحقيق، لكي تكون لهم الفرصة لممارسة حقهم في
الرد داخل أجل 15 يوما تبتدئ من تاريخ التوصل بالتقرير.
وعندما تقدم
الجماعة أو الموظف توضيحاتهم إلى المفتش يقوم هذا الأخير بصياغة التقرير النهائي
اعتمادا على الملاحظات المضادة التي قدمتها الجهة المعنية ( الجماعة / الموظف)،
يحرر فيه جميع الاستنتاجات والخلاصات النهائية المرتبطة بالوقائع التي تمت
مراقبتها وفحصها ،وعند الاقتضاء رأيه حول الأجوبة المتوصل إليها ويحيله بعد ذلك
إلى المفتش العام هذا الأخير الذي يرسله إلى وزير المالية متضمنا ملاحظاته وإلى
وزير الداخلية نظرا لكونه السلطة الوصية على الجماعات الترابية[46].
وعندما تكون هناك
اختلالات خطيرة أو اختلاسات مالية فهنا لا يمكن للمفتش أو فريق التفتيش اتخاذ أي
قرار لأنه لا يملك الصفة التي تؤهله إلى اتخاذ تدابير زجرية ضد المسؤولين عن
المخالفات، وأقصى ما يمكن له فعله هو إخطار الجهة المعنية بهذا الاختلاس[47]
.
وعليه يتضح أن
رقابة المفتشية العامة للمالية تبقى محدودة نظرا لكونها لا تقوم بأي إجراء زجري في
حال تبث لها أن هناك اختلالات واختلاسات تمس المال العام، بحيث تقف مكتوفة الأيدي
أمام هذه الاختلالات، وعلى هذا الاعتبار تبقى رقابتها رغم الإمكانيات المخولة لها
رقابة شرعية أي رقابة تطبق النصوص القانونية فقط.
المراقبة
من خلال التدقيق[48]
يعد التدقيق في
الصفقات العمومية من الآليات التي تم اعتمادها لأول مرة في مرسوم 30 دجنبر 1998 (
المادة 86)، وتم تكريسه في مرسوم 5 فبراير 2007 ومرسوم 20 مارس 2013، حيث أشار
إليه في هذا الأخير في كل من المادة 142 في إطار الباب السادس المتعلق بصفقات
الجهات والعمالات والأقاليم، بالإضافة إلى المادة 165 في إطار الباب العاشر المتعلق
بحكامة الصفقات العمومية[49]
.
أولا-
التدقيق الداخلي:
يعد التدقيق
الداخلي وجها من أوجه الرقابة السياسية التي تمارسها المجالس التداولية على النشاط
المالي للجماعات الترابية وعلى الخصوص على صفقاتها الجماعية، ويعتبر من الأنشطة
الموضوعية والمستقلة، بحيث ينظم من طرف رؤساء الجهات والعمالات والأقاليم
والجماعات وذلك من أجل ضمان الجودة، ويهدف إلى تأدية مهام التوكيد والأنشطة
الاستشارية المختلفة من أجل تحسين وإضافة قيمة للعمليات في الجماعة الترابية
المعنية[50].
إن التدقيق
الداخلي يساعد الجماعات الترابية في تحقيق أهدافها من خلال تطبيق أساليب آلية
ومنضبطة من أجل تطوير وتقييم فعالية أنشطة إدارة المحاضر والضوابط والحكامة
المؤسسية، فهو يشمل فحص وتقيم مدى كفاية وفعالية أنظمة الرقابة الداخلية بالجماعة
الترابية المعنية وجودة الأداء عند تأدية المجالس التداولية ترابيا لأنشطتها ومهامها
المختلفة[51].
وما يجب التطرق
إليه هو أنه وانطلاقا من القوانين التنظيمية للجماعات الترابية فالمشرع المغربي
وفي إطار ربط المسؤولية بالمحاسبة خاصة فيما يهم التدبير المالي للجماعات
الترابية، أعطى لرؤساء لمجالسها المنتخبة بعد إخبار والي أو عامل العمالة أو الإقليم
أو بمبادرة من العامل حق إخضاع تدبير الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات
والهيئات التابعة لها لعمليات التدقيق المالي[52].
إن مهمة القيام
بالتدقيق تتولاه هيئات مؤهلة قانونا لذلك، وتوجه وجوبا تقريرا إلى والي الجهة أو
عامل العمالة أم الإقليم وإلى أعضاء المجلس المعني ورئيسه، بمناسبة انعقاد الدورة
الموالية لتاريخ التوصل بتقرير التدقيق، وفي حال كانت هناك اختلالات يجب تمكين
المعني بالأمر من الحق في الجواب ويحال إلى والي الجهة أو عامل العمالة أو الإقليم
أو من ينوب عنه حسب الاختصاص التقرير إلى المحكمة المختصة[53].
وارتباطا بهذا
فالصفقات العمومية تعتبر نفقة مالية يجب إخضاعها لتدقيق هذا الأخير الذي يهدف في
ميدان الصفقات العمومية إلى تقويم الإحقاقات التي تميزه عن نظام المراقبة
التقليدية بحيث يعود له الفضل في الانتقال من معيار المطابقة بالنظر إلى النص إلى
معيار الإحقاق والإنجاز بالنظر إلى الهدف[54].
ونظرا لكون
الصفقة تمر عبر ثلاث مراحل، فمن مرحلة الإعداد إلى مرحلة الإبرام والتنفيذ، فهذا
يفرض رقابة معينة من أجل ضمان احترام المساطر والإجراءات المنظمة للصفقات العمومية
من جهة وضمان الجودة والفعالية في تدبير الصفقة من جهة أخرى، بحيث أن مرحلة
الإبرام لها بعد استراتيجي ومرحلة الإبرام لها بعد القانوني أما مرحلة التدقيق
فلها بعد تقني عملي، هذا ما يفرض إخضاع كل مرحلة للتدقيق الداخلي باعتباره آلية
رقابية تتميز بأنها تحد من إسراف المال العام كما تضمن هذه الآلية نجاح المشاريع
وتحقيق الغاية من إبرامها[55].
وما تجب الإشارة
إليه هو أن التدقيق الداخلي تم اعتماده منذ مرسوم سنة 1998 كما سبقت الإشارة
لتكرسه المراسيم الأخيرة، فحسب المادة 142 من المرسوم الحالي التي تنص على مجموعة
من النقاط لعل أبرزها:
-
خضوع صفقات كافة
أصناف الجماعات الترابية وعقودها الملحقة إلى مراقبات وتدقيقات ذاتية.
-
تتم هذه
التدقيقات بموجب مقرر يصدره الوزير المعني بالأمر.
-
ترتبط هذه
التدقيقاتبتهيء وإبرام وتنفيذ الصفقة.
-
إن هذه المراقبات
والتدقيقات تكون إجبارية، بالنسبة للصفقات التي يتجاوز مبلغها سقفا معينا[56].
لكن الإشكال الذي يطرح هنا هو نص المشرع على
مبلغ 3 مليون درهم ومليون درهم كسقفين لإخضاع صفقات الجماعات الترابية للتدقيق
الذي لم يراعي وضعية بعض الجماعات الترابية، التي تتسم ميزانيتها بالضعف مما يعني
أن عدد من صفقاتها ومنها صفقات الجماعات الفقيرة ذات الموارد المحدودة والتي قد
تكون على قدر كبير من الأهمية مسثتناة من التدقيقات الداخلية المنصوص عليها نظرا لكون سقفها لم
يبلغ السقف المحدد.
ثانيا-
التدقيق الخارجي:
يعتبر الدقيق الخارجي عبارة عن فحص لأنظمة
الرقابة الداخلية والبيانات والمستندات والحسابات الخاصة بالمشروع موضوع الصفقة،
نظرا لكونه فحصا انتقاديا منظما يكون الهدف منه الخروج برأي فني محايد عن مدى
دلالة القوائم المالية والإدارية للمشروع، وذلك خلال فترة زمنية محددة.
كما أنه يستعمل لوضع تصور حول نتائج الأعمال
هل ستكون مربحة أم عكس ذلك، وعلى هذا الأساس يسعى التدقيق إلى تحقيق ثلاث أهداف
أساسية وهي:
1-
فسح المجال لمعرفة
ما إذا كانت الإجراءات والأساليب المستخدمة في المقاولة مناسبة لبلوغ الأهداف.
2-
وضع التوصيات
والمقترحات لتحسين المردودية لأجل إما تغيير المناهج وأساليب العمل داخل المقاولة،
أو تغيير أساليب العمل داخل المقاولة، أو تغيير أساليب الرقابة في حد ذاته.
3-
التأكد من حسن
قيام السلطة المفوض لها بالرقابة بالقيام بمهامها.
كما أن التدقيق
يهدف أيضا إلى:
-
تقييم نتائج
الأعمال بالنسبة إلى ما كان مستهدفا فيها.
مراقبة الخطط ومتابعة تنفيذها والتعرف على ما
حققته من أهداف ودراسة الأسباب التي حالت دون الوصول إلى الأهداف المحددة.
وللإحاطة بآلية التدقيق باعتبارها آلية من
الآليات التي تستخدم في مجال الصفقات العمومية يجب ذكر أهم عناصرها وآفاقها في
مجال صفقات الجماعات الترابية.
ثالثا-
عناصر وآفاق التدقيق :
1- عناصره:
إن التدقيق ينبني على عدة عناصر تؤهله لكي يكون
وسيلة من الوسائل التي تساعد الجماعات الترابية على تدبير صفقاتها، كما أنه يعتبر
آلية يمكن من خلالها مراقبة تدبير صفقات الجماعات الترابية عليه فإن أهم عناصر
التدقيق ما يلي:
-
التواصل الداخلي:
يرتكز هذا التواصل على فحص القنوات الرئيسية للتواصل، من خلال التعرف على مكامن
الضعف في بنية الجهاز الإداري للجماعة الترابية[57].
-
التدقيق
الاجتماعي: يسعى التدقيق الاجتماعي إلى تحسين مردودية الموارد البشرية على مستوى
الجماعة المحلية ويشكل التدقيق الاجتماعي في هذا الإطار الوسيلة الأكثر ملائمة
للتقييم فهو يهدف إلى خلق ضمانات تساعد على الفعالية واستمرارية تسيير الموارد
البشرية[58].
-
التدقيق المالي
والمحاسباتي: وهو عبارة عن فحص يقوم به مدقق مستقل من أجل التعبير عن رأي يهم
قانونية ومصداقية الحسابات السنوية، بمعنى أن هذا التدقيق يهتم بدارسة الوضعية
المالية والتأكد من جودة وفعالية تسيير وتدبير مالية الجماعات المحلية، نظرا لكونه
وسيلة للتصديق الإثباتي للحسابات بواسطة
تحليل جودة التسيير المحاسباتي والوثائق المرسلة والمعلومات المالية وفحص سلامة
مساطر المصاريف والإنفاق المالي[59].
رابعا-
آفاق التدقيق
إن اللجوء إلى
آلية التدقيق أضحى يشكل ضرورة استراتيجية، خصوصا مع الإصلاحات والتحولات الكبرى
الذي أصبح يعرفها المغرب والتي تهدف إلى اعتماد مبادئ الحكامة الجيدة كواقعة
أساسية لتخليق مجال تدبير الشأن العام[60].
كما أنه يعتبر
مجالا رقابيا يتميز بطابع خاص، ويختص بعناصر تميزه عن باقي الأنماط الرقابة
العادية أو الكلاسيكية واللجوء إليه كرقابة حديثة دليل على تطوير الأداء العام
للجماعات الترابية خاصة في مجال الصفقات العمومية، ومؤشر على تحديث الترابي
المالي، وذلك لما له من أهمية عملية ووظيفية باعتباره آلية رقابية[61].
وما ينبغي
الإشارة إليه هو أن التدقيق يجب أن ينصب حلى الجانب المالي في تدبير الصفقات
الجماعية، نظرا لما له من أهمية رقابية تنصب على الحفاظ على الموارد المالية.
انطلاقا من هذا
فالتدقيق جاء نتيجة قصور في المراقبات الكلاسيكية بسبب غياب الطابع التدبيري
الناجم عن التطبيق المكثف للنصوص و غياب استراتيجية على المدى البعيد وهذا ما يفرض
تصحيح بعض الوضعيات عن طريق[62]:
-
ضبط ترشيد
النفقات العامة المحلية.
-
الرفع من مستوى
أنظمة التنظيم الإداري بتحديد المهام والسلط داخل الجماعة.
-
تقوية المراقبة
الداخلية.
-
العمل على خلق
نظام إعلامي إجباري.
-
تنمية المساعدة
التقنية التي يمكن أن تقدمها الدولة للجماعات المحلية في مجال الصفقات.
-
عقلنة استغلال
الوظيفة المحلية حتى لا يستبد رئيس الجماعة المحلية بمختلف المصالح بما فيها
المكلفة بالصفقات المحلية.
وفي الأخير تتضح
الفلسفة التقييمية للتدقيق الذي يهدف إلى التقويم والتوجيه لأحسن و أنجع الطرق
التدبيرية من خلال المجال الذي حدد لآلية التدقيق، بخلاف الدور التقليدي للرقابة
والتي تكتسي بعدا زجريا[63].
وتجب الإشارة إلى
أن التوجه الذي تسلكه كل الإصلاحات التي عرفتها منظومة الصفقات العمومية هو
التركيز على الجانب التدبيري والتنظيمي، وتغفل جانب المراقبة ويبرز ذلك من حجم
المقتضيات التي تخصص للمراقبة في أي مرسوم منظم للصفقات العمومية والذي يبقى ضئيلا[64].
مظاهر
رقابة المجالس الجهوية للحسابات على صفقات الجماعات الترابية
تكتسي رقابة
المجالس الجهوية للحسابات طبيعة الرقابة القضائية، وبهذا المعنى فإن القضاء المالي
هو الذي يتولى المراقبة على تنفيذ قوانين الصفقات المحلية من خلال التحقق من
عمليات الموارد والنفقات العمومية المحلية[65]،وحسب
الفصل 98 من الدستور فالمجالس الجهوية للحسابات هي من تتولى مراقبة حسابات
الجماعات الترابية وهيئاتها وكيفية قيامها بتدبير شؤونها، كما أن مدونة المحاكم
المالية قامت بتحديد الوظائف التي تقوم بها هذه المجالس خاصة في مجال الرقابة
البعدية[66].
الرقابة
الإدارية للمجالس الجهوية للحسابات
تشتمل هذه
الرقابة التي تقوم بها هذه المجالس على عدة أنواع، نظرا لكونها تتوزع بين مراقبة
القرارات المتعلقة بالميزانية ومراقبة التسيير وكذا مراقبة استعمال الأموال
العمومية.
أولا-
مراقبة الإجراءات المتعلقة بتنفيذ الميزانية
تعد الميزانية
الجماعية هي الإطار العام الذي ترصد فيه الجماعة الترابية الاعتمادات الضرورية،
التي ستمكنها من تنفيذ اختصاصاتها، مما يستلزم حسن تدبيرها وترشيدها، وعلى هذا
الأساس حدد المشرع من خلال مدونة المحاكم المالية الميادين التي تنصب عليها رقابة
المجالس الجهوية للحسابات خلال تنفيذ الميزانية الجماعية، وتتمحور هذه الميادين في
:
1-
الرقابة في
حال رفض المصادقة على الحساب الإداري: إذا لم يصادق على الحساب الإداري من طرف
المجلس التداولي المختص، يمكن لوزير الداخلية أو الوالي أو العامل عرض القضية على
المجلس الجهوي بصفة تلقائية أو بناءا على طلب الأمر بالصرف المعني أو من طرف
الرافض للحساب الإداري[67].
وعليه فحسب المادة 142
من مدونة المحاكم المالية فإن القضايا التي تدخل في هذا الإطار تعتبر من
الاختصاصات التي أسندتها المحاكم المالية إلى سلطة الوصاية، لكن ما يعاب على هذا
الاختصاص الموكول لهذه المجالس أنه جاء عاما بحيث لم يتم تفصيله ولا تحديد
مجالاته، ولا القضايا التي تدخل في هذا الاختصاص ما عدا ما نصت عليه المادة 143 من
نفس المدونة و هي تلك المتعلقة بعد التصويت على الحساب الإداري من طرف الهيئات
التداولية المحلية[68].
هذا على عكس فرنسا
فممارسة هذا النوع من الرقابة على تنفيذ الميزانية، يكون بمثابة بديل للوصاية
الإدارية التي كانت تمارسها السلطات المركزية على الجماعات الترابية، ولهذا خص
المشرع الفرنسي الغرف الجهوية للحسابات بمراقبة شاملة، تطال مختلف الجوانب
المتعلقة بالميزانية الجماعية داخل الآجال القانونية من قبل المجلس التداولي، أو
عند اعتماده ميزانية غير متوازنة، أو حينما لا تشمل الميزانية المعتمدة على نفقات
إلزامية، أو في حالة وجود عجز موازناتي إثر اعتماد الحساب الإداري[69].
2- مسطرة الرقابة على
إجراءات تنفيذ الميزانية: إن تحريك هذه المسطرة تدخل ضمن صلاحيات السلطة الوصية
الممثلة في وزير الداخلية أو الوالي أو العامل[70]
ليس هذا فحسب فإن اختصاص هذه السلطة يمتد حتى في
حال تم رفض المصادقة على الحساب بحيث يبقى عرض هذه المسألة على المجلس
الجهوي من طرف السلطة المذكورة[71].
وبالرجوع إلى المدونة
وحسب المادة 143 منها فإنه يحال الحساب الإداري على المجالس الجهوية للحسابات بحيث
تتم بالنسبة للجماعات من طرف العامل أو الوالي، في حين باقي الجماعات تتم من طرف
وزير الداخلية وتختص بهذه الإحالة سلطة الوصية.
وفي جميع الأحوال سواء
تعلق الأمر بطلب الرأي من المجلس الجهوي بالرفض أو أي إجراء آخر يتعلق بتنفيذ
الميزانية، فرئيس المجلس يقوم بتعيين مستشار مقرر للتحقيق في الملف داخل أجل شهر
ويجوز له الاستعانة بقضاة آخرين و إن تطلب الأمر حتى بمدققين[72]،
وعند انصرام الآجال المذكور فإنه وحسب المادة 146 من مدونة المحاكم المالية يقوم
المستشار المقرر بتقديم تقريره للمجلس الجهوي للحسابات مشفوعا بالرأي الذي يراه
مناسبا، وعندها يتداول المجلس في القضية ويصدر رأيه حولها ويعرضه على الجهة التي
عرضت القضية عليه و على الممثلين القانونيين للجماعات الترابية أو الهيئات أو
الأجهزة الأخرى المعنية.
وبالرجوع إلى المادة
143 من المدونة فإنه تم تحديد أجل شهرين للمجلس قصد إبداء رأيه ابتداء من تاريخ
عرض الأمر عليه.
وفي حال أبدت المجالس
الجهوية للحسابات رأيها حول الإجراءات المحالة عليها فعندها ينتهي دورها في مجال
الرقابة على تنفيذ الميزانية.
وبناء على الآراء التي
بدلها المجلس الجهوي يقرر وزير الداخلية أو الوالي أو العامل الإجراءات التي يجب
اتخاذها وعند الاقتضاء يقوم ببرمجة المبلغ الفائض الناتج عن السنة المالية المعنية
أو يلزم وزير الداخلية أو الوالي أو العامل بتعليل قراره إذا كان رأيه غير مطابق
لرأي المجلس الجهوي[73].
ثانيا-
مراقبة التسيير
تعتبر هذه الرقابة اختصاصا إداريا محضا وتعد من
بين أهم الاختصاصات التي أسندت للمحاكم المالية نظرا لكونها تتجاوز تطبيقات
المشروعية القانونية على مستوى العمليات المالية، لتقف بالأساس على جودة الرقابة
المالية على الصفقات المحلية بناء على مؤشر المردودية في علاقاتها بالأهداف
المعقلنة[74].
وبالتركيز على مدونة
المحاكم المالية فإنه يتضح المغزى من هذا الاختصاص الرقابي[75]،
نظرا لكون مراقبة المجالس الجهوية للحسابات تشمل جميع أوجه الرقابة المالية التي
تتولها المجالس على الأجهزة الخاضعة لرقابتها، بحيث تقوم بتقييم مدى تحقيق الأهداف
المعلنة والنتائج المسجلة، بالإضافة إلى تكاليف وشروط اقتناء واستخدام الوسائل
المتعددة وهو ما يحيل إلى المعايير المرتبطة بالفعالية والنجاعة والاقتصاد[76].
إن المجالس الجهوية
للحسابات تعمل ضمن مراقبتها خاصة مراقبة التسيير على عدم حصر هذه المراقبة على
مجرد تقييم أداء وتدبير الجماعات الترابية لمواردها واختصاصاتها بحيث تمتد هذه
الرقابة إلى التيقن من كون الأنظمة والإجراءات المطبقة داخل الجماعات تسعى إلى
ضمان السير الأمثل لمواردها واستخدماتها وحماية ممتلكاتها.
وحسب المادة 147 من مدونة
المحاكم المالية فإن المجالس الجهوية للحسابات تسهر على مدى ملائمة الأنظمة
والإجراءات المطبقة داخل الأجهزة الخاضعة لمراقبتها نحو طريق يضمن رقابة أحسن
لموارد هذه الأجهزة وحسن حمايتها، فهذه المجالس لها إمكانية إجراء تقييم لمشاريع
هذه الأجهزة بهدف التأكد من مدى تحقيق الأهداف المحددة لكل مشروع انطلاقا مما تم
انجازه بالنظر إلى الوسائل المستعملة.
وعليه فإن مراقبة
التسيير لا تنحصر ضمن التيقن من مشروعية البرامج المنفذة فحسب وإنما تمتد لتشمل تقييم
أدائها وكذا تكلفتها ومردوديتها أي تقييم الفعالية الاقتصادية للإجراءات المتخذة،
وعقلانية الاختيارات المتبعة من طرف الجماعة الخاضعة للمراقبة[77].
ومن خلال
الجدول أعلاه يظهر أن المهام المنجزة سنة 2011 داخل مجال مراقبة التسيير بلغ 54
مهمة، ومنه يجوز القول أنه ومن خلال مراقبة التسيير تم تشجيع الإدارة الجماعية على
وضع رقابة إدارية ومالية تمكن من تحقيق الملائمة الداخلية للإدارة.
وعلى هذا
الأساس يتضح أن لمراقبة التسيير عدة إيجابيات لعل أبرزها ما يلي:
-
تحديث الإدارة
عبر وضع طرق فعالة للعمل، لذلك يجب استعمال المناجمنت التشاركي أي التسيير
بالأهداف.
-
من الجانب
العملي فإن آليات التسيير لها ردود عمل ايجابية على الإدارة بمجملها.
-
المهمة
الرئيسية للمسؤولين هي تحسين الجودة الإنتاجية لمصالح المدنية، لذا يجب على كل
مصلحة أن تصح بنفسها برامج تحسين جودة أنشطتها كيفما كان نوعها[78].
بناء على
الجدول أعلاه يتبين أن مسطرة مراقبة التسيير تمر بعدة مراحل أولها إعداد البرنامج
السنوي للمراقبة وهنا حسب المادة 120 من المدونة فإن المجالس الجهوية للحسابات
تتمتع بحرية تامة في وضع برنامج المراقبة.
كما أنه
ودائما حسب المدونة فإنه يمكن لوزير الداخلية أو الوزير المكلف بالمالية، أن يطلب
من المجلس الجهوي المعني بأمر الرقابة أن يدرج قضية تتعلق بتسيير الأجهزة الخاضعة
لرقابته في برنامجه السنوي[79].
ولكي تقوم
المجالس الجهوية برقابتها على أتم وجه ألزم القانون الأجهزة الخاضعة للرقابة
بتقديم حسابات ووثائق محاسبية سنوية لكي تيسر عمل المجالس الجهوية، كما تتوصل
المجالس بالإضافة إلى الحسابات والوثائق المحاسبية محاضر الهيئات التداولية مصحوبة
بنسخ من تقارير المحاسبيين المعتمدين والمراقبين الداخليين والخارجيين.[80]
عند الانتهاء
من المرحلتين السابقتين تأتي مرحلة توجيه
الملاحظات الأولية التي قام بتسجيلها المستشارون المكلفون بالرقابة إلى المسؤولين
عن تسيير الأجهزة المعنية.
وعندها يقوم
المجلس بالتداول في التقارير المعدة حول التسيير، بحيث يقوم في هذه المرحلة
المستشارين بتقديم تقريرهم حول كل ملف، ويمكن حينئذ للمجلس أن يستمع إلى كل مستخدم
أو مراقب للجماعة الترابية المعنية، وإذا ما لاحظ المجلس أن البحث جاهز ومستوفي
لكل شروطه فعندها يأمر بإجراء بحث تكميلي.
وبناء على هذه
المداولة وجميع الردود والتعقيبات وحتى الأبحاث والتحريات يقوم المستشار المقرر
بإعداد تقرير خاص يخضع بدوره لمداولة المجلس[81].
وعند الانتهاء
من مسطرة مراقبة التسيير، يوجه رئيس المجلس التقارير التي تداول بشأنها إلى وزير
الداخلية أو الوالي أو العامل حسب الاختصاص، وإلى وزير المالية أو للخازن بالجهة
أو العمالة أو الإقليم.
وفي الأخير
توجه هذه التقارير إلى المجلس الأعلى للحسابات من أجل نشرها بالتقرير السنوي له مع
منحه السلطة التقديرية لإدراج أو عدم إدراج بعض هذه الملاحظات في تقريره السنوي.
وعليه يتضح أن
مراقبة التسيير تعد آلية من شأنها تقييم وتقدير جودة التدبير المحلي، نظرا لكونها
تشمل مختلف مظاهر التسيير الخاصة بالجماعات الترابية بما فيها الصفقات العمومية.
بالإضافة إلى
المراقبتين السابقتين يظهر أن مدونة المحاكم المالية جاءت بمستجدات على مستوى
المجالس الجهوية للحسابات وهي تلك المتعلقة بمراقبة استعمال الأموال العمومية التي
تتلقاها المقاولات والجمعيات وكل الأجهزة الأخرى التي تستفيد من مساهمة رأس المال
أو مساعدة مالية كيفما كان شكلها من طرف جماعة محلية أو هيئة خاضعة لرقابة المجلس
الجهوي[82].
وعليه فإن هذه
المراقبة تهدف إلى التأكد من استخدام الأموال العمومية بمعنى آخر هل هذه الأموال
استخدمت لكي تستجيب للأهداف المتوخاة من المساهمة أو المساعدة المالية، وكذا
الوقوف على المشاريع والصفقات التي استخدمت فيها هذه الأموال أي هل حققت التنمية
والأهداف التي خصصت لأجلها هذه الأموال.
وعلى العموم
لكي تقوم المجالس الجهوية للحسابات بوظائفها على أتم وجه لابد من تسخير كل
الإمكانيات سواء المالية أو البشرية المؤهلة لكي تكون هناك رقابة فعالة في مجال التدبير المالي لصفقات الجماعات الترابية.
الرقابة
القضائية للمجالس الجهوية للحسابات
تقوم المجالس
الجهوية للحسابات عملا بمقتضيات مدونة المحاكم المالية، باختصاصا قضائيا يظهر من
خلال تدخل الوحدات الرقابية في البث والتدقيق
في حسابات المحاسبيين العموميين من جهة، و من جهة أخرى التأديب المتعلق
بالميزانية والشؤون المالية.
أولا- البث والتدقيق في حسابات المحاسبين العموميين
تتولى المجالس
الجهوية للحسابات مهمة النظر في حسابات الجماعات الترابية والهيئات الخاضعة لها،
بحيث يجب على المحاسبون العموميون داخل الجماعات الترابية وهيئاتها تقديم حساباتهم
سنويا إلى المجلس الجهوي المختص حسب النطاق الجغرافي كما حدده الفصل149 من الدستور
جديد ينص على انه " تتولى المجالس الجهوية للحسابات مراقبة الجهات والجماعات
الترابية الأخرى وهيئاتها كيفية قيامها بتدبير شؤونها"
بالإضافة إلى
أن المجالس الجهوية للحسابات تمارس مهام أخرى تتجلى في مراقبة التسيير بحكم
الواقع، فبالنسبة لعمليات الجماعات المحلية وهيئاتها، توجه المستندات المثبتة
للمداخيل والنفقات كل ثلاثة أشهر إلى المجلس الجهوي للحسابات[83]،
كما أنه تتمتع هذه المجالس بحق ممارسة هذا الاختصاص وفق نفس المساطر والإجراءات
المحددة بالنسبة للمجلس الأعلى للحسابات، كونها تقوم أولا بالتدقيق والتحقيق في
الحسابات على أن تقوم في مرحلة ثانية بالبث في الحسابات.
1-
مساطر التحقيق
في الحسابات: تعتبر هذه المساطر كتابية بحيث تمارس هذه المجالس مهمة التدقيق
والتحقيق في حسابات الجماعات الترابية وهيئاتها، وعلى هذا الأساس من اللازم على كل
المحاسبيين العموميين التابعين للجماعات الترابية وهيئاتها تقديم حسابات التسيير
السنوية للمجالس الجهوية بصفة تلقائية داخل أجل محدد ووفق شكليات منظمة قانونيا
وتنظيميا[84].
وعليه فالحساب
المدلى به من طرف المحاسب العمومي يجب أن يتكون من وثائق عامة ومستندات المثبتة
للمداخيل والنفقات المبينة في الحسابات[85]،
ويتم تحديد هذه المداخيل والنفقات بموجب قرار للوزير المكلف بالمالية، ويجب على
المحاسبيين العموميين تقديم هذه الحسابات بشكل سنوي إلى المجلس الجهوي المختص غير
أن المستندات المثبتة يجب توجيهها كل ثلاث أشهر[86]،
وفي حال تأخر المحاسب العمومي للجماعة الترابية على تقديم الحساب داخل الأجل
المحدد فهو سيتعرض لغرامات تهديدية وغرمات التأخير[87].
ومن المعلوم
أن رقابة المجالس الجهوية للحسابات لا تنحصر في التدقيق والتحقيق في حسابات
المحاسبين العموميين فقط، وإنما تتعداها لتمتد إلى نوع آخر من المحاسبيين وهم
المحاسبيين الفعليين أو بحكم الواقع[88]،
فبعد تقديم المحاسب القانوني أو المحاسب بحكم الواقع لحساب تسييره، تطبق مجموعة من
الإجراءات قصد تدقيق هذه الحسابات، بحيث يتولى رئيس المجلس الجهوي اعتمادا على
البرنامج السنوي المعد سلفا، بتوزيع الحسابات والبيانات المحاسبة المقدمة، على
المستشارين المقررين الذين يقومون بالتحقيق في حسابات التسيير، وتكون مسطرة
التحقيق هاته كتابية ويتحكم فيها إشراك الأطراف المعنية بالتحقيق[89]،
وبالعودة إلى مدونة فإنه يمكن للمستشار المقرر أن يلزم كل من الأمر بالصرف
والمراقب والمحاسب العمومي أو أي مسؤول آخر بتقديم جميع التوضيحات أو التبريرات
التي يراها المستشار المقرر ضرورية، وذلك في حدود الصلاحيات المخولة إلى كل واحد
منهم، والوثائق التي هم ملزمون بحفظها تطبيقا للمقتضيات التنظيمية الجاري بها
العمل[90].
وعليه فإن
المجلس الأعلى للحسابات قد سجل في تقريره السنوي لسنة 2012 634 حسابا تم البث فيها
من طرف مختلف المجالس الجهوية للحسابات
بحيث قامت هذه الأخيرة بتبليغ 214 مذكرة للمحاسبيين العموميين و 135 مذكرة للأمرين
بالصرف.
للإشارة فإن الجماعات القروية تحتل المرتبة
الأولى من حيث عدد مذكرات الملاحظات ب 219 مذكرة تليها الجماعات الحضرية بما
مجموعه 78 مذكرة[91].
لكي تكون
مسطرة التحقيق في الحسابات صحيحة لابد من أن تقوم على مبدأ المواجهة وتعطي الحق في
الدفاع،و يقوم المستشار المقرر بتتبع ملاحظاته بحسب الحال إلى المعنيين بالأمر
ويتعين عليهم الإجابة على هذه الملاحظات داخل أجل شهرين[92].
كما أنه يقوم
المستشار المقرر بإعداد تقريرين عند انصرام الأجل المذكور أعلاه بحيث يعرض في
التقرير الأول نتائج التحقيق المتعلقة بالحساب أو البيان المحاسبي المقدم من طرف
المحاسب العمومي، في حين يعرض في الثاني الملاحظات المتعلقة بتسيير المرفق أو
المؤسسة أو المقولة العمومية وكذا الجماعات الترابية المعنية[93].
بعد هذا تتم
إحالة الملف إلى المستشار المراجع قصد إعطاء رأيه حول التقرير الأول وذلك داخل أجل
شهرين من تاريخ الإحالة[94]،
ومن هنا يتضح أن مسطرة التحقيق والبث في الحسابات تتميز بكونها مسطرة مزدوجية يمكن
من خلالها أن تكون مقابلة بين الطرفين تمنح ضمانات أكبر للخاضعين للرقابة[95].
وفي الأخير
يقوم الوكيل العام للملك بتوجيه الملف إلى رئيس المجلس الجهوي للحسابات بعد أن يضع
كل مستنتجاته، وذلك من أجل إدراجه في جدول الجلسات للبث فيه[96].
2- البث في
الحسابات
تقوم المجالس
الجهوية للحسابات بالبث وتدقيق الحسابات والمستندات المثبتة التي يقدمها المحاسبين
العموميون سنويا كما تتأكد من مدى احترام عمليات تنفيذ المداخيل والنفقات للقوانين
والأنظمة الجاري بها العمل[97]
فالمجالس
الجهوية للحسابات تقوم بعقد جلسات للبث في الحسابات، ويتم الاستماع فيها إلى
التقرير الذي يقدم من خلال المستشار المقرر و إلى أراء المستشار المراجع، بالإضافة
إلى مستنتجات وكيل الملك بالمجلس وفيما بعد تنسحب النيابة العامة وكتابة الضبط
للتداول في الملف بأغلبية أصوات أعضائها، باستثناء صوت القاضي المقرر والقاضي
المراجع اللذين[98].
ومما تجب
الإشارة إليه هو أن النيابة العامة وضعت خلال سنة 2011 مستنتجاتها على 798 تقريرا
تتعلق بتدقيق الحسابات أو الوضعيات المحاسبية المقدمة من طرف المحاسبين العموميين
هذا وعلى غرار السنوات الماضية، وأكدت النيابة العامة لدى المجالس الجهوية
للحسابات الوثيرة التصاعدية التي عرفها التدقيق والبث في الحسابات، بحيث ارتفع عدد
التقارير التي وضعت بشأن النيابة العامة مستنتجاتها من 324 تقريرا سنة 2007 إلى
798 تقريرا سنة 2011[99]
نفس الشيء بالنسبة لسنة 2015 بحيث وضعت
النيابة العامة مستنتجاتها في مادة التدقيق والبث في الحسابات حول كافة التقارير
الواردة عليها أساسا عن غرفة التدقيق والبث في الحسابات- المحدثة مؤخرا لدى
المجلس- وكذا من الغرفتين الأولى والثالثة به، إلى جانب غرفة الاستئناف ( بالنسبة
لحسابات السنوية المالية ما قبل دخول مدونة المحاكم المالية حيز التنفيذ)، وقد بلغ
مجموعها 184 تقريرا تهم 457 حسابا سنويا[100].
كما أنه من
ضمن أنشطة النيابة العامة في إطار التدقيق والبث في الحسابات فهي تقوم بوضع
مستنتجاتها إلى التقارير المستشارين المقررين بشأن الحسابات التي تم تدقيقها داخل
أجل شهر واحد يبتدئ من تاريخ إحالة الملف عليهم بشأن التقرير الخاص بالنتائج البث
في الحسابات والوضعيات المحاسبية للمحاسبين العموميين ذلك طبقا للمقتضيات المادتين
34 و 128 من مدونة المحاكم المالية.
وفي هذا
الإطار، وضع وكلاء الملك 865 مستنتجا منها 101 مستنتجا من أجل إصدار أحكام تمهيدية
و 548 مستنتجا بشأن التقارير التي تم إعدادها قصد إصدار الأحكام النهائية[101]،
وبالرجوع إلى مسطرة البث في الحسابات من طرف المجلس الجهوي فهي تختلف حسبما كانت
مخالفات من جانب المحاسب العمومي من عدمه، فإذا كانت غير موجودة فإن المجلس يبث
بقرار نهائي بإبراء ذمة المحاسب العمومي، وفي حال كانت المخالفات موجودة فإننا
نصبح أمام ما يعرف بقاعدة القرار المزدوج[102]
وتهدف هذه القاعدة إلى ضمان مشاركة المحاسب العمومي في مسطرة البث في حسابه،
ويتلخص مضمونها في ضرورة صدور قرار تمهيدي قبل صدور القرار النهائي[103]
.
وفي حال تبين
للمجلس أثناء بثه في الحساب المقدم إليه وجود مخالفات من شأنها إثارة المسؤولية
الشخصية والمالية للمحاسب،آمره بواسطة قرار تمهيدي بتقديم تبريراته كتابة، أو عند
عدم تقديمها بإرجاع المبالغ التي يصرح بها المجلس داخل أجل يحدده له المجلس الأعلى
على أن لا يقل عن ثلاثة أشهر، ويسري مفعوله ابتداء من تاريخ تبليغ القرار التمهيدي[104].
ومن شأن هذه
المدة المشار إليها أعلاه السماح للمحاسب العمومي بتقديم أجوبته عن القرار
التمهيدي الصادر في حقه ومناقشة مقتضياته، وفي جميع الأحوال يبلغ الحكم التمهيدي
إلى المحاسب العمومي، ويبلغ الحكم النهائي بالإضافة إلى المحاسب العمومي إلى سلطة
الوصاية ووكيل الملك وإلى الجماعات الترابية[105]،
وتحدد هذه الأحكام أو هذه القرارات النهائية ما إذا كان المحاسب الجماعي[106]:
-
بريء الذمة:
بمعنى يتضمن القرار إبراء ذمة المحاسب العمومي بصفة نهائية، والإذن عند الاقتضاء
بإرجاع ضمانه المالي ورفع اليد عن التقييدات على ممتلكاته إذا ما انقطع عن القيام
بمهامه.
-
في حسابه
فائض: وهنا في هذه الحالة يكون للقرار نفس الأثر، وإذا كان فائض الحساب ناتج عن
المبالغ دفعها المحاسب العمومي لسد العجز ظنه موجودا أذن له في القرار باللجوء إلى
السلطات الإدارية لاسترجاع المبالغ المذكورة بعد تقديم المبررات اللازمة.
-
في حسابه عجز:
هنا يحدد القرار مبلغ العجز الواجب دفعه بمجرد تبليغ القرار.
غير أن الطعن
يوفق التنفيذ، ما لم يكن قرار المجلس مشمولا بالنفاذ المعجل[107] ويتم تحصيل العجز طبقا للمقتضيات التشريعية
والتنظيمية المعمول بها لفائدة الخزينة، أو عند الاقتضاء لفائدة المقاولة أو
الجماعات الترابية المعنية.
ثانيا- التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية
تمارس المجالس
الجهوية للحسابات مهمة قضائية بالنسبة للمسؤولين المحليين الذين ثبتت مخالفتهم
للقواعد المالية والمحاسبية العمومية[108].
وعليه فالمجالس
الجهوية للحسابات لها نفس الاختصاص الذي يمارسه المجلس الأعلى للحسابات على
المستوى المركزي، عملا بالمواد 54/55/56 من القانون 62.99 المتعلق بمدونة المحاكم
المالية والتي تتمثل في إخضاع الآمر بالصرف أو آمر مساعد بالصرف أو مسؤول وكل موظف
أو عون يعمل تحت سلطتهم أو لحسابهم إذا ارتكبوا أثناء مزاولة مهامهم إحدى العقوبات
المنصوص عليها في المادة 54 من مدونة المحاكم المالية[109]،
ومنه يتضح أن أشخاص متعددين يخضعون لرقابة المجالس الجهوية في مجال التأديب
المالي.
وما تجب
الإشارة إليه أنه في سنة 2012 أحيل على المجالس الجهوية للحسابات 41 ملفا في ميدان
التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية وقد قررت النيابة العامة لدى هذه
المجالس حفظ ست ملفات واتخاذ إجراءات المتابعة بشأن 22 شخصا رفع عدد المتابعين إلى
65 شخصا.
وقد أسفرت
حصيلة عمل غرفة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية، خلال سنة 2015، عن
البث في الملفات المتعلقة ب 22 متابعا برسم ست (6) قضايا تتعلق بمؤسسات عمومية
وشركات عامة،وذلك من خلال إصدار قرارات بشأن مسؤولياتهم عن الأفعال المنسوبة إليهم
من طرف النيابة العامة، وتبعا لذلك بلغ عدد القرارات الصادرة عن المجلس في مادة
التأديب المالي،خلال الفترة سنة 1994 إلى غاية 2015،ما مجموعه 391 قرارا ويوضح
الجدول التالي توزيع هذه القرارات حسب صنف وقد تراوحت مبالغ الغرامات التي حكم بها
المجلس على المتابعين الذين ثبتت مسؤوليتهم ما بين 1000 درهم ومبلغ 65.000.00
درهم، كما تمت إحالة أفعال من شأنها أن تشكل عناصر للتسيير بحكم الواقع على
النيابة العامة تم اكتشافها في إطار البث في الأفعال موضوع متابعة مسؤولين بمؤسسة
عمومية.
إن التأديب
المتعلق بالميزانية والشؤون المالية قد يهم أشخاص متعددين يخضعون بدورهم لرقابة
المجالس الجهوية للحسابات خاصة في مجال التأديب ولعل أبرزهم:
1-
مسؤولية
الأمرين بالصرف:
من المعروف أن
الآمر بالصرف داخل الجماعة الترابية هو الشخص الذي له مهمة تدبير صفقاتها الشيء
الذي يجعله مسؤولا عن أي تجاوز للمقتضيات القانونية والتنظيمية المعمول بها في
ميدان الشراء الجماعي، وبالرجوع إلى المادة 54 من مدونة المحاكم المالية يتبين أن
الأمر لا يقف عند الآمر بالصرف لوحده بل يتعداه ليشمل كل موظف أو عون يعمل تحت
إمرته ولحسابه، عند ارتكاب مخالفة تعتبر من ضمن مجال التأديب.
انطلاقا من
هذا وكما تبين لي من خلال التدريب الذي قمت به داخل جماعة مراكش بأن الآمر بالصرف
يقوم بمجموعة من المهام التي تدخل ضمن اختصاصه ولعل أهمها تلك المتعلقة بتدبير
الصفقات الجماعية الشيء الذي دفع بالمشرع إلى تحديد المخلفات التي تستوجب تأديب
الأمرين بالصرف على سبيل الحصر وهي كالآتي:
-
مخالفة قواعد
الالتزام بالنفقات وتصفيتها والأمر بصرفها.
-
عدم احترام
النصوص القانونية المتعلقة بالصفقات العمومية: وهذه المخالفة صدرت فيها مجموعة من
القرارات عن المحاكم المالية، منها قرار المجلس الأعلى للحسابات الذي قضى فيه بأن
رئيس جماعة قروية، مسؤول عن إبرام صفقات عمومية لم تحترم فيها النصوص القانونية،
حيث قرر المجلس الأعلى للحسابات الحكم عليه بغرامة مالية قدرها 85000.00 درهم[110].
-
إخفاء
المستندات أو الإدلاء للمحاكم المالية بوثائق مزورة.
-
حصول الآمر
بالصرف على منفعة مادية ليس لها مبرر.
ومنه يتضح أن هناك مقتضيات عديدة تهم الآمر
بالصرف فعند مخالفته لها فهذا سيعرضه للمساءلة أمام المجلس الأعلى للحسابات، كونه
خالف قواعد تهم الميزانية والشؤون المالية.
2-مسؤولية
المحاسبيين العموميين:
إن رقابة المجالس الجهوية للحسابات لا تنحصر على
الآمرين بالصرف فقط بل تتعداها لكي تشمل حتى المحاسبيين العموميين، بحيث يمكن
للمجلس مساءلة المحاسبيين العموميين الذين امتنعوا عن القيام بالمهام المنوطة بهم
سواء تعلق الأمر بالرقابة التي يبسطونها في مرحلة الالتزام بالنفقة أو خلال مرحلة
الأداء، فمن شأن هذه المخالفات تعرض المحاسب العمومي أو أي شخص يعمل لحسابه
للعقوبات المنصوص عليها في مدونة المحاكم المالية في حال لم يقوموا بالمراقبات
الملزمون بها[111].
وعليه يظهر أن
المحاسب العمومي تثار مسؤوليته حينما يتعلق الأمر بتدبير الصفقات العمومية ذلك
عندما لا يمارس رقابته على الوثائق المتعلقة بالالتزام بالنفقة التي هي موضوع
الصفقة[112].
كما أنه يتضح
من خلال مرسوم المحاسبة العمومية لسنة 2017 للجماعات الترابية محتوى رقابة المحاسب
العمومي المالية والتي تنصب على عدة جوانب منها توفر الاعتمادات والمناصب المالية،
الإدراج المالي للنفقة، صحة العمليات الحسابية لمبلغ الالتزام في ضوء العناصر
الموفرة و مجموع النفقة التي تلتزم بها أصناف الجماعات الترابية[113].
فالمحاسب
العمومي قد يتعرض لتأديب المالي أمام المجالس الجهوية للحسابات في حال لم يعمل على
المراقبة المرتبطة بصحة النفقة نظرا لكون هذا العمل يدخل ضمن اختصاصاته والتي عليه
القيام به خلال مرحلة أداء النفقة، كما أنه يخضع للعقوبات المنصوص عليها في الفصل
56[114]
من مدونة المحاكم المالية في حال أخفا هو كل من يعمل تحت إمرته المستندات أو أدلو
إلى المجلس بوثائق مزورة أو غير صحيحة، أو حصلوا لأنفسهم أو لغيرهم على منفعة غير
مقررة نقدية أو عينية.
فضلا عن ذلك،
يعتبر المحاسب الجماعي مسؤولا فيما يتعلق بالتأديب المالي، عن المراقبة التي يتوجب
عليه أن يجريه بمقتضى النصوص القانونية والتنظيمية المعمول بها- غير تلك المرتبطة
بصحة النفقة- وفي هذا الإطار يراقب المحاسب الجماعي صحة النفقة من خلال التأكد من
صحة حسابات التصفية، ووجود الإشهاد المسبق على الالتزام المالي، والصفة الإبرائية
لتسديد، كما أن المحاسب مكلف أيضا بالتحقق من توقيع المشتري الجماعي أو الشخص
المفوض له، وتوفر اعتمادات الأداء، والإدلاء بالوثائق والمستندات المثبتة للنفقة[115].
والجدير
بالذكر أن مسؤولية المحاسب العمومي تمتاز بأنها مسؤولية مزدوجة الشيء الذي يجعله
يخضع رقابة مزدوجة في نفس الآن، بحيث يخضع لرقابة قضائية مباشرة من قبل المجالس
الجهوية للحسابات في إطار البث في الحسابات الذي يقدمه سنويا، وتمارس عليه رقابة
أخرى غير مباشرة وهي الرقابة في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية[116].
رقابة القضاء الإداري على صفقات الجماعات الترابية
تكتسي صفقات
الجماعات الترابية أهمية بالغة نظرا لما لها من تأثير على الحياة الاقتصادية
والاجتماعية وعلى التنمية المحلية بصفة عامة، الشيء الذي يفرض رقابة قضائية صرفة
عليها والتي تقوم بها المحاكم الإدارية.
رقابة قضاء الإلغاء
تعمل الإدارة
الجماعية في إطار تدبير الصفقات العمومية باتخاذ عدة قرارات إدارية، وتتمتع في هذا
النطاق بقسط من حرية التقدير التي تركها لها القانون، سواء بالنسبة لاتخاذ القرار
أو عدم اتخاذه[117]،
وأمام توسع السلطة التقديرية المعترف للإدارة في هذا الباب، حاول القضاء الإداري
تحقيق فعالية أكثر في رقابته على سلطة الإدارة وضمان التوازن بين متطلبات المصلحة
العامة والمصلحة الخاصة للمتنافس[118]،
الشيء الذي جعل القضاء الإداري يتدخل لكي يبسط رقابته على السلطة التقديرية
للإدارة لكي لا يكون هناك تعسف من طرفها على المتنافسين.
يجوز القول أن
القانون أعطى للإدارة الجماعية سلطة اتخاذ قرارات انفرادية رامية للإقصاء من
المنافسة ذلك من أجل ضمان تحقيق أغراضها المرفقية، لكن قد تكون هذه السلطة مقيدة
سواء في مجال اتخاذ مقررات إقصاء العروض أو في إقصاء التعهدات.
أولا- إلزامية تعليل القرارات المنفصلة
اشترط مرسوم
20 مارس 2013 الإفصاح عن الأسباب المعتمدة في اتخاذ بعض القرارات الصادرة خلال
إبرام الصفقة، وهذا ما أكده القانون رقم 01.03 المتعلق بالتزام الإدارات العمومية
والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية بتعليل قراراته بحيث أن هذا القانون أعطى
دفعة جديدة لإلزامية تعليل القرارات الإدارية المتعلقة بتنظيم المنافسة في الصفقات
العمومية، ومن تم تظهر أهمية العمل القضائي من خلال تكريس التكامل بين مرسوم الصفقات
العمومية وكذا القانون رقم 01.03 في مجال إلزامية تعليل القرارات الفردية المتعلقة
بالإقصاء من المنافسة[119].
1-
تعليل قرار
الإقصاء من المنافسة:
ينص مرسوم
الصفقات العمومية على ضرورة إخبار المتنافس الذي تم إقصاء برفض عرضه مع ذكر أسبابا
إبعاده برسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل داخل أجل لا يتعدى خمسة أيام كاملة
ابتداء من تاريخ انتهاء أشغال اللجنة المكلفة بطلب العروض[120]
هذا الإلزام يسري حتى على طلب التعاقد من الباطن وعلى قرار الإقصاء من المنافسة
المنظمة في إطار طلب العروض بالانتقاء المسبق وكذلك الصفقات بالمباراة، وإقصاء
العروض المتعلقة بالمهندسين المعماريين في إطار الاستشارة المعمارية والمباراة
المعمارية[121]،
تقتصر هذه الإلزامية على الإقصاء الذي يتم إثر تقييم العروض المالية للمتنافسين،
ولكن ما يجب التأكيد عليه هو أن هذا الإقصاء لا يشمل الملفين الإداري والتقني نظرا
لكون هذان الملفان يتم إقصائهما بشكل شفوي.
وعلى هذا
الأساس ذهب القضاء الإداري حيث أكد على إلزامية ذكر الأسباب التي أدت إلى إبعاد
المتعاهدين وإقصاء ملفاتهم وهذا ما سارت عليه محكمة الدار البيضاء الإدارية في حكم
لها بتاريخ 18/10/2006 بحيث قضت" بإلغاء قرار إقصاء إحدى الشركات من نيل
الصفقة رغم أنها تم قبول ملفيها الإداري والتقني من طرف لجنة العروض إلا أنها
فوجئت العارضة بمبادرة صاحب المشروع بإخبارها عن طريق رسالة بالفاكس بأن عرضها
المالي لم يقبل من طرف لجنة فتح الأظرفة وبدون أن تعلل قرارها الإداري بسبب الرفض
ودون أن تعطي مبررات الإقصاء "[122].
ولهذا فإن
العمل القضائي لم يأل جهدا في الحرص على أن لا تنقلب سلطة صاحب المشروع فيما يرجع
لفحص المطابقة إلى سلطة يكون مضمونها التقدير والملائمة[123]،
ذلك لحرصه على ضرورة تعليل القرارات الإدارية المتعلقة بتدبير صفقات الجماعات
الترابية خاصة.
2-
قرار الإقصاء
من المشاركة في الصفقات العمومية كجزاء عقابي:
من خلال ما
سبق يتضح أن الإقصاء من المنافسة في مجال الصفقات العمومية يتم بناء على الشروط
المقررة لنيل الصفقة،أي يجب أن يتوفر ملف المتعهدين والمتنافسين على جميع الشروط
المطلوبة والمقررة من طرف صاحب المشروع للمشاركة لنيل الصفقة وإلا عرضه للإقصاء
والخروج من المنافسة[124]،كما
أن الإقصاء يكون على شكل عقوبة تتخذها الإدارة بسبب عدم صحة أو زورية المعلومات
المضمنة في التصريح بالشرف الذي أدلى به المتنافس[125]،
ويتم إقصاء العروض أيضا كعقاب للمتنافس الذي ارتكب أعمال الغش أو رشوة أو مخالفات
متكررة لشروط العمل أو إخلالات خطيرة بالالتزامات الموقعة، بحيث يتم إصدار مقرر
لوزير الداخلية بإقصاء المتنافس أو صاحب الصفقة حسب الحالة بشكل مؤقت أو
نهائي بعد استطلاع رأي لجنة تتبع صفقات
الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات[126].
وفي جميع الأحوال
يجب استدعاء المتنافس أو صاحب الصفقة الذي تبلغ إليه المؤخذات للإدلاء بملاحظاته
داخل أجل محدد من طرف صاحب المشروع والذي لا يمكن أن يكون أقل من خمسة عشر يوما
ويبلغ إليه المقرر الذي يجب أن يكون معللا[127].
والمشرع كان
شديد الحرص على إلزامية التعليل في مقررات الإدارة بشأن عقوبة الإقصاء هذه،
بإجبارها على تعليل مقرر العقوبة وتبليغها إلى المتنافسين، والملاحظ أن الفصلين
المذكورين لم يستثنيا المقرر الذي يتخذه رئيس الحكومة من إلزامية التعليل بحيث
اجبر الإدارة في جميع حالات الإقصاء المتخذة كإجراء عقابي على تعليل مقرراتها في
هذا الشأن[128].
3-
جزاء الإخلال
بإلزامية التعليل:
إن مرسوم
الصفقات العمومية كان واضحا عندما نص على ضرورة تعليل القرارات الإدارية المتعلقة
بالإقصاء من المنافسة، وهذا ما أكده القانون رقم 01.03 كونه أوجب تعليل القرارات
الإدارية الفردية السلبية المحددة به، لكن كلا القانونين لم يحددوا جزاء الإخلال
بعدم التعليل، وهذا ما استقر عليه القضاء الإداري من خلال قاعدة مفادها لا وجوب
للتعليل إلا بنص قانوني صريح وانطلاقا من هذا فمن واجب المشرع التدخل لكي يلزم
الإدارة بتعليل قراراتها، فإنه يتعين الرجوع إلى المبدأ العام الذي يقضي بأن لا
إلزام بالتعليل و أن الإدارة مطالبة بالإفصاح عن علة القرار في مذكراتها الجوابية
وإذا تقاعست عن ذلك رغم إنذارها وإمهالها تكون موافقة على وقائع الطلب وتعرض
قرارها للإلغاء[129]،
وعلى هذا الأساس صارت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى على مبدأ "مفاده أن لا
وجوب للتعليل بصلب القرار الإداري، إلا حين يوجب القانون ذلك صراحة بنص خاص وانه
يكفي أن تثبت الإدارة هذه الأسباب أثناء النظر في صلب إلغاء هذه القرارات أمام
المجلس الأعلى ضمن جوابها على موضوع الطعن"[130].
لكن هل يعتبر
التعليل الوجوبي من أسباب الطعن المتعلقة بالنظام العام، باعتباره يدخل ضمن قواعد
الإجراء والشكل؟ من المستقر عليه قضاء أنه لا يجوز بعد انقضاء مدة الطعن أن يثير
المدعي أسبابا تتعلق بالإجراء أو الشكل الخاص بالقرار الإداري، إذا كانت الأسباب
التي أثارها خلال مدة الطعن تتعلق بالمشروعية الداخلية فقط وفي هذه الحالة يرفض
القاضي أن يثيرها من تلقاء نفسه[131].
واعتبارا عيب
عدم التعليل الوجوبي من النظام العام، يترتب عنه بطلان القرار الغير المعلل كجزاء
مطابق، وليس عدم الشرعية التي تنصب على عدم صحة القرار موضوعا في إطار الرقابة
الداخلية لمشروعيته التي تشمل مخالفة قواعد القانون والانحراف في استعمال السلطة
وانعدام الأسباب[132].
إذن يظهر أن
القضاء الإداري يمارس رقابة خارجية وأخرى داخلية من خلال الدفع المتعلق بعيب عدم
التعليل، حيث أن الأولى تقتصر على شكل القرار الخارجي في حين الثانية تركز على
القرار من الداخل وهذا من أجل تقييم مشروعيته، لكن في كلا الحالتين يكون مصير
القرار الإداري المعيب الإلغاء.
إن إلغاء
القرار المترتب عن عيب في الشكل والاختصاص والذي تمارس عليه الرقابة الخارجية أثار
إشكالا عندما تخل الإدارة الجماعية بواجب القيام بالإجراءات الشكلية المنصوص عليها
في مرسوم الصفقات العمومية[133]،
وهذا ما سار عليه القضاء الإداري في إحدى أحكامه بحيث قضت إدارية الرباط "بأن
خرق الإدارة لمقتضيات المادتين 42 و 44 من المرسوم الضابط للصفقات العمومية، وهي
مقتضيات توجب على الإدارة إنصاف الإعلان عن نتائج فحص العروض بمقرها خلال الأربع
وعشرين ساعة الموالية لانتهاء أشغال فحص العروض لمدة خمسة عشر يوما كاملة على
الأقل، كما توجب عليها أيضا إخبار المعتمدين المقصيين برفض عروضهم، وعند الاقتضاء
بأسباب الإقصاء بناء على طلبهم- ليس من شأنه سوى ترك أجل الطعن القضائي مفتوحا حتى
يتسنى مناقشة دواعي ومبررات اتخاذ قرار الإقصاء وبالتالي مدى مشروعيته[134].
رغم أن هذه الإجراءات مهمة في مجال الصفقات
العمومية وعدم احترامها يؤذي للإلغاء إلا أن تصحيحها وتعديلها يهدر الوقت ومن
المحتمل مساسه باستمرار المرفق العام وكذلك بحقوق المتنافسين.
وأخيرا يمكن
القول أن عيب الشكل إلى جانب عيب الاختصاص في مجال الصفقات العمومية من العناصر
التي تؤثر على الشرعية الخارجية للقرار الإداري المنفصل عن عقد الصفقة[135]
.
رقابة القضاء الإداري على حالات الإقصاء
إن تدبير
الصفقات العمومية يقتضي من الإدارة صاحبة الصفقة ممارسة الحرية التامة لاتخاذ ما
تراه مناسبا لتدبير، وأمام توسع السلطة التقديرية للإدارة، حاول القضاء الإداري
تحقيق فعالية أكثر في رقابته على سلطة الإدارة وضمان التوازن بين متطلبات المصلحة
العامة والمصلحة الخاصة للمتنافس[136].
إن مرسوم
الصفقات العمومية قيد من سلطة الإدارة في مجال اتخاذ مقررات الإقصاء من المنافسة
وهذا يظهر بشكل واضح في مرحلة فحص المقدمة أو خلال عملية فحص العروض.
1-
رقابة القضاء
الإداري على قرار إقصاء التعهدات:
إن مرسوم
الصفقات العمومية عمل على تحديد الشروط والمقاييس التي يجب توفرها لصحة التعهدات[137]،
هذا وقد خول المشرع المغربي للجنة طلب العروض صلاحية التحقق من توافر هذه الشروط
والشكليات في المتنافس حيث تباشر في هذا الإطار عملية التدقيق والتثبيت من الطلبات
والملفات الإدارية والتقنية التي تتوصل بها، بحيث يمكن إقصاء التعهد على إثر فحص
الملف الإداري والتقني بقرار شفوي خلال الجلسة العمومية الثانية لفحص العروض[138]،
وعلى المستوى العملي ومن خلال ما تم هذا ما تم تعيينه أثناء إجراء تدريب بجماعة
مراكش بحيث تقوم لجنة فحص العروض بإقصاء التعهدات في حال وجدت هناك نقص سواء في
الملف الإداري أو التقني من حيث الوثائق المقدمة أو في حال تقادمها ومن حق
المتنافس بعد إقصاء تعهده معرفة السبب وراء ذلك من رئيس قسم الصفقات وإذا ما تبين
له أن هناك إجحاف في حقه يلجأ إلى القضاء الإداري.
فالإقصاء يكون
نتيجة اللامبالاة التي يبديها المتنافس و عدم الحرص على استيفاء الشروط المطلوبة،
فهنا لا يمكن له أن يطالب بإلغاء القرار بحجة أن هناك تجاوز في استعمال السلطة،
الشيء الذي يدفعه لإيجاد حل يمكن من خلاله
إبعاد الإساءة التي قد تدفعه للإقصاء وعدم الحصول على الصفقة.
وتأسيسا على
ما سبق فأي إقصاء خلال هذه المرحلة لأحد المتنافسين بداع من الدواعي يترتب عليه
أعمال الرقابة القضائية لتصحيح كل شطر محتمل من جانب الإدارة إذا طلب من المحاكم
الإدارية ذلك[139].
ومن خلال
مرسوم الصفقات العمومية يتبين أنه أعطى صلاحيات تامة للجنة طلب العروض لاختيار
المتنافس الذي قدم عرضه موافق لما هو منصوص عليه في هذا المرسوم ومحترم لكافة
الشروط[140]،
وبهذا فالمشرع و من خلال المرسوم خول لهذه اللجنة السلطة التقديرية لتقييم قدرات
ومؤهلات المتنافسين من أجل الظفر بالصفقة، وعليه ومن خلال العمل القضائي يتبين أن
القاضي الإداري و إن سمح للإدارة بسلطة تقديرية في قبول التعهدات أو إقصائها، أو
رفض المصادقة على الصفقة فإنه بالمقابل وضع بعض الضوابط لتلك السلطة[141]،
والمتمثلة في أن عمل هذه اللجنة ينحصر فقط في مطابقة الملفات الإدارية والتقنية
المقدمة من طرف المتعهدين للشروط المطلوبة للمشاركة في المنافسة، وفقا لما هو مقرر
في المرسوم بما في ذلك الشروط المتعلقة بالمؤهلات المالية والتقنية، ومنه يتضح أن
هذه السلطة مقيدة بما هو منصوص عليه وليست مطلقة، إلا أن لاعتبارات ترتبط بحسن
تدبير المال العام تقتضي منح الإدارة هامشا من الحرية بهذا الصدد ومن قبيل هذه
الاعتبارات مراعاة الضمانات العينية والشخصية لإنفاق المال العام[142]،
وذلك بهدف حفظه وضمان حسن سير إعداد وتنفيذ الصفقة على أثم وجه.
وتأكيدا لما
سبق ذهبت المحاكم الإدارية في إحدى أحكامها إلى أن" للإدارة سلطة تقديرية في
اختيار العروض المقدمة أثناء جلسة فتح الأظرفة واختيار أي منها ولا رقابة للقضاء
عليها في ذلك ما لم يكن هناك انحراف في استعمال السلطة وما دامت الإدارة غير ملزمة
بتبرير سبب إقصاء الطاعنة فإنه كان على هذه الأخيرة أن تدلي بما يثبت الانحراف في
استعمال السلطة التي تدعيه"[143].
غير أن وجود
نظام قانوني يحدد شروط وكيفيات إبرام الصفقات العمومية يقتضي الحد من السلطة
التقديرية للإدارة من خلال سن بعض الضوابط المقيدة لتلك السلطة[144]،من
قبيل فرض الرقابة على الأصول الواقعية للسبب المعتمد من طرف لجنة فتح الأظرفة من
إقصاء المتعهد وعدم الانحراف في استعمال السلطة المذكورة، ذلك أن الإدارة وإن كانت
تتمتع بحرية اختيار المقاول أو الممون الذي يحضا بنظرها بالأسبقية ولو لم يكن هو
المقاول أو الممون المتقدم بأقل ثمن [145]،
فحسب المرسوم المنظم للصفقات العمومية من اللازم على لجنة فتح الأظرفة تقديم
المعايير التي على أساسها اختارت المرشح المقبول، فإعطاء سبب لقرارات اللجنة يعتبر
ضمانة للمقاول بأن كل الإجراءات تمت بشكل قانوني، ومنه يلاحظ أن المشرع أكسب
لقرارات اللجنة قوة إلزامية بحيث لا يجوز للسلطة المختصة أن تغير الاختيار الذي
أقرته لجنة طلب العروض[146]،
إذن وبهذا انتقل المشرع من رأي تبديه هذه اللجنة إلى قرار لا يمكن للجماعة
الترابية المعنية تغييره.
لكن ما يجب
التأكيد عليه هو أن القضاء كان هو السباق لاعتبار قرارات هذه اللجنة ملزمة بحيث
سارت على هذا الاتجاه محكمة أكادير الإدارية في إحدى أحكامها " حيث أن الدفع
بعدم توجيه الدعوى ضد لجنة فتح الأظرفة لا أساس له من القانون كذلك، إذ أن دعوى
الإلغاء دعوى عينية تستهدف القرار في حد ذاته ويكون توجيهها ضد الشخص الاعتباري
العام، الدولة المغربية المتمثلة في شخص الوزير الأولوالوزير المعني بالصفقة
توجيها سليما"[147].
2-
رقابة القضاء
الإداري على قرار إقصاء العروض:
خلافا لما
عليه الأمر بالنسبة لقرار إقصاء التعهدات، فقرار إقصاء العروض يلزم على الجماعة
الترابية المعنية بالصفقة إخبار المتنافس الذي تم إقصاء عرضه من المنافسة برسالة
مضمونة مع الإشعار بالتوصل كما أنه من اللازم عليها إخباره بسبب الإقصاء وذلك داخل
أجل لا يتعدى خمسة أيام، يبتدئ من تاريخ انتهاء انتقاء اللجنة مع ضرورة ذكر أسباب
الإقصاء.
ومنه يظهر أن
سلطة الجماعة الترابية مقيدة بذكر الأسباب التي من خلالها تم إقصاء عرض المتنافس،
وهنا تظهر الرقابة القضائية والتي تتجسد في التأكد من وجود الوقائع والأسباب التي
تبنتها الجماعة في إقصاء العروض واختيار من فاز بالصفقة، وفي حال تبث للقضاء أن
الأسباب والوقائع المعتمدة في الإقصاء صحيحة
فهنا يؤكد للإدارة الترابية أن سلطتها التقديرية حق أعطاه إياها القانون
ولا رقابة عليها طالما لم تتجاوز حدودها في استعمال هذه السلطة .
و إذا كان
القاضي الإداري قد اعتبر عيب الانحراف في استعمال السلطة عيبا شكليا موجبا لقبول
دعوى الإلغاء والحكم بالإلغاء، فإن خرق إلزامية التعليل جعل موضوع دعوى مستقلة
توفر لصاحب الشأن كل الضمانات المتعلقة بحقوق الدفاع مما لا يستساغ معه حشر دعوى
الإلغاء بمتعلقات عيب شكلي، من شأنها أن تثني القاضي الإداري عن البث في جوهر النزاع من خلال التصدي للأركان الموضوعية
لمقرر الإقصاء على ضوء مراجع المشروعية التي يتعين إثراؤها[148]،
حتى وإن كان الأمر كذلك فالمشرع من خلال المادة 45 من المرسوم الصفقات العمومية
أعطى للسلطة المختصة إمكانية إلغاء طلب العروض بناء على الحالات المنصوص عليها في
هذه المادة.
لكن الإشكال
الذي سيبقى مطروح هنا فيحق من يطعن بالإلغاء هل في حق الإدارة الجماعية صاحبة
الصفقة أم في حق سلطات الوصية؟ للإجابة عن هذا الإشكال يمكن طرح إشكال آخر يكمن في
هل يمكن اعتبار أن تنفيذ الصفقة يتوقف على إرساء العروض واختيار نائل الصفقة؟ فإذا
كان الجواب هو النعم فإن هنا الإدارة المعنية هي الجماعة الترابية و إذا كان
الجواب هو العكس فهنا المعنية هي سلطات الوصاية، وإذا ما تم ربط الإشكال بالمراحل
الأولى للصفقة فإن عقد الصفقة لا يأخذ صفة صفقة نهائية إلا بعد المصادقة عليه من
طرف السلطة المختصة وعليه فإن الطعن يوجه ضد الإدارة المعنية وليس ضد الإدارة
الوصية.
إذن يظهر أن
القرارات الإدارية الممهدة لإبرام الصفقات العمومية والتي من شأنها أن تؤذي إلى
الإقصاء من المنافسة، تعد مجال خصب للطعن بالإلغاء باعتبارها قرارات إدارية منفصلة
مع العلم أن الحكم بالإلغاء يتوقف على إلغاء القرار ولا يتعداه إلى ضمان حماية
أكثر للمتضرر من هذا الحكم، فهل يمكن لقضاء الشامل ضمان هذه الحقوق؟
رقابة القضاء الإداري
الشامل
تعتبر المنازعة المثارة
أمام القضاء الإداري بإلغاء الصفقة منازعة مرتبطة أساسا بالقضاء الإداري الشامل،
كون الإدارة بصفة عامة تجازي المخل بعقد الصفقة بفسخه كجزاء على إخلال المتعاقد
معها بالتزاماته القانونية أو مخالفات تؤثر على المرفق العام باعتبار الإدارة
تتمتع بامتيازات السلطة العامة المراد منها تحقيق الصالح العام،هذه الامتيازات
تجعلها غير مجبرة بالاستمرار في علاقتها التعاقدية، ولها كافة الصلاحيات بتوقيف
الصفقة متى رأت مساس بالمصلحة العامة، لكن هذه الصلاحيات أو السلطة ليست مطلقة بل
هي مقيدة بهاجس الصالح العام وهي في هذه الحالة تخضع لرقابة القاضي الإداري وهذا
ما سيتم توضيحه في الآتي.
أولا:دور القضاء الشامل في فرض ضوابط المنافسة في الصفقات الجماعات الترابية
الأصل أن جل المنازعات
المتعلقة بالعقود الإدارية تثار أمام القضاء الإداري الشامل، وذلك لاعتبار أساسي
هو السلطات الممنوحة للقاضي في إطار القضاء الشامل بحيث يمكن له أن يقوم بإلغاء
القرارات المخالفة للقانون في حال وجودها ويمكن له أن ينهي النزاع كليا مع ما يترتب
من نتائج سواء كانت ايجابية أو سلبية[149]، فقاضي القضاء
الشامل يمتلك أدوار عدة في مجال الصفقات
العمومية.
1-
دور القضاء الإداري الشامل
للتدخل بناءاعلى حكم الإلغاء:
لا جدال أن دور قاضي الإلغاء يقتصر فقط على إلغاء القرار
الغير المشروع والذي يكون منفصل عن العقد لكن الأمر يختلف بالنسبة عندما يتعلق
الأمر بقاضي القضاء الشامل، فإذا كان الحكم بالإلغاء له حجية مطلقة، فإن الأمر
يختلف بالنسبة للقضاء الشامل، وبالتالي هل يمكن لطرف المستفيد من الحكم اللجوء إلى
القضاء الإداري الشامل لإبطال الصفقة.
- دعوى المطالبة ببطلان الصفقة:تكون هذه الدعوى مبنية
على حكم قاضي القضاء الشامل و يطعن فيه أمام هذا القاضي من طرف المتعاقدين عادة، وقد يكون العكس عندما يكون أحد الأغيار قد طعن
بالإلغاء ضد القرار المدعم للعقد الذي يكون قرار إداري منفصل صدر في إطار تنظيم
المنافسة، وذلك راجع لاختلاف بين مصلحة المتعاقدين والغير، فضلا على أن فكرة الحق
المكتسب تلعب دورها، لذلك يبقى العقد قائما ما لم يطلب أحد طرفيه إلغائه[150].
وبالرجوع إلى إلغاء القرار من طرف قاضي الإلغاء فإنه ليس
من شأنه أن يؤثر على العقد على الأقل بشرط
أن لا يكون الحكم بالإلغاء نهائيا، لكن
هذا الالتزام يبقى نظريا فقط مهما كانت الامتيازات التي يمكن أن تنتج عنه لأنه قد
يؤذي إلى بطلان الإجراءات العملية التعاقدية التي مازلت في طور الإنجاز لأنه يرتكز
على حجية الشيء المقضي به وفي هذه الحالة وجب على الإدارة الجماعية إما إعادة
تنظيم الصفقة وإما البحث عن حل حبي يهدف تحقيق تطابق العقد الأصلي مع ما تم الحكم
به من طرف قاضي الإلغاء، لكن في حال لم يتم اختيار هذا الحل يمكن اللجوء إلى
القضاء الشامل من طرف المعني بالأمر من أجل إبطال العقد[151]، لكن هذه الحالة تكاد
تكون منعدمة من الناحية الواقعية وهذا راجع لبطئ إجراءات التقاضي وإبرام الصفقة
قبل صدور حكم الإلغاء.
-
دعوى المطالبة بالتعويض: من المؤكد أن قاضي الإلغاء دوره
إلغاء قرار غير مشروع ولا يمكن له تجاوز ذلك بتوجيه أوامر للإدارة بالعدول عنه أو
إعادة إجراءات إرساء الصفقة ونظرا لكون الجهة المطالبة بالتعويض لا ترمي من وراء
إقامتها للدعوى تنصيب نفسها حارسا للمشروعية وإنما تسعى الوصول إلى غايتها وهي
الحصول على الصفقة فقط، لكن الممارسة العملية أظهرت أن حكم الإلغاء لا يوصل
المقاول إلى مراده وذلك لاعتبار أساسي وهو طول المدة التي تستغرقها دعوى الإلغاء
وبالتالي الصفقة قد تكون بدأت في التنفيذ وإخراجها إلى حيز الوجود، مما يجعل إرجاع
الأمور إلى الحالة التي كانت عليها وتنفيذ حكم الإلغاء مستحيلا، وبما أن حكم
الإلغاء لا يسعف المقاول المنافس في الإبقاء على حظوظه في الفوز بالصفقة، كما أن
المتنافس الذي تم إقصائه لا يحصل على التعويض نتيجة لإقصائه من الصفقة إلا إذا كان
الضرر محققا مما يعني أن التعويض غير آني مع العلم أن الإدارة اقترفت خطأ مرفقي،فإن
هذا لم يمنع المشرع منإعطاء للمتنافس الذي تم إقصائه إمكانية المطالبة بالتعويض
وفقا للمادتين 44و 45 من مرسوم 20 مارس 2013 وهو غير مستساغ لأنه لا يمكن صد الباب
بالمرة في أحقية التعويض إذا كان الإقصاء خارقا للمشروعية، وهي مكنة وحق خوله
الدستور نفسه، وإلا فما المغزى استصدار حكم بإلغاء قرار الإداري مشوب بعيب من عيوب
عدم المشروعية والمخالف لضوابط المنافسة، إذا لم يستفيد منه المتنافس الصادر لفائدته[152].
فإذا كان هذا المرسوم
قد منع المتنافس المقصي من المطالبة بالتعويض فإن بمقابل ذلك يمكن الرجوع إلى
مسؤولية الإدارة عن الأضرار التي سببها للغير انطلاقا من مقتضيات الفصل 79 من
قانون الالتزامات والعقود المؤطرة للمسؤولية التقصيرية كما أنه يمكن الرجوع إلى المادة
8 من قانون المحدث للمحاكم الإدارية رقم 41.90.
2-
دور القضاء الشامل في الصفقات المبرمة خارج
ضوابط المنافسة بصفته صاحب الولاية العامة:
تتجلى الصفقات المبرمة خارج ضوابط المنافسة في الصفقة
الباطلة وأساس المسؤولية المترتبة عنها.
-
الصفقات الباطلة: لإبرام الصفقات العمومية بصفة عامة
وصفقات الجماعات الترابية بصفة خاصة يجب
إتباع الضوابط المحددة وفق ما نصت عليه المادة 16 من مرسوم الصفقات العمومية التي
تنص على أنه تبرم صفقات الأشغال والتوريدات والخدمات عن طريق طلب العروض أو
المباراة حسب المسطرة التفاوضية، و إلى جانب المادة 16 المادة 88 منه التي أجازت
إمكانية انجاز أشغال في حدود مائتي ألف درهم في إطار سنة مالية واحدة،وعليه يمكن استنتاج
أن طرق إبرام الصفقات خاصة تلك المتعلقة بطلب العروض والمسطرة التفاوضية كونها
الأكثر مصادفة في مجال الصفقات العمومية حسب ما استقر علية الاجتهاد القضائي
الإداري بحيث ورد في هذا الإطار قرار عن الغرفة الإدارية بحيث قضت على أنه"
بالرجوع إلى وثائق الملف يتبين أن ما أدلت به المدعية المستأنفة في المرحلة
الابتدائية لا يكفي للقول بمديونية الجماعة المدعى عليها، لأن ما أدلت به مجرد
شهادة صادرة عن رئيس المجلس المدعى عليه دون تبيان تسليمها، ولا ماهي شكليات
التعاقد مع الإدارة تجعل الدعوى ناقصة الإثبات بخصوص شكليات الاتفاق على ما تدعيه
من انجاز الأشغال المطالب بقيمتها، لأن للصفقات العمومية شروطها قانونية تمس
بالنظام العام حفاظا على المال العام ولا تلتزم الإدارة بالنفقات إلا بمراعاة
الشروط"[153] وفي قرار آخر للمجلس الأعلى الذي سلك في نفس
التوجه الذي جاء فيه" لصرف النفقات قواعدها والتي لها مساس بالنظام العام
ومنها أن الصفقة ليست سوى تنفيذ لميزانية سبقت المصادقة عليها بصفة قانونية، وأن
ما زاد لا يمكن أن يتم بمجرد سند طلب"[154]، ومنه نخلص أن المحاكم
الإدارية وعلى رأسهم الغرفة الإدارية أعطيت لها الفرصة أن تؤهل بدورها هذا الموضوع
على نحو مماثل في العديد من أحكامها بمناسبة النظر في منازعات الصفقات الغير
محترمة لضوابط ومساطر إبرامها، وبما أن القضاء الإداري من خلال اجتهاداته القضائية
أعطى الحق للمتعاقد في الحصول على التعويض عن الأشغال المنجزة في إطار الصفقة
الباطلة، ليبقى السؤال عن أساس المسؤولية فيها.
-أساس المسؤولية
الإدارية:تعتبر الصفقة باطلة إذا كانت مخالفة لشروط والضوابط وأشكال الصفقة كما
سبقت الإشارة إلى ذلك، فمخالفة الصفقة للقواعد والإجراءات المرسومة لها التي تضمن
نوع من الشفافية وحرية المنافسة وفعالية إنفاق المال العام يؤذي إلى إشكال قانوني
يتمثل في الجزاء المترتب عن هذا الإخلال، بحيث لا يمكن تعويض تلك الأشغال الباطلة
والمخالفة للقانون في إطار عقد الصفقة، لذا يجب البحث عن أساس قانوني لسند هذا
الإشكال المطروح، والذي يكمن في نظرية الإثراء بلا سبب المنصوص عليها في الفصول 65
و66 و75 من قانون الالتزامات والعقود هذه النظرية عرفت تطبيقا قضائيا استعانة بها
بعض المحاكم الإدارية وقبلها مجلس الدولة الفرنسي، بحيث تبقى هذه النظرية هي الحل
العادل لتعويض المقاولة عن الأعمال التي نفذتها وهذا ما ذهبت إليه إدارية فاس في
حكم لها بحيث جاء فيه" حيث أن عدم توفر عقد الصفقة على أحد الشروط الجوهرية
المنصوص عليها بموجب مرسوم 482_98_2 المؤرخ في 30 دجنبر 1998، يجعله باطلا وغير
منتج لأي أثر قانوني ناتج عن العقد وبالتالي يمثل هذا العقد في مجال العقود
الإدارية والمنازعات القضائية في هذا الإطار ومن تم يجرده من الضمانات التي يخولها
للمتقاضي في المرسوم المذكور... لكن اعتبارا لكون انجاز الأشغال ترتب عنها تحمل
المدعي بنفقات أثبتتها وثائق الملف المدلى بها وتقرير الخبرة، وفي المقابل حققت
جهة الإدارة المنجزة لهذه الأشغال لفائدتها نفعا ثابتا، واعتبارا لكون المدعي لم
يتمكن ليقوم بإنجاز تلك الأشغال إلا بموافقة جهة الإدارة وتحت إشراف موظفيها، فإن
مثل هذه الوضعية تشكل إثراء لهذه الإدارة على حساب الغير "[155]
وبالإضافة إلى نظرية
الإثراء بلا سبب هناك نظرية أخرى تتجلى في نظرية الخطأ المشترك أو المسؤولية
الإدارية للإدارة والفرد المنجز الصفقة لكي توزع المسؤولية بينهما تجنبا لتبذير
الإنفاق العمومي، وتعد هذه النظرية من الأسباب التي اعتمد عليها مجلس الدولة
الفرنسي وكذا القضاء الإداري المغربي في قضية شركة أنكوط ضد الوكيل القضائي بحيث
ذهبت محكمة الرباط الإدارية على تقسيم المسؤولية وجعلها مشتركة بين كل من الإدارة
والمقاولة وتحمل كل طرف نصيبه من المسؤولية نتيجة القيام بأشغال خارج الضوابط التي
تحكم الصفقات العمومية[156]، ومن تم يبرز دور
القاضي الإداري باعتباره المنشئ للقاعدة القانونية ويبتدع الحلول، لكي يكون قادر
على تكريس حماية حقيقية للمتعاقدين في إطار الصفقات العمومية وإن كان معظمها
يستخرج من القانون المدني .
ثانيا:
دور القضاء الشامل في عملية التنفيذ الصفقة
تمتلك الإدارة الجماعية
سلطات وامتيازات تخول لها مهمة الإشراف والرقابة والتوجيه، وغالبا ما تتجسد
السلطات المخولة إليها في مجموعة من القرارات والأعمال التي تتخذها بشكل فردي لكن
هذه السلطة ليست مطلقة، بل هي مقيدة بمجموعة من الاعتبارات والضمانات منحها
الاجتهاد القضائي للمتعاقد معها باعتباره الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية بهدف
حمايته من تعسف الإدارة، الشيء الذي يدفع بقاضي القضاء الشامل لبسط رقابته على هذه
الأعمال و منها:
1- رقابة قاضي القضاء الشامل على
سلطة الإدارة في توقيف الأشغال
تتمتع الإدارة الجماعية
عند ممارستها لسلطة الإشراف والتوجيه بحق إصدار الأوامر بالخدمة في شكل قرارات لتوقيف الأعمال موضوع الصفقة، وفي
أحيان كثيرة ترتبط هذه الأوامر والقرارات بصفقات الأشغال باعتبارها الأكثر عرضة
لإصدار قرار التوقيف أثناء تنفيذها، بحيث يمكن أن تظهر مستجدات أثناء التنفيذ
كبروز معطيات جديدة تستدعي من الإدارة توقيف الأشغال إلى حين إعادة النظر في
الإجراءات من طرف المقاول، لكن قرار توقيف الصفقة قد يؤثر على المقاول وعلى وضعيته
المالية، لأنه تحمل تكاليف طيلة مدة العقد كأجور العمال مثلا... لذا يرى القضاء
أنه من حق المتعاقد أو المقاول الحصول على التعويض من أجل جبر الضرر وفي هذه
الإطار صدر حكم عن إدارية الدار البيضاء جاء في إحدى حيثياته "حيث يرمي طلب
المدعية إلى الحكم على الجماعة الحضرية لسطات في شخص رئيسها، بأدائها لفائدتها
مبلغ 1.478.545.91 درهم قيمة الفوائد القانونية المترتبة عن إيقاف الأشغال من
طرفها، في إطار الشطر الأول من الصفقة رقم 28/set/95، مع الفوائد القانونية وتعويضا قدره 100.000.00 درهم"[157]
ومنه نخلص أن توقيف الصفقة بعد بداية العمل فيها من صاحب المشروع، يعطي الحق
للمتعاقد للمطالبة بالتعويض، لكن قاضي العقد يتدخل في هذه الحالة للبحث عن الأسباب
التي دفعت بالإدارة لتوقيف العقد من خلال التمعن في وثائق الملف والبحث عن القرائن
أو الظروف والملابسات المحيطة بالنازلة.
2- رقابة قاضي العقد على سلطة
الإدارة في تعديل عقد الصفقة
تعتبر سلطة الإدارة في
تعديل العقد من الحقوق والامتيازات المهمة المخولة لها لمواجهة المتعاقد معها،
فهذه السلطة تعطيها الحق لتعديل حجم من الالتزامات الملقاة على عاتق المتعاقد معها
بإرادتها المنفردة ودون أخد الموافقة منه، فتزيد من أعبائه أو تنقصها بالقدر الذي
يتلاءم مع الظروف[158]،
فهذه السلطة التي تمتلكها الإدارة ليست امتيازا من نصوص العقد فحسب، بل طبيعة
المرفق العام والمصلحة العامة تستدعي ذلك، لذلك فليس من حق المتعاقد معها أن يحتج
بقاعدة الحق المكتسب أو قاعدة العقد شريعة المتعاقدين، لأن فكرة المصلحة العامة
تجعله قابلا للتغيير، لذا فأحكام القضاء الإداري أقرت هذا الحق للإدارة وهذا ما ذهبت
إليه إدارية الدار البيضاء في حكم صادر عنها بحيث جاء فيه "حيث أنه من
المستقر عليه في الفقه والقضاء الإداريين، أن سلطة جهة الإدارة في تعديل العقد أو
تعديل طريقة تنفيذه، هي الطابع الرئيسي
لنظام العقود الإدارية، ومقتضى هذه السلطة أن جهة الإدارة............،تملكمن
جانبها وحدها وبإرادتها المنفردة حق تعديل العقد أثناء تنفيذه، وتعديل التزامات
المتعاقد معها على نحو وصورة لم تكن معروفة وقت إبرام هذا العقد، فتزيد من أعباء
الطرف الآخر أو تنقصها من غير أن يحتج عليها بقاعدة العقد شريعة المتعاقدين"[159]لكن
إذا اعترف القضاء بحق الإدارة في تعديل بنود العقد دون مشاركة المتعاقد معها في
ذلك، فإن استعمالها لهذا الحق يجب أن يكون مرتبطا بالمصلحة العامة، وهذا ما قضت به
محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط بحيث عللت ذلك " وحيث أنه من جهة ثالثة،
فمبدأ الاستقرار العقدي المعروف في العقود الخاصة، لا يمكن تطبيقه على عقد الصفقة،
باعتبار أن هذه العقود قابلة وطيلة مدة تنفيذ للتعديل لزيادة الأشغال، وذلك حسب ما
تمليه المصلحة العامة."[160]
ومنه نستنتج أن الإدارة لها حق تعديل بنود العقد بما تمليه المصلحة العامة ولا تمس
بالمزايا المالية المتفق عليها ويجب أن يكون التعديل محكوم بالحدود المنصوص عليها
في المادة 52 من مرسوم 4 مايو 2000 المتعلق بدفتر الشروط العامة سواء بالزيادة أم
النقصان.
3- رقابة قاضي العقد على السلطة
الإدارة في توقيع الجزاءات
تملك الإدارة الحق في
ممارسة سلطة توقيع الجزاءات على المتعاقد معها وهذا معترف لها من طرف القضاء في
حالة تقصيره في تنفيذ التزاماته، لكن كون القضاء أجاز للإدارة صاحبة المشروع
استعمال سلطة توقيع الجزاءات بإرادتها
المنفردة فإن هذه السلطة ليست مطلقة كما سبقت الإشارة إلى ذلك لأن القضاء أخضعها
لرقابة قاضي العقد في إطار القضاء الشامل وتضمن هذه الرقابة توازي السلطة الواسعة
للإدارة وتمثل ضمانة فعالة للمتعاقد للجوء إلى القاضي كلما تعرض لتعسفات الإدارة،
ولهذا فقاضي العقد هو المختص للنظر في المنازعات الناشئة بين الإدارة والمقاول في
هذا المجال لكي يفحص قرارات الجزاء من جانبين أساسيين هما المشروعية والملائمة ،و
هذا ما أقرته محكمة الدار البيضاء الإدارية في حكم لها الذي جاء فيه" وحيث
يذهب الفقه في المغرب، خلال دراسته للرقابة القضائية على تطبيق الجزاءات في ميدان
الصفقات العمومية، على أن مراقبة المشروعية ومراقبة ملائمة الجزاءات المطبقة من طرف
الإدارة، تتمثل في مراقبة احترام المسطرة صدوره، وان يكون الجزاء مشروعا بان يكون
صادرا عن سلطة مختصة، وغير مشوب بالشطط في استعمال السلطة، وان مراقبة القاضي
الإداري لا تقتصر فقط على التأكد من الوجود المادي لأسباب الجزاء وتكييفها، وإنما
تتمثل هذه المراقبة أيضا في مدى ملامة الجزاء، مع خطورة الأفعال الصادرة عن
المقاول، والذي اعتبر إخلالا بالالتزامات التعاقدية"[161]
فمن حيث المشروعية يراقب القاضي قرار الجزاء و يتأكد أنه خال من عيوب المشروعية سواء الداخلية أو
الخارجية و من حيث الملائمة فيفحص مدى ملائمة الجزاء وخطورة الفعل المرتكب من طرف
المتعاقد، ومنه نخلص أن القاضي الإداري عند مراقبته لسلطة الإدارة في توقيع الجزاء
على المتعاقد معها، فإن هذه المراقبة لا تقتصر عند التكييف القانوني لقرار الجزاء،
وفحص مدى توفره على عناصر المشروعية المعروفة، وإنما تشمل هذه المراقبة أيضا تناسب
الجزاء مع خطورة الفعل المرتكب.
4- رقابة قاضي العقد على سلطة
الإدارة في فسخ عقد الصفقة و إنهائه
للإدارة الحق في إنهاء
العلاقة التعاقدية التي تجمعها مع المتعاقد معها إذا كانت المصلحة العامة وحسن سير
المرفق يدعوان إلى ذلك، لهذا للإدارة الحق في إنهاء عقد الصفقة بإرادتها المنفردة
قبل انتهاء مدته، حتى ولو لم يكن أي خطأ من طرف المتعاقد معها، يكفي أن يكون وراء
الإنهاء المصلحة العامة، ويمكن القول على أن الفقه سلم للإدارة بهذا الحق واعتبرها
ليست مجبرة على الاستمرار في علاقاتها التعاقدية، كما يجوز لها إعمال هذا الحق من دون الحاجة إلى
موافقة الطرف الآخر ونجد إلى جانب الفقه القضاء الإداري الذي هو الآخر اعترف للإدارة
بهذا الحق لكنه أكد على أن هذه السلطة ليست مطلقة، بل هي سلطة تقديرية مقيدة
بالمصلحة العامة، وحين تستعمل الإدارة هذه السلطة فهي تستعملها تحت رقابة القضاء
الإداري، وفي هذا الاتجاه صارت محكمة الدار البيضاء الإدارية إذ جاء في أحد
أحكامها"وحيت إنه إذا كان الفقه والقضاء الإداريين قد استقرا على أنه
للإدارة الحق دائما في إنهاء عقودها، حتى
ولو لم يرتكب المتعاقد أي إخلال أو خطأ من جانبه، وأن للإدارة سلطتها في إنهاء
العقد متى قدرت أن ذلك تقتضيه المصلحة العامة، ويبقى للطرف الآخر الحق في التعويض
إذا كان لها وجهة نظر، فإن ذلك رهين بوجود ظروف تستدعي هذا الإنهاء، وأن يكون رائد
الإدارة في الإلتجاء إليه هو تحقيق المصلحة العامة المقصودة. وحيث أنه من الثابت
أيضا أن الإدارة حين تستعمل تلك السلطة، وإنما تستعملها تحت رقابة القضاء، وللقاضي
الإداري بناء على طلب المتعاقد أن يتحرى الأسباب الحقيقية التي دفعت الإدارة إلى
إنهاء العقد، ويصبح القرار الصادر بالإنهاء غير مشروع، إذا قام الانتهاء على سبب
غير سليم أو إذا استهدفت الإدارة مصلحة غير المصلحة العامة."[162]
ومنه يظهر أنه إذا كان
من حق الإدارة إنهاء عقد الصفقة وفسخه، فإنه بالمقابل ذلك للمتعاقد الحق في الحصول
على التعويض المناسب عن الضرر الذي لحقه جراء هذا الإنهاء الذي يطالب به أمام
القضاء الشامل ،لأن ضرورة الحفاظ على المصلحة العامة لا تبرر التضحية بمصلحة
المتعاقد الخاصة، لذلك يجب التوازن بينهما لكي لا تهدر إحداهما، فعند خروج الإدارة
عن نطاق المصلحة العامة في ممارسة سلطتها في إنهاء عقد الصفقة كان تصرفها في هذه
الحالة خطأ يرتب مسؤوليتها التعاقدية، وهو ما يعطي الحق للمتعاقد في اللجوء للقضاء
،للحصول على التعويض عن الضرر الحاصل له.[163]
وإذن إذا كان القضاء الإداري لا يتردد في الاعتراف
للإدارة بحق إنهاء عقودها، متى شأت المصلحة العامة ذلك، فإن بمقابل ذلك لا يتردد
في توفير الحماية القضائية للمتعاقد معها، شريطة أن يتحقق التوازن بين المحافظة
على سلطات الإدارة في إنهاء عقود صفقاتها، وصيانة الحقوق والضمانات المخولة بمقتضى
العقد للطرف المتعاقد معها.